"باتت نظرية المؤامرة تخيم على الأوضاع بمصر المضطربة سياسيًا واقتصاديًا، وأصبحت هذه النظرية شماعة لتعليق فشل النخب السياسية في البلد الأكثر نفوذًا وأهمية في العالم العربي" .. هكذا وصف الكاتب الأمريكي الشهير "جيفيري فليشمان" في مقال تحليلي، نشر في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية، الأوضاع الحالية في مصر، والذي أوضح من خلاله أن جماعة الإخوان المسلمين، ما زالوا يزعمون أن رجال الرئيس المخلوع حسني مبارك وزعماء المعارضة، الذين فشلوا في صناديق الاقتراع، يسعون لإثارة ردود فعل شعبية عنيفة ضد النظام الإسلامي القائم، من خلال دعمهم المستمر للاحتجاجات المناهضة للحكومة، والتي خلفت وراءها عشرات القتلى والمصابين، لا سيما في الآونة الأخيرة". هل بالفعل هناك مؤامرة من قبل رموز النظام السابق؟. مفهوم المؤامرة في بداية الأمر تجدر الإشارة إلى أن مفهوم المؤامرة هو قيام أحد الأطراف، منفرداً أو بالتعاون مع طرف أو أطراف أخرى، بالتخطيط، إما لإلحاق الضرر بطرف مناوئ، أو على الأقل الحيلولة بينه وبين تحقيق أهداف قد تحرم الأطراف المتآمرة من مزايا يتمتعون بها، أو تفشل، على الأقل، خططهم لتحقيق تلك المزايا، وعلى هذا الأساس تخطط تلك الأطراف المتآمرة لإفشال خطط المتآمر عليه وحرمانه فرصة تحقيق أهدافه. ومن الواضح أن التعريف السابق يركز بالدرجة الأولى على "التآمر" السياسي، وهو ذلك النوع من التآمر الذي لا يخضع لمعايير الأخلاق، وبتطبيق هذا المفهوم على الحالة المصرية، نجد أن الأطراف المتآمرة تتحدد في رموز النظام السابق والخارج، حيث تزعم جماعة الإخوان المسلمين بأن رجال الرئيس السابق "حسني مبارك" وزعماء المعارضة، الذين فشلوا في صناديق الاقتراع ما زالوا يسعون لإثارة ردود فعل شعبية عنيفة ضد النظام الإسلامي القائم. ومن خلال النظر إلى أدبيات التحليل السياسي، نجد أن تلك الفكرة ظلت مسيطرة على الفكر العربي في الآونة الأخيرة، حيث سيطرت نظرية "المؤامرة" في الكثير من أدبيات وتحليلات معظم مفكري الدول العربية والإسلامية. فوصف المفكرون، "أحداث 11 سبتمبر"، بالمؤامرة الأمريكية للهيمنة على العالم، في إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الهادف إلى تشويه ملامح المنطقة العربية في ثقافتها وحضارتها ودينها وسلوكياتها، وأخيراً سيطرت فكرة مؤداها "أن هناك مؤامرة من قبل رموز النظام السابق على النظام الحالي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، والهدف منها هو منع نجاح الثورة المصرية ورغبة في الانتقام من جماعة الإخوان المسلمين". عدة تفسيرات وفي محاولة للإجابة على التساؤل الأخير، تظهر عدة تفسيرات، أحدها لا يستبعد بأن هناك مؤامرات، ولا يستبعد أن الدول لا تتآمر ضد خصومها، أو أن الأفراد لا تتآمر ضد أطراف أخرى بهدف الحقد والكراهية أو بهدف تنفيذ مشروع كبير، فاتفاقية "سايكس بيكو" التي تم على أثرها تقسيم العالم العربي عام 1916، كانت مؤامرة، ووعد بلفور الذي منحته إنجلترا للحركة الصهيونية، والذي بناءً عليه تمت إقامة دولة إسرائيل عام 1948، كان مؤامرة، والعدوان الثلاثي على "مصر" عام 1956، كان مؤامرة، بالمعنى الموضوعي والعلمي للمؤامرة. وفي هذا الصدد، يرى البعض بأن هناك مؤامرة حقيقية على النظام الحالي ليس فقط من قبل رموز النظام السابق، بل من قبل الخارج أيضاً وأعداء الثورة المصرية، مستشهدين على ذلك بكثرة الاحتجاجات والتظاهرات والاضطرابات التي تشن تجاه جماعة الإخوان المسلمين بسبب أو بدون سبب، وخاصة لأن بعضها يطالب بإسقاط النظام الحالي، رغم عدم استكماله مدته القانونية. وكثيراً ما يردد أنصار الرئيس بأن مؤامرة حقيقية ومخططاً لها تعتمد على اجتماعات محكمة وأموال وتدخلات خارجية وامتدادات للنظام القديم. وخير دليل على أن هناك مؤامرة خارجية، ما قاله نبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن عن وجود مخططات لتقسيم مصر ودول أخرى في المنطقة. فوبيا المؤامرة أما عن الفريق الآخر، فيستبعد هذا التفكير تماماً، على اعتبار أن الشخصية العربية بصفة عامة وأي قيادة قائمة، عادة ما تنحو إلى المبالغة الشديدة أو ما أسماه المفكر المصري طارق حجي ، بثقافة "الكلام الكبير" التي تميل إلى استخدام الألفاظ الضخمة والعبارات الحماسية بهدف الهروب من الواقع غير المرضى، من أجل إلهاء الشعوب عن أخطائهم. فيرى أنصار هذا الاتجاه أن الإخوان المسلمين، باتوا يعانون مما يمكن تسميته "فوبيا" المؤامرة ربما بشكل مرضٍ، فرغم أنهم يدركون في معظم الأحيان ما يحاك ضدهم من مؤامرات، إلا أنهم لا يواجهونها (فلماذا لا يكشفون عن حقائقها؟)، ومن ثم يعتقد هذا الفريق بأن الجماعة تحاول تعليق كل أخطائهم على "الآخر"، دون أن تعلن عن أخطائها السياسية التي وقعت فيها. وبالتالي فإن غياب المنظومة العلمية الصحيحة في التفكير، التي تدرس الأسباب والنتائج بشكل دقيق مبني على الحقائق العلمية، من شأنه أن يغرق الجميع في دوامة الإغراق في فلك المؤامرة، وأن يبني أفكاره على التخيلات والأوهام والهواجس والاحتمالات والظنون في الآخر بدلاً من البحث عن أخطاء الذات. ومن هنا ينبغي الحديث عن خطورة فكرة المؤامرة، والتي تكمن بصورة كبيرة في خلق جدار من الشك وعدم الثقة تجاه الغير، وتجعل من يعتقد بها يرتاب - بل يتوجس - من كل جديد، أو يتشكك في كل تطور، ويرى المؤامرة من وراء كل حدث أو واقعة، ويؤدي ذلك إلى تسميم العلاقة مع الآخر وإلى سيادة الاتجاه نحو الانغلاق والانكفاء على الذات، وغلبة روح عدم التسامح، والنظر إلى الآخرين من موقع الشك والريبة. فحتى لو افترضنا جدلاً أن هناك مؤامرات على النظام الحالي، فهذا لا يمنعه أن ينهض ويعتمد على الأساليب المنطقية في مواجهة المشكلات التي تلاحقه، فالمجتمعات التي نهضت، سواء تلك التي حققت تقدمها في قرون سابقة، أو تلك التي نهضت في الحقبة الأخيرة، واجهت مشاكلها الداخلية وقصورها الذاتي، وتعاملت مع الخارج من منطلق إدراك عناصر قوتها ونقاط ضعفها، ومن ثم سعت إلى التغلب على نقاط ضعفها واحتوائها. ختاماً، لن تنهض مصر إلا إذا تخلصت من هذا التفكير التآمري، ولن تتخلص منه إلا بالبدء في نهضة شاملة تبدأ بتغيير منظومة التفكير والثقافة والتعليم والقيم.