بمجرد أن أعلن المستشار خالد محجوب رئيس محكمة جنح الإسماعيلية اتهامه لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله وحركة حماس باقتحام سجن وادى النطرون لتهريب معتقلين من الإخوان بينهم الرئيس محمد مرسى نفسه ، حتى انطلقت مدافع الإسلاميين تدك المحكمة والقضاء وتقول أن الحكم سياسى هدفه تبرئة حبيب العادلى وزير داخلية مبارك من قتل الثوار.. وذهب آخرون إلى أن الحكم يجىء فى توقيت استفزازى قبل التحرك الشعبى الواسع لسحب الثقة من الرئيس مرسى غداً ، وكأن الإخوان يرفضون أحكام القضاء إذا ما جاءت مخالفة لمصالحهم وأهدافهم ويقبلونها إذا ما اتفقت مع مخططاتهم وفى هذا إتهام للقضاء بأنه يساند التيار الشعبى القوى الذى تقوى شوكته يوماً بعد يوم لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. خطورة الحكم الذى أصدره المستشار محجوب أنه نزع ورقة التوت التى يتدثر بها حزب الحرية والعدالة الجناح السياسى للجماعة ، والتى ترتكز على أن الإخوان هم من حموا الثورة ودافعوا عن ميدان التحرير ، وأنهم هم الذين تصدوا لرجال العادلى الذين قتلوا الثوار.. كما أنه نزع عنهم غطاء الشرعية السياسية عندما اتهمهم بالتآمر لقلب نظام الحكم والتخابر مع جماعات أجنبية وتهريب سجناء بناء على مخطط إخوانى تم فى ثالث أيام الثورة مع قيادات حماس وحزب الله .. وقد فهم المصريون جميعاً من الحكم أن الإخوان وشقيقتهم الصغرى حماس وحزب الله وكتائب القسام هم من اشاعوا الفوضى فى البلاد وروعوا العباد وأطلقوا سراح أكثر من 11 ألف سجين الذين بدورهم أشعلوا الحرائق فى أقسام الشرطة وقتلوا الضباط وهربوا جميع المحتجزين ونهبوا "السلاحليك" أو المكان الذى يحتفظ فيه رجال الشرطة داخل كل أقسام البوليس بأسلحتهم وذخائرهم.. إذن الإخوان طبقاً للمحكمة – ارتكبوا الخيانة العظمى وتآمروا وتخابروا وهددوا أمن المواطنين .. وبذلك لم يكن تخطيط الإخوان مع حماس لدعم الثورة المصرية ، ولكن لإطلاق سراح معتقلى الجماعة ومنهم الرئيس مرسى وسعد الكتاتنى وعصام العريان وصبحى صالح وحمدى حسن وآخرين.. ولأن المحكمة لا تملك تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهمين من الإخوان وحزب الله وحماس وغيرهم فقد طلبت من النيابة العامة مخاطبة الشرطة الدولية "الانتربول" لإعتقال الأعضاء فى حزب الله وحماس من المدانين والفارين من سجن وادى النطرون بالإضافة لسماع أقوال قيادات الإخوان الذين هربوا ومنهم الرئيس مرسى نفسه وكذلك الذين خططوا من قيادات الجماعة داخل مصر واتصلوا بحماس وحزب الله..والحقيقة أن هذا الحكم يمثل خطراً بالغاً على الرئيس ويشكك فى شرعيته السياسية ، فما بنى على باطل فهو باطل .. وبالتالى فإن الهروب حتى وإن لم يكن بتخطيط من الرئيس ويمكن أن يتعلل بأنه هرب فى الفوضى التى أعقبت الاقتحام وخاف على نفسه من إطلاق الرصاص والعنف الدائر خارج الأسوار..إلا أنه مع ذلك "جنحة" تستوجب سماع أقواله فيها .. وقد حدث هذا مع الرئيس الأمريكى الأسبق بل كلينتون وتم سماع أقواله ، وتم إيقاف رئيس كوريا الجنوبية فى مارس 2004 عن العمل لمدة 6 أشهر نتيجة لتمويل مشبوه فى حملته الانتخابية رأت المحكمة أنه استفاد منه لبلوغ المنصب.. إذن دعونا نتفق أن هروب الرئيس من السجن وحتى لو لم يكن مساهماً فى التخطيط له والإتصال بقيادات حماس .. فإنه يظل "جنحة" تجعله صاحب سوابق ولا تبرأ ساحته إلا بعد التحقيق معه ..لقد ركزت حيثيات الحكم على أن المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات وهى إشارة إلى ان الرئيس مثل أى مواطن مطالب بواجباته وحق الشعب فى أن يعلم حقيقة موقفه من الهرب فى إطار الشفافية التى تحدث عنها فى بداية حكمه بميدان التحرير.. مؤامرة على الثورة إن هروب الرئيس مرسى ورفاقه يوم 28 يناير يعنى أنه كان هناك "تعمد" لإشاعة الفوضى وقلب نظام الحكم .. فحتى هذا اليوم الذى تم التخطيط فيه للهروب لم تكن الثورة قد نجحت بعد ، وكان الرئيس السابق فى الحكم ونزول القوات المسلحة لم يكن قد اكتمل ، ولم يفكر قادة المجلس العسكرى فى إصدار بيانهم الأول بدون دعوة مبارك قائدهم الأعلى للاجتماع.. لذلك فإن المخطط الإخوانى للتخابر مع حماس والتآمر على قلب نظام الحكم تم قبل موقعة الجمل .. الإخوان لم يباركوا الثورة فى أيامها الأولى لأن همهم الأول كان إطلاق سراح المعتقلين من جماعتهم ، وكان ذهنهم منصرفاً إلى شىء آخر .. فلما نجحت الثورة ركبوها وأدعوا أنهم من حموا الثوار ولولاهم لما حققت الثورة هدفها من إسقاط النظام .. إن إشارة المستشار خالد محجوب للجماعة بأنها "تنظيم إخوانى" تعنى أنها غير شرعية حتى الآن رغم أن لها حزباً يحتكر الأغلبية التشريعية ..ومن ثم فعلينا أن نتعامل مع حيثيات الحكم بانها تمثل ضغطاً شرعياً على الرئيس ، على الأقل لإثبات برائته وسماع أقواله .. بالعكس رأيى الشخصى أن هذا سيقويه ويفيده لو استمعت النيابة لأقواله وتم تبرئة ساحته فى القضاء .. أما الزعم بأن الدستور يحمى الرئيس ويحصنه من السلطة القضائية بكافة أنواعها فهذا صحيح طبقاً للمادة 152 من الدستور ولكنها تقتصر على تهمة "الخيانة العظمى" التى تستلزم عقد محاكمة خاصة له بعد موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب .. إذن الرئيس لا يواجه تهمة "خيانة عظمى" أو جناية ، بل مجرد "جنحة" الهروب من السجن ، أما إذا اثبتت التحقيقات أنه كان على علم بالتآمر مع حماس وحزب الله ، فهنا فقط تتحول الجنحة لجناية ..حزب الحرية والعدالة يزعم أن الرئيس كان سجيناً سياسياً فى عصر ديكتاتورى ولم يصدر بحقه أمر اعتقال ، وأن التهمة كانت ملفقة ومن ثم فإن هروبه ليس جريمة لأنه لم يصدر ضده حكم قضائى نهائى .. وهذا صحيح لو كان الرئيس مرسى ظل مواطناً عادياً ، فمن حقه العودة لعمله بالجامعة ، والتمتع بحريته .. أما وقد صار رئيساً للجمهورية فينبغى أن يمارس الشفافية ويدحض الشائعات ويقتل الظنون ويتحلى بالشجاعة الأدبية.. مقارنة مع مانديلا إن هروب الرئيس مرسى من السجن ، والمخطط التآمرى الذى دبرته جماعة الإخوان لذلك بحجة أنه كان سجيناً سياسياً لنظام فرعونى متسلط يلفق التهم ويعتقل الأبرياء ، يدفعنى لمقارنته مع حالة نلسون مانديلا أشهر سجين سياسى فى العالم والذى أصبح فيما بعد رئيساً لجنوب أفريقيا ..تم اعتقال مانديلا فى عصر التمييز العنصرى فى جنوب أفريقيا عام 1962، وهو النظام الذى رفضت دول العالم كله الاعتراف به ماعدا اسرائيل .. وتم إطلاق سراحه عام 1990 بقرار من دى كليرك آخر رئيس عنصرى لجنوب أفريقيا .. 28 عاماً قضاها مانديلا فى السجن وهو برىء نتيجة لسطوة وتسلط النظام العنصرى البغيض فى بلاده حيث كان السود يعاملون كالعبيد وأقل .. وتقول وينى مانديلا زوجته التى انفصل عنها فى مذكراتها "أن قبيلته القوية وزعماء السود طلبوا منها أكثر من مرة أن تستأذنه فى القيام بثورة عارمة ضد حكم البيض على أن يقوموا بتهريبه من السجن .. فإذا فشلت الثورة يلجأ إلى منفى اختيارى يقود منه المعارضة ، وإذا نجحت يصبح رئيساً .. لكن مانديلا رفض خوفاً على شعبه .. تقول وينى "خاف من مذابح انتقامية يشنها البيض على قومه .. ارتعد عندما فكر فى أن تتم إبادة شعبه بالكامل ، خصوصاً وأن البيض كانوا قد بدأوا فى عملية تطهير عرقى للأهالى .. وتضيف وينى "رأيته يبكى لأول مرة عندما تصور أن هروبه سيؤدى للإضرار بشعبه ، وقال لى سأموت فى سجنى أفضل من أضر شعبى ..من أجل هذا دخل نلسون مانديلا التاريخ كأعظم زعيم ضحى بنفسه من أجل شعبه ، وسيدخل مرسى التاريخ كأول رئيس هرب من السجن ليتسبب فى قتل شعبه وترويعه وتسخير رجال حماس وحزب الله وكتائب القسام للسيطرة على ميدان التحرير بأسلحتهم وذخائرهم التى أثبت البعض أن الرصاصات الموجودة فى أجساد الشهداء ليست من تلك التى تستخدمها الشرطة المصرية ولا من أسلحتها .. مانديلا خاف على الشعب .. ومرسى أطلق البلطجية الذين تسببوا – وما زالوا – فى قتل المصريين وترويعهم وسرقتهم وخطفهم ومازالوا يفعلون بعد 30 شهراً من ثورة يناير.. وتبقى كلمة أخيرة أشك أن النيابة العامة التى أصبح المسئول عنها موظفاً لدى الرئاسة وليس محامياً عن الشعب ستتولى مخاطبة الانتربول للقبض على زعماء حماس وحزب الله الواردة اسمائهم فى حيثيات الحكم ، كما يستحيل على سيادة المستشار طلعت عبدالله النائب العام استدعاء الرئيس أو حتى أى من قيادات الإخوان لسماع أقوالهم فى الطلبات التى تقدمت بها محكمة جنح الإسماعيلية ، الأمر الذى سيرشح العداء بين القضاء والرئاسة للتصاعد ويزيد الخصومة ويزرع الشكوك فى أى أحكام لا تكون وفقا لهوى الإخوان .. أيضاً إذا استعان كل مسجون أو محكوم عليه بتنظيمات خارجية للإفراج عنه ، فإن الدولة ستكون قد اختارت شريعة الغاب وتخلت عن سيادة القانون .. وستغيب العدالة عن كل طالب حق إذا ما تعارض حقه مع الإخوان .. وتصبح مصر هى الدولة الوحيدة التى تصبح العدالة فيها "مبصرة" ترى الأحباء بعين الرضا حتى ولو كانوا مدانين ، وتسجن الخصوم ظلماً حتى لو كانوا أبرياء "ساذجين"!.