تزايدت التسريبات، هذه الأيام، بشأن دور الأقباط، في احتجاجات 30 يونيو الحالي، بل إن تقارير كتبها صحفيون متخصصون في الملف الطائفي، تؤكد أن الكنيسة، عقدت سلسلة من الاجتماعات حضرها، قادة دينيون، وكذلك سياسيون وبرلمانيون أقباط، انتهت بضرورة حث المسحيين المصريين على المشاركة، في تلك الاحتجاجات المتوقعة. وتقول تلك التسريبات إن قرار البابا "تواضروس" الثاني، بتحريك الحشود القبطية صوب قصر الاتحادية، في ذلك اليوم، جاء على خلفية، وعود تلقاها من جبهة الإنقاذ، بحصة للكنيسة في المجلس الرئاسي، المقرر تشكيله حال نجحت الاحتجاجات وخرج الرئيس مرسي من السلطة. أعرف أن غالبية تلك التقارير، ربما كتبت في "مكتب الإرشاد"، في إطار حرب الشائعات، المتبادلة بين كل الأطراف المتصارعة على السلطة. وفي هذا السياق، يُعتقد بشكل يكاد يكون قاعدة مستقرة في الأداء السياسي الرسمي أن حشر "الأقباط" في أي نشاط مدني، يعتبر "مستفزا" للأغلبية المسلمة في مصر، وهي القاعدة التي توظف سياسيا، للتأثير على الرأي العام المسلم وتوجيهه صوب هدف معين. ولقد استخدم الإسلاميون، ورقة الأقباط، لحشد الأصوات المؤيدة، لدستور 19 مارس المؤقت، بزعم أن الكنيسة، تحشد ضده، لإلغاء المادة الثانية، الخاصة بالهوية الإسلامية للدولة. وبتراكم المواقف المشابهة، تحولت الظاهرة، في أرشيف الخبرة المصرية، إلى "جريمة اجتماعية" ، حين جعلت أية أنشطة، سياسية أو ثقافية، يكون الأقباط طرفا فيها.. جعلت في ذاكرة الإسلام السياسي "مؤامرة" على الإسلام. صحيح أن ثمة صراعا، بين الكنيسة والمجتمع على "هوية الدولة".. ولكنه كان صراعا على هامش "متن" أزمة مآلات السلطة في مصر، في مرحلة ما بعد مبارك، حين استخدم الأقباط، كورقة "دعم" لأحلام "العائلة الحكمة" آنذاك في نقل السلطة، من "مبارك الأب"، إلى "مبارك الابن".. ما أغرى شهية بابا الأقباط الراحل شنودة، على التوسع في "نصرنة" المعمار المصري.. وتحويل المسيحية من "دين" إلى "هوية" موازية للهوية الوطنية المصرية. غير أن هذه الأزمة تراجعت كثيرا، بعد ثورة 25 يناير، حيث اختفى طرفا "الصفقة" : مبارك وشنودة.. وتراجع إلى حد كبير الدور الطائفي للكنيسة، مقابل تزايد الإقبال القبطي على المشاركة في العمل العام، من خلال الانخراط في الأطر الوطنية المدنية، من أحزاب ونقابات ومؤسسات منتخبة.والمفارقة هنا أنه بدلا من تشجيع الأقباط على استثمار لحظة التحول تلك، والانفتاح على المجتمع بوصفه ملكا للجميع.. يجتهد الإسلاميون في تعزيز مشاعر الكراهية ضدهم، لحملهم على العودة مرة أخرى إلى الاحتماء في محاضن الطائفية بالكنيسة، بوصفها "الملاذ الآمن" من "الأعداء" المسلمين.. ومناط "الولاء والبراء".. بدلا من الجماعة الوطنية والدولة الأم.هذه الأيام، يعاد إنتاج ذات المنحي الانتهازي الرخيص، واستخدام ورقة "الأقباط" كالعادة لاجهاض ثورة 30 يونيو المتوقعة.. ومحاولة تقديمها للأغلبية المسلمة، بوصفها "ثورة مسيحية" ضد "الرئيس الإسلامي".. رغم أن خروجهم بمشاركة المسلمين ضد الرئيس، هو نضال سياسي مدني، على أجندة وطنية.. وليست طائفية، حتى وإن تضمنت مطالب خاصة بهويتهم الدينية.