عندما تتحول «بيوت الدعارة» التي تتاجر بأعراض النساء، إلى «بيوت العفاف» التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، فاعلم أنك في إيران التي تكتسي لباس الدولة الدينية وسط واقع عكس هذا تماما. ويتجسد اختلاف ظاهر إيران عن باطنها في ارتفاع معدلات العلاقات الجنسية غير الشرعية في السنوات الأخيرة بشكل كبير، حيث شاعت الدعارة، فضلا عن مواجهة الجمهورية الإسلامية انخفاضًا في مستوى الخصوبة في النساء. ونظراً لإرتفاع هذه المعدلات، فإن جمهورية إيران الإسلامية مقبلة على ثورة جنسية غير مسبوقة تهدد نظامها الإسلامي. بيوت العفاف وبداية لابد وأن نلفت الانتباه إلى أن هذه المعدلات لم تكن وليدة اليوم وانما هي وليدة أعوام مضت، حيث كانت الحكومة الإيرانية قررت في مايو 2010، نشر بيوت الزواج المؤقت أو ما يعرف باسم زواج المتعة ليوم واحد، في الشوارع والأحياء، بحجة القضاء على مشكلة الاغتصاب والكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب الإيراني، وسيكون بإمكان أي إيراني ارتياد هذه البيوت، لممارسة الجنس مع فتاة تقدم هذه الخدمة لأي شاب يقرع بابها. ونقلت مصادر إعلامية حينها، عن قوى الأمن الداخلي قولها: "إنها ستوسع نطاق ما يعرف في إيران بمراكز أو بيوت العفاف بهدف تقليص الاغتصابات وحل معضلة العلاقات الجنسية غير المشروعة". وأكد تقرير رسمي للحكومة أنها مقتنعة بضرورة إشاعة الزواج المؤقت أو ما يعرف بزواج المتعة، لحل هذه الأزمة، وأنها مستعدة لإيجاد مراكز خاصة في هذا المجال. هذا وقد سمحت الحكومة للعديد من المكاتب ومواقع الإنترنت بنشاط يدخل في مجال تعارف النساء والرجال والبحث عن زوج أو زوجة، والزواج المؤقت، حتى أن إعلاناً نشر في موقع رسمي يعلن عن تقديم مراكز دينية في مدن قم ومشهد وطهران لتأمين البنات للرجال الراغبين في الزواج المؤقت. وبلغ سعر الليلة الواحدة ما بين 20 إلي 50 دولار، حسب نوع الفتاة إذا كانت بكر أو غير ذلك وحسب جمال الفتاة وعمرها أي ليس الجميع بسعر واحد، ويكون نصف الربح للمراكز الدينية الشيعية والمبلغ المتبقي للفتاة يجب أن تدفع الخمس منه إلي السيد لكي يصبح هذا المبلغ حلالا عليها وهذا الخمس المدفوع للسيد هو بمثابة زكاة الأموال التي يتم تحصيلها من زواج المتعة. وفي تبرير حكومي لاتخاذ مثل هذا القرار، نقلت صحيفة «القبس» الكويتية عن الحكومة قولها: "إنها تهدف إلي تقليص حالات الكبت الجنسي لدي الشباب والإقلال من حالات الاغتصاب، وإن كل من يريد أن يقوم بالعمل الجنسي يستطيع الذهاب إلي «بيوت العفاف». ويشار إلى أن هذه البيوت أو المراكز كانت موجودة في عهد الشاه السابق، لكن بعد الثورة تمت إزالتها لأنها مراكز فساد وانحطاط، إلا أن هاشمي رفسنجاني كان أول من طرح فكرة إيجاد بيوت العفاف أو مراكز الزواج المؤقت وذلك عام 1991. ولكن في الواقع تحولت هذه البيوت وفقاً لاعتراف أركان النظام إلي مراكز لفساد المسئولين، إذ استولوا عليها وصاروا يلعبون بخلق الله كيفما يشاءون، ولم يسمح النظام علنا باستمرار بيوت العفاف في عهد حكومة خاتمي ولا في الأعوام السابقة، حيث ظل هذا النشاط سرياً وعلي مستوي الشوارع أو البيوت الخاصة غير المرخص لها. ثورة جنسية وكان ذلك بمثابة الانطلاقة العلنية لممارسة الجنس، حيث إدت إلى أن إقبال إيران على ثورة جنسية غير مسبوقة تهدد نظامها الإسلامي، وفقاً لصحيفة «فورين بوليسي» التي أشارت إلى أن الجمهورية الإسلامية التي تفرض نمط حياة يروج للفضيلة تنحدر إلى سلوكيات منحرفة وتفشٍ للدعارة بشكل علني. وشهدت إيران تحولات اجتماعية وثقافية خلال الثلاثين عاماً الماضية، فالمهاجرون الإيرانيون يشعرون بالدهشة عند زيارتهم للعاصمة طهران معتبرين أنها تجعل «لندن تبدو كأنها مدينة محافظة»!. ولكن في مقابل هذا التوسع في العلاقات الغير شرعية، ووفقاً للإحصاءات الحكومية، شهدت إيران خلال العقدين الماضيين أسرع انخفاض في معدلات الخصوبة في التاريخ البشري إذ وصلت نسبة الزيادة السكانية إلى 1.2 % في العام 2012 مقارنة بنسبة 3.9% في العام 1986 على الرغم من أن أكثر من نصف سكان إيران تقل أعمارهم عن 35 عاماً. في الوقت نفسه، ارتفع متوسط سن الزواج لدى الرجال من 20 إلى 28 عاماً في العقود الثلاثة الأخيرة، فيما تشير الإحصاءات إلى أن الإيرانيات يتزوجن في عمر يتراوح بين 24 و30 عاماً، أي بزيادة خمس سنوات. وبحسب الإحصاءات الرسمية، ارتفعت نسبة الطلاق في إيران بصورة ملحوظة، حيث قفزت من 50 ألف حالة طلاق في العام 2000 إلى 150 ألفاً في العام 2010، وتسجل الأرقام حالة طلاق بين كل سبع زيجات في إيران وترتفع إلى مستويات أعلى في المدن الكبرى. وتشير دراسة أجراها أحد كبار مسئولي وزارة الشباب الإيرانية في العام 2008، إلى أن معظم الرجال الذين شملتهم الدراسة يمارسون الجنس قبل الزواج، في علاقات تعتبر محرمة في البلاد. ونتجت عن نحو 13% من هذه العلاقات غير المشروعة حالات حمل غير مرغوب بها وحالات إجهاض، تؤشر على خطورة الواقع الاجتماعي في الجمهورية الإسلامية والتغيير الجذري في المجتمع مقارنة مع الجيل السابق. صناعة مزدهرة من جهة أخرى، شهدت صناعة الجنس ازدهاراً كبيراً في العقدين الماضيين، فمنذ بدايات تسعينات القرن الماضي، كانت صناعة الجنس منتشرة في معظم المدن والبلدات الإيرانية وخاصة في طهران، لكن العاملات في هذه الصناعة يرغمن عادة على العمل في الخفاء. ومنذ عشر سنوات، قالت صحيفة «انتخاب»: "إن عدد العاملات بصناعة الجنس بلغ 85 ألفاً في طهران وحدها؛ وتشير الأرقام إلى أن ما بين 10 و 12% من العاملات في صناعة الجنس متزوجات وهذا الرقم يعد كبيراً ومفاجئاً". لكن المفاجأة الأكبر هي أن العاملين في صناعة الجنس غير محصورين بالنساء وحسب، إذ دخل الرجال غمار هذه الصناعة بعد أن أكد تقرير جديد أن سيدات ثريات ومتعلمات يبحثن عن علاقات جنسية قصيرة ويطلبن خدمات شخصية من الرجال العاملين في الدعارة. أسباب وعوامل وحول الأسباب والدوافع التي ساعدت على مثل هذه الممارسات الغير شرعية، بحسب صحيفة «الفورين بوليبسي» فإن هناك العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى هذا الواقع، من ضمنها انتشار وسائل الاتصالات الحديثة وظهور فئة جديدة من السيدات المتعلمات اللواتي ساهمن في تغيير نظرة المجتمع إلى الجنس. وعلى الرغم من أن هذه العوامل موجودة في دول أخرى، إلا أن هذا التحول لم يحصل في مجتمعاتها، بل على العكس سادت موجة محافظة بدلاً من التفلت، ومن العوامل الرئيسية التي ساهمت في تقوية التوجه الليبرالي المتنامي في إيران هو نمط الحياة المتزمت الذي تحاول الدولة فرضه على المجتمع. فمنذ قيام الثورة الإسلامية ووصول آية الله الخميني إلى السلطة في العام 1979، حاول النظام الإيراني الترويج لفكرة الأخلاق الجماعية وفرضت الدولة قواعد سلوكية صارمة أزالت الحواجز بين الحياة الخاصة والعامة. واتخذ النظام الإيراني من الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة مصدراً لشرعيته، فأصبحت كل أوجه الحياة الخاصة خاضعة للشريعة الإسلامية. لكن بعد 34 عاماً من قيام الثورة، فشل خلفاء الخميني في بناء مجتمع فاضل، بل وصل النظام الذي يواجه العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية إلى مرحلة من الإفلاس الأخلاقي والانحطاط الفكري. وقال الخبراء: "إن العادات الجنسية للإيرانيين أصبحت شكلاً من أشكال المقاومة السلبية للتضييق الذي تفرضه الدولة، مما يجعل «الثورة الجنسية» عاملاً رئيسياً يؤدي إلى زعزعة الأسس الفكرية للدولة الهشة". مدينة الجنس ويقدر عدد الإيرانيين المقيمين في دبي وحدها 400 ألف نسمة ويبلغ مجموع تجارتهم في ما يقارب 150 مليار حسب آخر إحصائية تم نشرها في جريدة «الشرق الأوسط». وهاجر أغلب الإيرانيون إلى دبي بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، لا للاستقرار وإنما كمحطة لمواصلة سفرهم إلى أمريكا أو كندا أو أوربا، ولكنهم آثروا الإقامة والعمل في القطاع التجاري. وتعتبر الجالية الإيرانية ثاني أكبر جالية في دبي من بعد الجالية الهندية، ونظرا للمناخ الاجتماعي الأكثر تسامحا مع المرأة في الإمارات العربية المتحدة، فقد انتعش حقل التجارة الجنسية، وتحول إلى ظاهرة بارزة انتشرت بين أبناء الجالية الإيرانية، و نادرا ما نالت ظاهرة البغاء في دبي اهتمام الصحافة والإعلام. ورأت صحيفة «إيران امروز» أن السبب الأساس الذي يدفع النساء الإيرانيات لممارسة الدعارة في دبي هو الوضع الاقتصادي الصعب للمرأة الإيرانية في داخل إيران والقيود الاجتماعية سواء في الفضاء الاجتماعي العام أو في داخل فضاء البيت ونطاق الأسرة، وان نسبة عالية من النساء اللواتي يقدمن على ممارسة هذه المهنة إنما سافرن إلى دبي من أجل الحصول على فرص للعمل، واضطررن لهذه المهنة لعدم حصولهن على عمل آخر. وأشارت الصحيفة إلى عشرات التحقيقات التي نشرتها الصحافة الإيرانية عن وجود شبكات منظمة تقوم بتهريب النساء الإيرانيات إلى دبي تحت ذريعة العمل، وهي تقوم بترغيب الفتيات الإيرانيات وتصور لهن الحياة هناك بالجنة القريبة، أو الجنة المتاحة للجميع. ويصعب ذكر أرقام موثوق بها عن عدد الإيرانيات اللواتي يمارسن البغاء في دبي إلا أن العدد يقدر بحوالي أربعة آلاف، وترفض الجهات الرسمية الإيرانية هذا الرقم وتحاول تقليصه إلى أقل من العشر. كما يرفض اغلب الإيرانيين المقيمين في دبي هذا الرقم بسبب تأثير الثقافة الدينية والتقاليد الاجتماعية خصوصا وإنها ثقافة ذكورية لا تستوعب حرية المرأة في تعاملها مع جسدها. نظرة إيرانية ويرى الباحث الاجتماعي علي أكبر مهدي أن نظرة الإيرانيين لوجود عدد من الإيرانيات العاملات في تجارة الجنس، يرتبط بالمشاعر القومية، فهناك من الإيرانيين من يشكو من «استيلاء العرب على نسائنا» وهم بذلك يتجاهلون وجود الظاهرة ذاتها في داخل إيران. وأضاف مهدي: "لقد اتخذت هذه الظاهرة منحى سياسيا، فالمعارضة الإيرانية تبالغ بطرح أرقام عالية لعدد الإيرانيات اللواتي يمارسن الاتجار بالجسد في دبي، وتوظف هذه القضية لتؤكد على الفقر في إيران وفشل الحكومة الإيرانية في مشاريعها الاقتصادية وفي سياستها الثقافية التي تحرم المرأة من حقوقها، وترغمها على اتخاذ ردود فعل سلبية".