مع اختلاف المسميات والتصنيفات للجان المشكلة لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، بين اللجنة الشعبية، والنيابة العامة، ولجنة خبراء وزارة العدل، ومكتب التعاون الدولي، قد يعتقد البعض أن كل منهم يعمل في مسار منفصل بعد عن الآخر، لكن الفترة الأخيرة كشفت عن أن جهود تلك الجهات الشعبية والقضائية والرسمية، تصب في معين واحد بتدفق هائل نحو تحقيق الهدف المنشود باسترداد الأموال المنهوبة، مما عجل من صفقات رد أموال بالملايين، من رجال مال وأعمال هاربين للخارج ويتمتعوا بحماية البلاد التي يتواجدوا بها، ورغم ذلك يلحوا على التصالح بسبب الجهود المضنية في ذلك المجال، وعلى رأس تلك الشخصيات حسين سالم رجل الأعمال صديق الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ورشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة الهاربين منذ بداية الثورة. وكشف المستشار كامل جرجس رئيس مكتب التعاون الدولي، عن تشكيل لجنة جديدة برئاسة مجلس الوزراء وتضم في عضويتها ممثلين لكل من وحدة مكافحة غسل الأموال والرقابة الإدارية، ومباحث الأموال العامة وجهاز الأمن القومي، ووزارة الخارجية، والبنك المركزي، ووزارة العدل والنيابة العامة، لمواصلة خطوات ملف استرداد الأموال. وأقر كامل بوجود بعض العشوائية في التعامل مع الملف في بداية الأمر، لأنه كان يتم الاحتكام إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد دون الاحتكام إلى قوانين الدول التي تتم مخاطبتها لاسترداد الأموال، وقد تسبب ذلك في رفض العديد من الطلبات المصرية بالكثير من الدول لعدم استيفائها للشكل القانوني الذي يدعمها داخل الدولة الأجنبية، لكن تم تدارك ذلك الخطأ مؤخرا بالبحث في قوانين الدول وتقديم الطلبات برد الأموال أو كشف الحسابات وفق لقواعد الدولة القانونية. وقال أنه يتم التنسيق حاليا مع سويسرا التي يوجد بها قرابة 80% من الأموال المصرية المهربة إلى الخارج، بإجمالي حوالي 760 مليون دولار أمريكي، وذلك من خلال الضغط وطلب وضع قانون سويسري يسمح باسترداد الأموال، ويطالب بالتعامل مع أرصدة رموز الدولة الهاربين على أنها أموال غير مشروعة، إلى أن يثبت صاحبها العكس ويبين مصادرها، وهو ما سيؤكد أحقيتنا في تلك الأموال لاستحالة أن يملك مسئول حكومي أيا كان ملايين الدولارات ويحولها جملة إلى بنوك أجنبية. وأعرب كامل عن أهمية الجهود الشعبية وخاصة اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، وأنه قد التقى بممثلها مؤخرا، نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه في سياق الضغط الشعبي، والذي سوف يؤدي إلى نتائج مبشرة طالما جاءت تلك الأعمال وراء سياق قانوني منظم. من ناحية أخرى أكد معتز صلاح الدين، رئيس اللجنة الشعبية لاسترداد أموال مصر المهربة لشبكة الإعلام العربية «محيط»، أن اللجنة الشعبية تقدمت خلال الأسبوع الماضي بمستندات قال أنها هامة إلى المستشار كامل جرجس المحامي العام الأول بمكتب التعاون الدولي، لدعم التفاوض الرسمي مع الحكومات ورجال الأعمال الهاربين إلى الخارج، بشأن عمليات تحويل الأموال وتهريبها وحصر قيمة تلك الثروات المهربة بواسطة عدد من المتهمين الذين رفض الإفصاح عن أسمائهم. وقال معتز أنه بجانب سفريات التفاوض التي تجريها النيابة العامة مثل لقاء حسين سالم، في العاصمة الاسبانية على هامش مؤتمر الفساد ومكافحة جرائم غسل الأموال، علاوة على استضافة الوفد القضائي الأمريكي في القاهرة والتفاوض معه بمعرفة النائب العام في هذا السياق، فإن اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة تعتمد على مواطنين يقيموا بالفعل داخل البلاد التي يتم التفاوض معها، سواء كانوا من أصول مصرية أو أجانب متعاطفين مع القضية المصرية، ومؤمنين بحق الدولة في استرداد أموالها التي تم الاستيلاء عليها من خلال الفساد والتدليس بوساطة منتفعين من البلدين، داعيا الجميع التكاتف لرد أموال المصريين مهما كانت الاتفاقيات أو الاختلافات حول فكرة التصالح، لأنها باتت أمر واقع يفرض نفسه لم يعد الرأي والجدل مهم فيه. وفي سياق التعاون وتنسيق الجهود طالب معتز الدولة، بتطوير قوانينها لتستوعب تلك التغيرات الجذرية التي نعيشها، بإصدار تشريعات من مجلس الشورى تحكم مسألة التصالح وتنظمها، بدلا من الفوضى والاحتكام إلى آراء أفراد قد لا يتفقوا على الصالح العام مهما بلغت درجة خبرتهم، وقد يضيع مجهودهم لأن العبرة في النهاية تكون بالقانون. كما طالب ممثل اللجنة الشعبية السلطة التنفيذية ممثلة في مؤسسة الرئاسة، وأتباعها من جماعة الإخوان المسلمين ورجالاتها أمثال خيرت الشاطر، ومحمد بديع، بالابتعاد تماما عن التدخل في الموضوع وتركه إلى رجال الخبرة القانونية ممثلة في النيابة العامة، ومكتب التعاون الدولي، كاشفا عن وجود تدخلات غير مرغوبة في الملف ومحاولة لعب دور "وساطة مدفوعة الأجر"، وهذا أمر مرفوض قطعا وتم رصده من قبل رجال بارزين رفض التطرق لشخصهم لعدم الخوض في قضايا جانبية بعيدة عن الهدف الرئيس باسترداد الأموال، معربا عن تمنيه من أن تكون كلماته قد أوصلت رسالة لتلك الشخصيات المنتفعة التي تمص دماء الوطن وأمواله وتبتز آخرين قد يكونوا أكثر منهم نزاهة. وطالب معتز بإنشاء صندوق لإيداع الأموال المستردة من الخارج، حتى يعرف الشعب أين توضع تلك الأموال المستردة، لعدم إهدارها بشكل أو بأخر، أو تسهيل اختفائها في عباءة الفاسدين والمنتفعين الجدد، وعدم رد تلك الأموال إلى الوزارات والهيئات الحكومية التي أهدرتها فيما قبل، وكأن رد الأموال إليها بمثابة "مكافأة للمخطئ"، قائلا بالطبع لا يعقل أن تهدر وزارة الإسكان مثلا 5 مليون جنيه في مشروع معين بسبب خفض سعر البيع لمستثمر معين، وتتم مكافأتها برد الملايين إليها مرة أخرى، و ينبغي توجيه تلك الأموال إلى مشروعات بدراسة جدوى محكمة مثل مكافحة البطالة والفقر. وكشف معتز عن تعثر خطوات التفاوض مع الجانب الأمريكي بشأن رد الأموال المنهوبة، لكن اللجنة الشعبية سوف تتخذ إجراءات مكثفة خلال الفترة المقبلة، بتنظيم وقفات احتجاجية، وتقديم مذكرات إلى الكونجرس الأمريكي بمساعدة "ديفيد برايف" عضو الكونجرس الأمريكي المتعاطف معنا، والذي سبق ورفع مطالب داخل الكونجرس والرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة الخارجية الأمريكية وزيرة الخارجية. وأكد معتز على إثمار الجهود الشعبية في استرداد الأموال المهربة للخارج، بدليل سعى رجل الأعمال الهارب حسين سالم إلى التصالح، على الرغم من صدور حكم له من المحكمة الدستورية بعدم تسليمه ونجليه إلى مصر، وقال أنه لولا تلاعب السياسة والمنتفعين الذين تحدث عنهم لكان ملفه قد تم تسوية منذ أمد طويل، بعد الحصول على 6 أحكام قضائية ضد سالم ونجليه قبل صدور حكم الدستورية الاسبانية النهائي بعدم تسليمه. وأوضح أن ثروات سالم تنحصر في 58 مليون دولار في صورة فيلات وسيارات، و 34 مليون يورو أموال سائلة، ورفض الإفصاح عن موقفه من العرض المقدم من سالم بشأن التصالح مقابل 75% من ثروته داخل مصر و54% من ثرواته خارجها، قائلا أنه ليس خبير مالى حتى يقيم الأمر، وأنه يثق تماما في النيابة العامة وقراراتها وأنها أحرص من يكون على مصلحة البلاد، بما يجعله يترك القرار مطمئنا لها طالما ليس هناك ضغوط أو تسلط عليها من سلطات أخرى. أما بشأن ملف الثروات المصرية في فرنسا فقد قال معتز، أن هناك صعوبة في تعامل الأفراد المتطوعين مع الحكومات والدول، وبناء عليه قد واجهت اللجنة الشعبية عقبات عديدة في فرنسا حتى تم انشاء منظمة مجتمع مدني، بأوراق رسمية تتيح للجنة الاتصال بالجهات المختصة بصفة رسمية للمطالبة برد الأموال المصرية المهربة إلى الخزانة العامة المصرية.