رأت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن الاضطرابات التي تشهدها تركيا تثبت أن الأتراك غير مستعدين لحكم سلاطين جدد، في إشارة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. ورصدت المجلة - في تعليق على موقعها الإلكتروني اليوم السبت- حالة التبرم السائدة بين الأتراك من الأسلوب السلطوي الذي ينتهجه أردوغان، الديموقراطي ابن الطبقة المتوسطة، في إدارته لشئون البلاد كما لو كان أحد السلاطين العثمانيين. ونوهت عن المخاوف القائمة من استفحال استبداد أردوغان الذي وصف الديمقراطية ذات يوم بأنها قطار يستطيع المرء النزول منه متى وصل المحطة التي يرومها، مشيرة إلى الأصوات التي تتهم الرجل -المنتمي إلى حزب "العدالة والتنمية ذي المرجعية الدينية"- بالسعي لإضفاء الطابع الديني على الدولة العلمانية "الأتاتوركية"، لاسيما بعد سن قانون جديد مقيد لتجارة الكحول. وفندت المجلة ما زعمه بعض المراقبين من أن الاضطرابات التركية دليل على امتناع قيام الديمقراطية في ظل نظام إسلامي، قائلة " إن الإسلام ليس له علاقة بالاضطرابات إنما المشكلة تكمن في أسلوب أردوغان". ولفتت في هذا السياق إلى الرئيس التركي عبد الله جول، بين كثيرين ممن ينتمون للحزب نفسه الذي ينتمي إليه أردوجان، والذين ينتقدون أسلوبه الاستبدادي في إدارة البلاد ويأخذون عليه ضيق فهمه للديمقراطية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى دللت المجلة على صحة قولها بأن ثمة قادة كثيرون غير مسلمين يتبعون أسلوب أردوجان الاستبدادي المتعالي، مشيرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. وقالت "الإيكونوميست" إن أردوغان يؤمن في سياساته بفلسفة "حكم الأغلبية"؛ وعليه فهو يرى أن فوزه بإحدى الانتخابات يعطيه الحق في فعل ما يحلو له حتى قدوم موعد انتخابات جديدة. وأشارت إلى أن الصحفيين الأتراك ممن تم الزج بهم في السجون تزيد أعدادهم على أقرانهم في الصين. كما أشارت أيضا إلى إطاحة أردوغان بفصيل كامل من الجنرالات أعضاء القيادة العسكرية في تركيا. حتى داخل حزبه "العدالة والتنمية"، يخشى الأعضاء مواجهة أردوغان الذي بلغ اعتداده بنفسه حدا متطرفا، بحسب المجلة. ورجحت المجلة البريطانية أن يظهر أردوجان مزيدا من التشبث بالسلطة مستقبلا ولو على حساب القواعد واللوائح التي تحكم حزب "العدالة والتنمية" والتي تقضي بوجوب تركه منصبه كرئيس للوزراء عام 2015، قائلة " إنه قد يسعى لتغيير الدستور بما يضمن له البقاء في السلطة". ولكن ثمة أسباب ترغم أردوغان على التخلي عن تلك الأفكار، أهمها بحسب المجلة أن العديد من الأتراك قد تعبوا من سياسات الرجل لدرجة يصعب معها إدارة أحوال البلاد إذا ما قرر البقاء في السلطة. كما أن على أردوغان ألا يخاطر بهدم ما شيده من إنجازات تتعرض الآن للزلازل بحسب وصف المجلة، مشيرة إلى تراجع الاقتصاد على نحو حاد، كما أن المفاوضات مع الأكراد هي الآن في موقف صعب في ظل حالة الضبابية المستقبلية. واقترحت "الإيكونوميست" بعض الخطوات الكفيلة بوضع تركيا على المسار الصحيح؛ أولى تلك الخطوات تتمثل في وعد أردوغان بعدم التشبث بالسلطة، وثانيها أن الدولة التركية باتت في حاجة إلى دستور جديد بدلا من ذلك الذي صاغه الجيش عام 1982، بحيث تجتمع في صياغته كافة الأحزاب. وعليه؛ قالت المجلة إن أردوغان إذا ما أراد الحفاظ على مكانته في التاريخ التركي، فإنه يتعين عليه تكريس وقته المتبقي في السلطة لعمل إصلاحات دستورية والتوصل إلى تسوية مع الأكراد وإحياء المحادثات مع الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الديمقراطية والاقتصاد.