تعيش الجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني بمصر حالة من التخبط والحيرة ففي الوقت الذي تنتظر فيه تلك المؤسسات اقرار قانون الجمعيات الذي يثار حوله الكثير من الجدل ، جاء الحكم في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "التمويل الأجنبي" . فقد قضت محكمة جنايات القاهرة، بالسجن من سنة إلى 5 سنوات على 43 متهماً بينهم 19 أمريكياً. وتضمن القرار معاقبة 27 متهماً بالسجن 5 سنوات وتغريمهم ألف جنيه، ومعاقبة 5 متهمين بالحبس سنتين مع الشغل ووقف التنفيذ سنة، وتغريمهم ألف جنيه، ومعاقبة 11 متهماً سنة ووقف التنفيذ 3 سنوات وتغريمهم ألف جنيه، بتهمة تلقي معونات من بعض الدول بلغت 60 مليون دولار "360 مليون جنيه" من خلال 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية تعمل في مصر بدون ترخيص. ويأتي هذا الحكم بعد أيام من إحالة مشروع الجمعيات الأهلية الجديد إلى مجلس الشورى، غداة موافقة رئاسة الجمهورية عليه، وهو قانون انتقدته منظمات المجتمع المدني بسبب إخضاعه الجمعيات لإشراف وزارة الداخلية، وبسبب فرضه المزيد من القيود على مصادر تمويل الجمعيات ، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال حقوق الانسان. وكان 17 من المتهمين في قضية التمويل الأجنبي غادروا مطار القاهرة على متن طائرة أمريكية، في مارس 2012 ، وأثار ذلك غضبا شعبيا في الاوساط السياسية والشعبية المصرية، زاده رفع سلطات المطار أسماء 17 أجنبياً من جنسيات مختلفة متهمين في القضية من قوائم الممنوعين من السفر. وجاءت هذه الأحكام صادمة لمؤسسات المجتمع المدني والحقوقيين ، إلا انه في المقابل ارتضى البعض بهذا الحكم. «لا مجتمع حر» فمن جانه علق أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل ومنسقها العام ، على حسابه على «فيس بوك»، اليوم الأربعاء :"إن أحكام قضية التمويل الأجنبي (المفبركة) –على حد وصفه- هي رسالة للمجتمع المدني في عهد مرسى، بأنه لا مجتمع مدني حر في عهد مرسي، فقط جمعيات خيرية تابعة للنظام". وبالانتقال إلى الكاتب الصحفي يحيى غانم، وهو أحد المتهمين في قضية "التمويل الأجنبي" والذي كان يعمل مستشاراً لأحد مشروعات المركز الدولي للصحفيين قال إن الحكم الصادر بالقضية جاء من محكمة موقرة وقضاء نجله ونحترمه. وأضاف غانم خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمود الورواري ببرنامج الحدث المصري عبر شاشة "العربية الحدث، مساء الثلاثاء، أنه سيتقدم بالنقد على الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مكرم عواد في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، بالسجن من سنة إلى 5 سنوات على 43 متهماً بينهم 19 أمريكياً. وعبر الكاتب الصحفي عن أمنيته بأن يجد إنصاف أمام محكمة النقد، وليس كما وجده بالدائرة الأولى، على حد تعبيره، مختتماً حديثه قائلاً:"سوف انتظر القدر حال عدم إنصاف القضاء لي". وقال ثروت عبدالشهيد محامي أحد المتهمين، أنه في العام الماضي أخرجت أمريكا ستة من المتهمين الأمريكيين من البلاد، بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية، ولكن قرر السابع ويُدعى «روبرت بيكر» الذي يمثله عبد الشهيد البقاء في مصر، تضمانًا مع زملائه المصريين، ولكنه رحل من البلاد أمس. وأكد عبد الشهيد أن الحكم صدر لإرضاء الرأي العام، بعد أن تم تحريك الجمهور لفترة طويلة ضد الأمريكيين، والمنظمات غير الحكومية الأجنبية. وأوضح خالد أبو بكر محامي غير مشارك في القضية، أن المتهمين الذين لم يتلقوا أحكامًا مع وقف التنفيذ، يجب أن يقدموا تقريرًا إلى السجن قبل أن يتمكنوا من الإستنئاف، أما العائدين من الخارج فمن الممكن إلقاء القبض عليهم في المطار. وأضاف أنه لا يبدو أن المنظمات انتهكت قوانين عهد الرئيس السابق حسني مبارك، على الرغم من أن هذا الأمر لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى الفوضى البيروقراطية التي حدثت بعد الثورة، مشيرًا إلى أنه حتى في النظام السابق عملت العديد من المنظمات مع وجود مأزق قانوني ولكن دون أن تواجه الملاحقة القانونية. "وصمة عار" هذا وقد وصفت مؤسسة "فريدوم هاوس" الأمريكية العاملة فى مجال العمل الأهلى الأحكام الصادرة بأنها وصمة عار. وقالت المؤسسة فى بيان صدر أمس وتم نشره على موقعها: "إن فريدوم هاوس تدين بأشد العبارات الممكنة إدانة 43 من عمال المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك ستة من العاملين حاليا مع مؤسسة فريدوم هاوس وموظف سابق كان يعمل لديها". وأضافت المؤسسة إن الحكومة المصرية تقود حملة تهدف إلى خنق نشاط المجتمع المدني والحد من حرية التعبير في مصر ما بعد الثورة، والدليل على ذلك، الحكم الذي صدر اليوم في القضية بالإغلاق الدائم لجميع مكاتب المنظمات المعنية. وأشارت المؤسسة في بيانها إلى أن التهم الموجهة إلى 43 من موظفي المنظمات غير الحكومية، ومنهم مصريين وأجانب بينهم 17 من الأميركيين، تأتى تتويجا لحملة طويلة استمرت أشهر من الترهيب من جانب السلطات، بدءا من المتبقين من عهد مبارك واستمرارا تحت الحكم العسكري المؤقت وحتى الحكومة الحالية، كما أن كثير من وسائل الإعلام المصرية غذت أيضا هذه الحملة ، بعد مداهمة مكاتب المنظمات غير الحكومية العشرة في ديسمبر 2011 والتي شملت منظمات أمريكية وألمانية أخرى فضلا عن العديد من جماعات المجتمع المدني المصري ، وتم توجيه اتهام للعاملين بتشغيل منظمات وتلقي أموال من حكومات أجنبية دون الحصول على ترخيص. وقال البيان :" لقد كانت هذه القضية برمتها وصمة عار من البداية، والحكم يعتبر إهانة للقضاء"، وقال ديفيد كرامر، رئيس مؤسسة فريدوم هاوس:" أن الدافع وراء هذا السلوك الفاسد والمناهض للديمقراطية ، هو التصميم على إيقاف نشاط المجتمع المدني، فأيا من المتهمين لم يفعل أي شيء خاطئ، كانوا يعملون ببساطة مع المصريين لمساعدتهم على تحقيق حلمهم في أن تكون مصر حرة وبدلا من ذلك أصبحوا كبش فداء للحكومة والقضاء الذين خانوا تطلعات ثورة يناير ". حكم سياسي هذا وقد علقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قائلة إلى أنه من غير المرجح أن يذهب المتهمون في القضية إلى السجن، لأن معظمهم إما غادروا البلاد قبل صدور الحكم، أو يواجهون أحكامًا مع وقف التنفيذ. وترى الصحيفة، أن الحكم يؤكد على خوف قادة مصر المستمر من التدخل الأجنبي، كما يسلط الضوء على الفوضى المؤسسية التي سمحت بحدوث محاكمات ذات دوافع سياسية. وقالت الصحيفة، أن بعض المتهمين نظروا إلى القضية كطريقة لتقييم التقدم السياسي في مصر منذ الإطاحة بمبارك، والعديد منهم سواء المصريين أو الأجانب اختاروا القدوم إلى مصر أثناء الأيام العنيفة بعد الثورة لشعورهم بأنه الوقت المناسب لوضع الأسس لنظام ديمقراطي جديد. كما قال حجاج نايل مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان أيضاً إن قضية "التمويل الأجنبي" سياسية بالدرجة الأولى. وأضاف نايل، أنه تم إقحام القضاء المصري بطريقة غريبة بالقضية، منوهاً أن الاعتبارات السياسية طاغية على المشهد. وسام شرف إلا أنه على النقيض، استقبل الصحفي مصطفي بكري رئيس تحرير جريدة الأسبوع الحكم بتأييد كبير ، حيث قال بكري إنه سعيد بغلق النظام للمنظمات المدنية غير المرخصة؛ لأن أمريكا توظفها لخدمة أهدافها لا لخدمة مصر أوالديمقراطية أوالحرية - على حد قوله. وقال بكري في برنامج الحدث المصري عبر شاشة "العربية الحدث"، مساء الثلاثاء ، إنه يجب عدم إقحام المجلس العسكري بقضية التمويل الأجنبي. وأضاف بكري، أن السفيرة الأمريكية بمصر، آن باترسون، هي أول من فتح قضية "التمويل الأجنبي" وليس المجلس العسكري، عندما أدلت بشهادتها بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قدمت ما يقرب من 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية بمصر من خلال منظمات المجتمع المدني. وأكد رئيس تحرير جريدة الأسبوع، أنه ثبت من خلال لجنة تقصي الحقائق بأن مليار و200 مليون جنيه قد دخلوا مصر خلال فترة قصيرة عبر الدعم الأمريكي دون التوصل لكيفية صرفهم، مشيرًا إلى أنه عثر داخل منظمات المجتمع المدني على خرائط تقسيم مصر وإيصالات ومستندات غير قانونية. وأوضح بكري، أن تلك المنظمات قامت بتدريب الشباب على كيفية التظاهر وقلب نظام الحكم، مشددًا على أن الحكم بإدانة المتهمين في قضية "التمويل الأجنبي" وسام شرف على صدر القضاء المصري. وأشار إلى أن مؤسسة الرئاسة عقدت اتفاق مع مساعدي الرئيس على إظهار المعارضة والاحزاب بشكل متدني ومترهل، الأمر الذي تسبب في حالة من لإحباط في الشارع المصري. القضية سياسية وقال الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل معلقاً على الحكم، إنه ضد التمويل الأجنبي لأي منظمة بمصر. وأضاف قنديل أن مصر تحت استعمار سياسي ، مؤكداً على أهمية إغلاق هذا الباب باعتباره أمر هام لحماية الأمن القومي، مختتماً كلامه قائلا:"إذا كانت الأموال تذهب للأهل والعشيرة فلا مانع من ذهابها للغير". قلق دولي وبعد هذا الحكم يبدو أن مصر في طريقها إلى أزمة جديدة على مستوى السياسة الخارجية بعد أزمتها مع أثيوبيا حول سد النهضة، حيث أثار قرار المحكمة، قلقا دولياً، حيث وصفه وزير الخارجية الأمريكية بأنه "لا يتوافق مع الانتقال للديمقراطية"، واستدعت وزارة الخارجية الألمانية القائم بالأعمال المصري للاحتجاج، فيما أعربت النرويج عن تخوفها من صعوبة المساهمات الدولية لمصر. وفي بيان مكتوب، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمس الثلاثاء، إن قرار محكمة مصرية بسجن 43 عاملًا في منظمات أهلية تروج للديمقراطية بينهم أمريكيون، يتناقض مع تحول البلاد إلى الديمقراطية. وأُشار كيري إلى أن "الولاياتالمتحدة تشعر بقلق شديد بسبب أحكام الإدانة والعقوبات فيما كان "محاكمة ذات دوافع سياسية"، مضيفا "يتناقض هذا القرار مع المبدأ العالمي لحرية التجمع ولا يتسق مع الانتقال للديمقراطية". من جانبها، استدعت وزارة الخارجية الألمانية، القائم بالأعمال المصري في برلين، احتجاجا على الحكم الذي رأته الخارجية قاسيا بحق مؤسسة كونراد أديناور في مصر، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. وتقلت وكيلة وزارة الخارجية الألمانية، إيميلي هابر، للقائم بالأعمال هشام سيف الدين، الذي ينوب عن السفير المصري المتغيب عن برلين حاليا "قلق الحكومة الألمانية البالغ بشأن الحكم". وأكدت وكيلة الوزارة أن ملاحقة عاملين بمؤسسات ألمانية سياسية جنائيا غير مفهوم وأن هذه المؤسسات تعمل بدعم كامل من الحكومة الألمانية، على دعم الديمقراطيات والتطور القانوني. أما وزير خارجية النرويج إسبن بارت آيداه، فأعرب أمس، عن قلقه تجاه الأحكام في القضية المعروفة إعلاميا باسم "قضية التمويل الأجنبي" بما في ذلك على مواطن نرويجي تم الحكم عليه غيابيا. وأكد الوزير النرويجي - في بيان له أمس حسبما جاء بوكالة «رويترز» أن هذا الحكم سيجعل من الصعوبة حشد المساهمات المالية الدولية الضرورية من أجل دعم المجتمع المدني في مصر، وأن هذه القضية تثير مجددا الحاجة الماسة للحكومة المصرية من أجل توفير المناخ الآمن والمستقر للمجتمع المدني. الحكم والمعونة من جانبها علقت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين ساكي قائلة :"إن المساعدات الأمريكية لمصر تعكس الاهتمام المشترك فيما يتعلق بالتصدي للشواغل الأمنية الإقليمية التي ساعدت في الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة لمدة 30 عاما". وأضافت ساكي "نعتقد أن الشعب المصري يستحق الاستفادة من فوائد الكثير من هذه البرامج والكثير من جهود هذه المساعدات التي قدمناها حتى الآن". وأشارت إلى أن الولاياتالمتحدة تقدم التمويل في أشكال مختلفة لمصر، وتدرك أن هناك حاجة لقيام مصر بالكثير من العمل على طريق التحول الديمقراطي، وهو ما قالت إن وزير الخارجية الأمريكي قد أثاره منذ حوالي 10 أيام مع الرئيس محمد مرسي. وفيما يتعلق برد فعل الكونجرس الأمريكي، قالت المتحدثة "إنها لا تريد أن تتكهن بشأن ما يمكن أن يتخذه من إجراءات بشأن وقف تقديم المساعدات لمصر نتيجة هذه الأحكام، إلا أنها قالت :"إن الكونجرس يملك قدرا كبيرا من السلطات في هذا الشأن وجميع أعضاء الكونجرس يشعرون بالطبع بالقلق البالغ والاستياء من هذه الخطوة". وكالعادة ربما تستخدم أمريكا معونتها لمصر كورقة ضغط ، حيث قالت ساكي حول ما إذا كان ذلك سيؤثر على التمويل الذي تقدمه الولاياتالمتحدة أو سياستها تجاه مصر، خاصة وأن الوزير كيري اعتبر أنه بدوافع سياسية :"إن التمويل الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لمصر له العديد من الأغراض، بما في ذلك ما يمثل أمرا حاسما لمصالح الأمن القومي الأمريكي والأمن في المنطقة". وأوضحت المتحدثة أنه ليس لديها ما تقوله بشأن التمويل في المستقبل، وقالت إنها لا تريد التكهن بشأنه. وحول ما إذا كان ذلك يعني أنه لن يتم وقف التمويل لأنه يستخدم في أغراض أخرى، قالت المتحدثة: "لا نريد أن نسبق الأحداث، وهذا حكم جديد ولا يوجد لدي ما أقدمه بشأن الخطط في هذه المرحلة".