تنظر العديد من الأوساط الغربية بإعجاب كبير إلى الديمقراطية الإسرائيلية، فيعتبرونها واحة للديمقراطية في صحراء ممتدة من الاستبداد الشرقي، بيد أن المعطيات أثبتت أن هذه الديمقراطية تقوم على عنصرية وتمييز واضح تجسد بصورة ملحوظة في تعاملها مع عرب إسرائيل. وبرز هذا التمييز مؤخراً بعد تصديق اللجنة الوزارية للتشريع في الكنيست الإسرائيلي على مذكرة قانون تهدف إلى مصادرة آلاف الدونمات، وتهجير قرابة 35 ألف مواطن عربي من أراضيهم في مدينة النقب. وينص مشروع القرار الجديد على تركيز سكن البدو العرب في مدينة النقب في تجمعات سكانية تعدها الحكومة الإسرائيلية، مع إتاحة مناطق رعوية تحددها دولة إسرائيل، وهو ما يفقد العرب سيطرتهم على 860 ألف دونم، فيما سينتج عن ذلك هدم كافة التجمعات السكانية التي تتنافى مع مخططات بلدية النقب والتي يسكنها قرابة 35 ألف نسمة. وليس هذا المشروع وحده الدال على التمييز والعنصرية، فقد صدقت الحكومة الإسرائيلية، على تمديد العمل بقانون المواطنة العنصري لمدة سنة أخرى، والذي يمس بحياة آلاف العائلات الفلسطينية، إذ يحرم أحد الوالدين من العيش مع عائلته بشكل طبيعي وقانوني. وقد تم تسنين هذا القانون -بصفه مؤقتة-لمدة سنة واحدة- عام 2003، إلى أن قامت الحكومة الإسرائيلية -مؤخراً- بتمديد العمل به بشكل منتظم ليصبح، عمليًا، قانوناً دائماً وثابتاً. ويرى المراقبون أن هذا القانون العنصري ، يمنع مواطني إسرائيل المتزوجين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والدول التي تعتبرها إسرائيل "دول عدو"، من العيش مع عائلاتهم داخل إسرائيل. فما هي الأسباب الدافعة لهذا التمييز؟ وما هي أعداد عرب إسرائيل؟ وما هي التحديات والصعوبات التي تواجههم ؟ إحصائيات وأرقام في بداية الأمر، نود الإشارة إلى أن مصطلح عرب إسرائيل ، تسمية غير دقيقة، والأصح أن نقول فلسطينيو 48 داخل إسرائيل، ويقصد بهم السكان الفلسطينيون الذين لم يتركوا منازلهم وأراضيهم في أعقاب قيام دولة إسرائيل عام 1948، وأصبحوا مواطنين إسرائيليين يحملون الجنسية الإسرائيلية. و رغم تباين الإحصائيات حول عددهم، غير أن هناك من يُقدر تعدادهم بحوالي 900 ألف نسمة يمثلون حوالي 17% من إجمالي تعداد إسرائيل، وتشير التقديرات إلى أن تعدادهم سيصل إلى أكثر من هذا العدد؛ نتيجة ارتفاع معدل الزيادة الطبيعية بين عرب إسرائيل. كما تشير معظم التقديرات إلى أن المسلمين يمثلون الأغلبية الساحقة بين عرب إسرائيل حيث تبلغ نسبتهم حوالي 80%، مقابل 12% من المسيحيين، و9% من الدروز. ويتركز عرب إسرائيل فى عدة مناطق داخل إسرائيل أبرزها منطقة الجليل ويقيم بها 60%، يليها المثلث وتضم 21%، ثم النقب والتي تضم 10%، وفى المدن المختلطة، حيث يقيم 9%. مزايا مادية ورغم ذلك لا تخدم الأغلبية الساحقة من عرب إسرائيل فى الجيش، باستثناء فئتين هما الدروز، والبدو اللتان تهدفان إلى تأكيد ولائهما للدولة اليهودية بهدف الحصول على مزايا مادية. ويواجهون مشاكل جمة، أبرزها عدم المساواة بين العرب واليهود واندماج عرب إسرائيل فى المجتمع والمؤسسات الإسرائيلية، حيث تنظر إليهم المؤسسات الرسمية الإسرائيلية على أنهم طابور خامس مشكوك في ولائهم للدولة العبرية، حتى وإن كانت هذه النظرة قد طرأ عليها بعض التغيير فى أعقاب تقدم عملية السلام. ومعظم الدراسات تشير إلى حدوث فجوة كبيرة بين المواطنين العرب واليهود داخل إسرائيل، حيث أن 60% من عرب إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، وأن حجم ما ينفق على الطالب العربي خلال 5 سنوات من الدراسة يبلغ 50% مما ينفق على الطالب اليهودي، وتوضح دراسة أخرى أن 52% من العمال العرب يتقاضون 50% من معدلات الأجور السائدة داخل إسرائيل، وأن حجم ما ينفق فى مجال الصحة على العرب يبلغ 40% مما ينفق على اليهود، وأن ما تحصل عليه القرى العربية من مخصصات مالية يبلغ 20 % مما تحصل عليه القرى اليهودية . ومما يعزز هذا القول أيضاً أن إسرائيل تضع اليهود الغربيون على أريكة الدرجة الأولى، يليهم يهود الشرق في الدرجة الثانية، في حين يقبع أبناء الأقلية العربية من عرب فلسطينالمحتلة عام 1948 في المرتبة الثالثة الأخيرة، وهو تقسيم يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية التي تشترط وحدة المواطنة ومساواة المواطنين. ظاهرة مُسببة وعلى الرغم من السماح لهم بتشكيل عدد من الأحزاب السياسية العربية ووصول بعضهم في الكنيست الإسرائيلي، غير أن الواقع يشير إلى محدودية المقاعد العربية فى الكنيست بشكل عام، ففي الكنيست الثالث عشر بلغ عدد هذه المقاعد 5 مقاعد فقط، ويمكن تفسير هذه الظاهرة بالعوامل الآتية: تشتت الصوت العربي فى الانتخابات الإسرائيلية سواء بين الأحزاب الصهيونية أو الأحزاب العربية، ويكفى أن نشير إلى أنه فى انتخابات عام 1992 ذهب 53% من الأصوات العربية للأحزاب الصهيونية بما فيها الأحزاب المتطرفة كالليكود والمفدال، وحصلت الأحزاب العربية على 30 %فقط من هذه الأصوات. فضلاً عن انخفاض نسبة المشاركة فى التصويت بين عرب إسرائيل، حيث بلغت نسبة المشاركة فى انتخابات عام 1992 حوالي 69% مقارنة بنحو 80% لليهود ويمكن تفسير ذلك بالإحباط الشديد الذي يسود بين عرب إسرائيل نتيجة فشل جميع محاولات تشكيل قائمة عربية موحدة، حيث تفضل نسبة عالية من المواطنين العرب فى إسرائيل التصويت مباشرة للأحزاب اليهودية الموجودة فى الحكم للحصول على مزايا مادية خاصة أن الأحزاب العربية عادة لا يكون لها نفس نفوذ وتأثير الأحزاب اليهودية المشاركة في الائتلاف. أعداء الدولة ويرجع رفض الحركة الإسلامية المشاركة فى الانتخابات العامة الإسرائيلية لأسباب أيديولوجية؛ الأمر الذي يؤدي عادة إلى انخفاض نسبة المصوتين من عرب إسرائيل. وإلى جانب هذه الأسباب يواجه أعضاء الكنيست العرب حملات تحريضية موسعة، ولاسيما من أعضاء الكنيست ذوي الميول اليمينية، والذين يوجهون غضبهم نحوهم، سعياً للوصول إلى الشهرة، وتخوفاً من وجودهم في المجتمع الإسرائيلي. وخير دليل على ذلك ما قاله عضو الكنيست آرييه إلداد من حزب "الاتحاد القومي": "العرب في إسرائيل هم أعداء الدولة، هذه دولة يهودية ومن لا يعجبه فليرحل ويشرب من بحر غزة". وبفشل الجهود في تشكيل قائمة عربية موحدة وتشرذم القوى والأحزاب العربية، وتفتت الصوت العربي، تفتقد الجالية العربية إلى أهمية ملحوظة وهو ما يجعلها بعيدة عن التأثير في مجريات السياسة الإسرائيلية. ويتضح مما تقدم أن سياسات الحكومة الإسرائيلية ستستمر في نهجها القائم على التمييز والعنصرية تجاه كل ما هو عربي مناهض لأفكارها وسياساتها، فهل ينجح عرب إسرائيل المخلص والمناهض للإيديولوجية الصهيونية، الرافض للاستيطان، أن يواجه هذه السياسات العنصرية؟