الحالة الثورية قد تمتد لعشرات السنين .. و لن تحل إلا بحل المشاكل من جذورها من يتصور أن التوجه نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادى سيحل الأوضاع " واهم " الأخوان انتقلوا من الاحتضان السعودى للقطرى الاخوان يلهثون وراء صندوق النقد و سيحققون شروطه بعد الانتخابات القاعدة فى الثورات ليس السلمية بل العنف أبو عيطة : اليسار غائب عن المشهد العمالى .. و الثورات لم تصل لمحطتها الأخيرة بعد قال الكاتب اللبنانى " جلبير الأشقر " أن " النظام لم يتغير و لكن الشعب هو من تغير " و أعد هذا مكسب عظيم فى نمط الوجود الشعبى ، و ظهور الشعب كفاعل سياسى على الساحة ، بينما كان فى السابق فى وجود سلبى ينطق الحكام بإسمه ، دون أن يعبر الشعب عن نفسه ، مع وجود استثناءات تاريخية عبرت فيها الشعوب العربية عن إرادتها ، و كان الشعب التونسى هو فاتح الطريق للربيع العربى . و كان ذلك خلال ندوته مساء أمس عن كتابه " الشعب يريد بحث جذرى فى الانتفاضة العربية " و اختار جلبير هذا الاسم تحديدا لأنه شعار مميز للانتفاضة العربية الكبرى ، التى كانت انعكاسا لإرادة الشعوب ، ، فالإرادة الشعبية و قدرته على فرض ما تريد تعد شيئا جديدا بالمنطقة العربية . أما عن اعتناقه للفكر الماركسى فى التحليل ، تحدث جلبير أنه كان يدرس مادة عنوانها مشاكل التنمية فى الشرق الاوسط و شمال افريقيا ، و كان ينهى كل محاضرة بتأكيده على القدرة الانفجارية للمجتمعات العربية ، و العناصر التى تنذر بالانفجار المحتوم ، فلم تكن قراءة تاريخية على قدر كونها قراءة معايشة . و أرجع جلبير هذة الطاقة الانفجارية لمعدلات التنمية المنخفضة التى لم تواكب التزايد السكانى و كنتيجة مباشرة ارتفعت معدلات البطالة لتحصل المنطقة العربية من عشرات السنين على معدلات قياسية فى البطالة ، مما كان سببا رئيسيا للانفجار ، و أن بالنظر للإوضاع الاجتماعية و الإقتصادية نعرف أسباب السيرورة الثورية . حيث قال جلبير أن المشكلة أكبر من " مبارك " و " زين العابدين " و " بن على " بل فى الوضع الاجتماعى و الاقتصادى المعاق ، مؤكدا أننا بصدد حالة ثورية ممتدة قد تمتد لعشرات السنين ، فالكتاب يعد مناقشة و تحليل لهذة العناصر دون إغفال البعد السياسى التى تضافر مع بقية النعاصر فى تفاقم الوضع . و تناول المؤلف فى كتابه الامبريالية و دور الدول المؤثرة على المنطقة خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و القوى المختلفة كحركة الاخوان المسلمين و انتقالها من الاحتضان السعودى للاحتضان القطرى ، و تصاعد دور قطر فى المنطقة العربية ، و تأثير النفط فى المنطقة . كما تناول الكتاب الست دول التى شهدت انتفاضات بالمنطقة ، و مصر تحتل حيز هام فى الكتاب بتحليل ما سبق الثورة و ايام الثورة و مؤسسات الدولة و النظام و الاخوان المسلمين كقوى تولت الحكم حاليا. و قال جلبير أن الانتفاضة بدأت فى بلدين " تونس و مصر " يتميزان عن بقية الدول العربية بسمات مختلفة ، من حيث تصاعد النضال الاجتماعى و خاصة العمالى فى السنوات السابقة للثورات ، فتعد كتمهيد ،و مصر شهدت من 2005 و حتى 25 يناير 2011 تصاعد للنضال العمالى بشكل لم تشهده مصر سابقا ، و كذلك تونس و إن كان بشكل أقل . فشعار " عيش حرية عدالة اجتماعية " من أبرز الشعارات فى الثورة المصرية تعبر عن وضع اجتماعى بالأساس ، و فى تونس قاد الاتحاد العام التونسى للشغل الثورة و إن لم ينضم قادة الاتحاد إلا بعد ضغط فروعه الذين بدأوا الثورة ، فكانت انتفاضة تونس انتفاضة عمالية بالدرجة الأولى . كما يحوى كتابه تقييم الحكومات الجديدة خاصة بتونس و مصر ، مؤكدا أن السيرورة الثورية لن تتحقق دون حل جذرى بمعالجة الوضع الاقتصادى و الاجتماعى ، محذرا من خطر حدوث ردة رجعية و همجية ان لم تنجح الثورات ، و أن وضع البدائل فى هذة الفترة أمر هام ، فليس بالسهولة فشل الاخوان دون وجود بديل يطرح . و أوضح جلبير أن البديل يعتمد على القدرة الذاتية للأطراف السياسية و الحركات الاجتماعية العمالية تمثيلا للقطب الشعبى لحل المشاكل المذكورة ، و أن مصر تحتاج لتيار شعبى تقدمى و أعطى مثال بالأصوات التى أعطت لحمدين صباحى و تدل أن الخيارات المطروحة ليست فقط فلول و إخوان لسه الثورة فى الميدان كما ترددت الشعارات . وعن تفسير العملية الثورية من بلدا لآخر قال جلبير أن الحركة العمالية مثلت عامل اساسى فى مصر و تونس ، و غياب الحركة العمالية فى دول اخرى يرجع لغياب تراكم النضالات و طبيعة هذة الدول و السيرورة الاقتصادية بها و القمعية ، فجاء الانفجار بشكل آخر . و أن طابع الانتفاضة ارتبط بطبيعة مؤسسات الدولة ، فبالنظر لسلمية بعض الثورات فى حين حملت غيرها السلاح هو تصور سطحى ، بل المنظور يكون من خلال مدى سيطرة الدولة على المؤسسات و خاصة المؤسسة العسكرية و هذا ما حدث بلبيا و سوريا . و تاريخ الثورات ليست القاعدة هى الثورة السلمية بل المسلحة و التى قد تؤدى لثورات اهلية و بعضها كانت حروب تحرير . و تابع جلبير أنه حاول تشخيص الوضع بشكل دقيق من خلال الأرقام و الاحصائيات لمعرفة مكمن المشكلة المؤداة للتنمية المعاقة ، و من أسبابها انخفاض مستوى الاستثمار منذ 30 عاما ، و هذا الانخفاض ارتبط بالسياسات الانفتاحية و الليبرالية الجديدة التى طبقها السادات فى مصر . باعتبار ان القطاع الخاص محور النشاط الاقتصادى الرئيسى ، و تصوير ان السياسات الناصرية كانت فاشلة لاعتمادها على القطاع العام ، و كان نتاج ذلك انخفاض معدلات الاستثمار العام ، لم يعوضها الاستثمار الخاص ، الذى لم يهتم سوى بالربح . و أرجع جلبير فشل هذا النظام عندنا و نجاحه فى مناطق اخرى انها لا تتناسب مع دولنا التى تحتاج للتنمية فى حين ان الانفتاح يعتمد على التطفل ، فنمت دول ريعية و طبقة رأسمالية مرتبطة ارتباط وثيق بالدولة و الحكم اسماها " رأسمالية المحاسيب " و ذلك انعكس بالارتفاع فى قطاع البناء ، فى حين ان الاهتمام بالصناعات انخفض . أوضح المؤلف أن دول المنطقة العربية غالبها ريعية ، و هذا لا يقصد بها اقتصاد ريعى ، ريع الغاز و قناة السويس و التمويل الأمريكى يعدوا عناصر من ريع الدولة ، فمصر كانت أكثر الدول ريعية . و أضاف أن البعض يطرح فكرة أننا نحتاج لمزيد من الليبرالية الحديثة لنخرج من الأزمة ، و هكذا ادعى صندوق النقد الدولى ، بدفع النظام الجديد لما لم يستطع حتى مبارك القيام به ، بزيادة التوجه نحو الليبرالية الجديدة . و انعدام الاستقرار الذى نتج عن الثورات يفاقم الأوضاع بالنسبة للرأسمال الخاص مما جعلها أضيق اليوم قبل الثورة ، فبتصور أن اعطاء الاولوية للقطاع الخاص هو من سيخرجنا من الوضع الحالى هو تصور وهمى. " الاخوان يفتقدون للسياسات الاقتصادية سوى اللهث وراء الصندوق الدولى " هكذا عبر جلبير ، قائلا أن عدم القبول بشروط الصنجوق حتى الان لا يعنى عدم قبولهم بهذة الشروط بل بالوضع السياسي فى مصر ، فيحاولون حاليا كسب الوقت ، و الاستعانة بقطر لضخ اموال لتصمد مصر حتى الانتخابات ، و تنفيذ شروط الصندوق عندما يروا أن الظرف السياسى مواتى خاصة بعد الانتهاء من الانتخابات . كما حضر اللقاء القيادى العمالى " كمال أبو عيطة " الذى تحدث عن قيام جلبير بزيارة مجموعة من العمال لا يعرفون القراءة و الكتابة ليحدثهم عن كتابه ، و هو أمر لم يفعله كثير من مثقفى اليسار ، متأسيا أن اليسار يكاد يكون غائب عن المشهد العمالى . و أكد أبوعيطة أن الثورات العربية لم تصل الى محطتها الاخيرة بعد ، و رغم تناول الكتاب للفاعلين الجدد فى الثورات الذين استخدموا التكنولوجيا ، و لكن ذلك لم ينسيه دور الطبقة العمالية ، و الصراع الاجتماعى الاقتصادى الحادث . فى حين نسى الفاعلين الجدد الوضع الاقتصادى و الاجتماعى الذى يفور و يخبو ، و عدم اهتمامهم بالنضال الاجتماعى و العمالى ، و عدة قدرتهم على تجميع كافة النضالات على مطلب واحد .