ظل "الاتحاد الخليجي" أحد الأهداف التي أقرها النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي منذ نشأته عام 1981، ولكنه غاب عن التحقيق حتى يومنا هذا، إلى أن جاء مقترح العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ليحرك أمواجاً كثيرة في المياه الخليجية بدعوته إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد. وعلى الرغم من القفزة التي حققها "الاتحاد الخليجي" ، إلا أن هناك عدداً من العقبات تقف حائلاً دون وصوله إلى مرحلة الكيان الواحد ، ولا سيما أن لكل دولة من دول المجلس رأيها وموقفها الخاص من هذا المفهوم القائم على تقديرها لمصالحها الإستراتيجية، ولكل منها أيضاً تصورها الخاص لمفهوم الاتحاد. وتقف سلطنة عمان على الحياد وبقدر من التكتم تجاه مفهوم " الاتحاد" ، وكذلك لم يظهر موقف محدد من الإمارات، في حين تراه قطر مقصوراً على المجال الاقتصادي، وهو ما برز خلال تصريح خادم الحرمين الشريفين بأن "التعاون في المجال الاقتصادي هو بمثابة حجر الأساس للاتحاد الخليجي". على الجانب الأخر تتخذ الكويت موقفاً حذراً ومتردداً، كما تظهر بعض القوى والجماعات رافضة لهذا المشروع، وتنحصر بالأساس في دول المجلس ذات الأغلبيات أو الأقليات الشيعية الكبيرة، مثل البحرين والكويت. كما أكد الأمين العام لجمعية الوفاق "الشيعية" في البحرين على حق الشعب البحريني في مقاومة مشروع الاتحاد مع السعودية بشتى الطرق، كما أن هناك رفضاً للمشروع من جانب الشيعة، وبعض الشخصيات من السنة في الكويت. آراء متباينة في الوقت الذي لقى مفهوم " الاتحاد الخليجي" ، قدراً كبيراً من الترحاب من قبل الأطراف الداعية له، إلا أنه رفض من بعض الأطراف. ولاقت فكرة الملك عبد الله في القمة ال32 في الرياض في ديسمبر2012 الداعية إلى تشكيل الاتحاد الخليجي، ترحاباً كبيراً من قبل قادة دول المجلس، ولكن لم تعلن أي منها موقفاً رسمياً من المشروع. وتمثلت أبرز حجج الموافقين على هذه الفكرة، لكون الاتحاد أحد الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي للمجلس، وهو التطور الطبيعي بعد أكثر من ثلاثين عامًا من الممارسة، فضلاً عن إسهامه في التكامل الاقتصادي، وتحقيق حلم للمواطنين، والتأسيس لقيادة مجلس التعاون في العالم العربي، وهي القيادة التي برزت في سياق الثورات العربية. فيرى المؤيدون لهذه الفكرة بأنها تمثل فرصة لتجاوز وامتصاص بؤر التوتر الداخلي في بعض الدول التي يتعرض أمنها للخطر، والتي يمكن أن يمتد خطرها إلى باقي الدول الخليجية، وأنها تأتي كرد طبيعي على التهديدات الإيرانية المتكررة لدول الإقليم، ومؤخراً تهديدها للإمارات، وموقفها المتشدد من قضية الجزر، وهو أيضاً للرد على أي احتمال لاضطراب الأمن الإقليمي الخليجي مجدداً بالحرب مع إيران، وكذلك للرد الطبيعي على ثورات الربيع العربي. أما على جانب الرافضين أو المعارضين لهذه الفكرة، فهناك تخوف من أن يكون الاتحاد على حساب الدول الصغيرة، وأنه يعكس رغبة سعودية في الهيمنة، وهو أمر له جذور في العلاقات الثنائية مع المملكة منذ فترة، فترى بعض الدول في دعوة الاتحاد طريقة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج، وفرض جدول أعمالها عليها؛ ولا سيما لأن الفكرة لا تحظى بتأييد الأغلبية الشعبية في بعض الدول الصغيرة. ومن ناحية أخرى، تخشى دول الخليج الأصغر أن تفقد النفوذ الاقتصادي والسياسي، وخاصة للتفاوت في حجم سكانها مقارنة بالسعودية على سبيل المثال، التي يزيد عدد سكانها خمس مرات على سكان عمان ثاني أكبر دولة في المجلس. نظرة طائفية كما تبرز وجهه نظر طائفية، ترى أن هذه الفكرة تسعى لإغراقهم في وسط سكاني أوسع، ويترأس هذه النظرة الشيعة في البحرين الذين يتخوفون من إنهاء أوضاعهم التمييزية كأغلبية هناك حال تطبيق هذه الفكرة، فيرون أنهم سيفقدون هذه الميزة في حال تحقيق نوع من الاتحاد مع "السعودية"؛ لأن نسبتهم لا تتجاوز 10% من أصل حوالي عشرين مليون نسمة، في حين ترى وجهة نظر أخرى أن ذلك قد يعطي للشيعة إطاراً أوسع للحركة، ويعد شيعة السعودية مثلاً بمدد سكاني من شيعة البحرين، وقد يرفع الطموح بتقارب جغرافي سكاني مذهبي يكون له تأثير ضاغط مستقبلاً. ولم تخل الدعوة للاتحاد من الهجوم الإقليمي ضدها ولا سيما من إيران، فكان أحد الردود الإيرانية على هذه الدعوة، دعوة مماثلة، حيث طُرح مشروع للاتحاد بين "إيران" و"العراق"، على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لطهران. وبالرغم من التباين في الموقفين السابقين إزاء هذه الدعوة، غير أن هناك ضرورات حيوية تؤكد أهمية الاتحاد الخليجي في الفترة الراهنة، لاعتبارات عديدة، منها: الثورات العربية التي تطرح تحديات هائلة على دول مجلس التعاون الخليجي، سواء الثورات في الدول التي نجت بثورتها، أو تلك التي وقفت عند نقطة ما من الاستقرار الثوري على وضع مضطرب، مثل ليبيا واليمن، أو تلك التي تعثرت فيها الثورة حتى الآن مثل سوريا، وبالتالي يرى المراقبون أن تكوين الاتحاد من شأنه حماية الدول الخليجية من خطر انتقال الثورات لديها، وخاصة مع احتمال اقتراب أبواب الربيع في بعض منها الأردن، وتفاقم الأوضاع الداخلية بدول المجلس. ومن ناحية أخرى، أدى الموقف الأمريكي أثناء الثورات العربية إلى مطالبة البعض في الخليج صراحة دول المجلس بالتفكير في شئونها الأمنية ومستقبلها السياسي، في ظل احتمال عدم توقع مساندة من الحليف الأمريكي، وخاصة بعد أن تخاذلت في تعاملها مع أطراف يفترض أنهم حلفاء، فكانت الانتقادات الأمريكية الرسمية المبطنة والعلنية أحياناً للأوضاع في البحرين مثالاً على ذلك، ومثلت كل هذه الأمور إلى جانب احتمالية اقتراب الخليج مجدداً على موعد مع الحرب، ضرورة منطقية من أجل تكوين الاتحاد الخليجي. سيناريوهات محتملة في ضوء ما سبق، يمكن تصور بالمدى الزمني القريب والمتوسط، وفي ضوء إدراك طبيعة صناعة القرار الخليجي والمواقف السابقة للدول مجموعة من الاحتمالات: وفيما يخص السيناريو الأول، فمن الممكن أن يتم الإعلان عن اتحاد شامل "تدريجي"، وهو احتمال ينبع من إدراك دول المجلس الست صعوبة إعلان إحداها رفضها لمشروع اتحادي، وهو أمر يتطور داخل المجلس، وإن كان ببطء، خصوصاً في ظل ارتفاع طموح المواطنين، وتنامي آرائهم السلبية عن المجلس بشكل مستمر. أما ثاني هذه السيناريوهات، فينطوي في الإعلان عن صيغ اتحادية أدنى، ولا سيما مع تحفظ الكثير من الدول، واتجاهها إلى الاكتفاء بالإعلان عن اتحادات ثنائية؛ مما يفتح صيغة الاتحاد لدول أخرى، أو يفتح الباب أيضاً لاتحادات ثنائية أخرى مقبلة بين دولتين، أو أكثر من دول المجلس كمسعى للتقريب دون الوصول إلى اتحاد شامل السعودية والبحرين. وبالتالي فمن الممكن وفقاً لهذا السيناريو تبني مفهوم "الاختيار والتخصيص"، بمعنى أن الاتحاد الخليجي سيكون لمن يختار الدخول فيه، وهنا تتيح صيغة الاختيار للموافقين والمعارضين باباً لحرية الحركة، ومبرراً أمام الرأي العام والشعب في الداخل لموقف الرافض أو المعارض، فضلاً عن أنه يفتح الباب لدخول الاتحاد وفق المستجدات والظروف. ويتفرع من هذا السيناريو اتجاه أخر، وهو أن يؤسس الاتحاد على أساس تخصيص مجالات محددة للاتحاد الكامل، ومجالات أخرى تبقى عند ذات المستوى غير الاتحادي، بأن يتم تعميق الاتحاد الاقتصادي دون الاتحاد الأمني أو السياسي، وهو ما يتقارب مع النظرة القطرية بالأساس. وعن ثالث هذه السيناريوهات، فيتوقع كثير من المحللين اتجاه القادة إلى الإعلان عن مشروع الاتحاد، ولكن سيكون حظه من التطبيق ليس أكثر من حظوظ ما سبقه من بيانات تتعلق بالعملة الخليجية الموحدة، والمصرف الخليجي الموحد. وفي ظل جميع الاحتمالات والسيناريوهات السابقة، سوف يظل قرار الاتحاد غير نهائي، وسيرتبط تحقيقه بمدى استقرار هذه الدول على معان ومفاهيم خاصة وجديدة لمعنى كلمة "الاتحاد" التي تقصدها، على نحو يبعده عن المفهوم المتعارف عليه في التجارب الدولية، وضرورة إعطائه قدراً من الضخامة إعلامياً، تناسب ما قد يتحقق منه على أرض الواقع.