ان أيقونة "القديس مينا" (القرن السادس الميلادى، بمتحف اللوفر) التى تظهره كشيخ وحول رأسه هالة وفى هيئة تجريدية، تمثل صورة نورانية مقدسة. إنها تصور فكرة إلتقاء البشر بالألوهية وبالعوالم المقدسة. أما التفسير المجازى أو الاستعارى للأيقونة فهدفه تأويل مضمونها وفهم رمزيتها, ويتعلق الأمر بإعادة رؤية الفن فى إطار عصره، وفى ضوء المفاهيم المهيمنة فى زمنه. وعادة تصور الأيقونة قديسا أضاء العالم فى حياته وظل نوره يضئ للأبد.وهى تنقل إحساساً مقدساً وتحرك مشاعر من يتأملها وتصله بالمقدس. والفنان الذى رسم الأيقونة لا يعينة إلا رؤية ذلك المقدس الذى حل فى أعماقه. ومن المعروف أن لفن الأيقونات جذوره التى ترجع إلى الفن المصرى القديم وإلى البورتريهات المعروفة بوجوه الفيوم. وما يزال فن الأيقونات يمارسه المصريون حتى هذه الأيام. فإنه بين إيقونة القديس "مينا" إبن الصعيد التى ترجع إلى القرن السادس الميلادى، وإالأيقونة /الجرافيتية ل "مينا دانيال" شهيد ثورة 25 يناير الذى توفى (9 أكتوبر 2011) سبعة عشر قرناً . أما القديس "مينا" فإنه بسبب تمرده على أوامر "دقلديانوس" الرومانى بالعودة لعبادة الأوثان، وانضمامه لصفوف المضطهدين أمر الوالى "أريانوس"بقطع رأسه بالسيف (سنة 309ميلادية) وكان عمره 24 عاما، ومن هنا تفاقم الإحساس بالمرارة من سنوات الاِضطهاد الذى مارسه الرومان وعانى منه الأقباط وهم يناضلون فى سبيل ترسيخ مبدأ حرية العقيدة، وعدم قبول فكرة الدين على أساس أنه مسألة إرادة حرة وأنه ينتشر بالإقناع لا بالفرض أو بالقوة الجبرية. وكذلك استشهد "مينا دانيال" الذى شيعت جنازته بميدان التحرير بعد أن نجا من رصاص القناصة أثناء قيادته مسيرة خرجت من أحد مساجد القاهرة فى جمعة الشهداء (28يناير 2011) ومن رصاصة أصابته يوم موقعة الجمل (2فبراير2011)، واستشهد فى المرة الثالثة برصاصة نفذت من ظهره أثناء مسيرة انطلقت من شبرا إلى ماسبيرو طلبا لإرساء مبادئ العدل والحرية والمساواة والكرامة التى نادت بها ثورة ه2 يناير . إن رسم القديس الشهيد فى أيقونة "مار مينا " برأس كبير ومفتوح العينين متجرداً، يشير إلى عمق البصيرة الروحية الحية التى يتمتع بها الأبرار، رغم زهدهم فى الحياة الدنيا ، بل ينشدون حياة الحب المفرحة فى عالم الخلود الذى يسمو فوق الجسد. لقد استمر تقليد رسم الوجوه منذ العصور الفرعونية بقصد التعبير عن بقاء الروح المباركة تحيا عندما تبعث يوم القيامة. أما روح القديس الشهيد فهى حية، وتمثل الأيقونة حضورها، وفى ذلك سر جمالها الساحر. وفى الحقيقة لم تكن الأيقونة القبطية تشير إلى أى عذاب أو تألم، مما عاناه الشهيد وهو يواجه الاضطهاد. وكذلك استبعدت طريقة الفنان المصرى منذ العصور الفرعونية من التعبير الفنى كل ما يشير إلى حالات التبدل حتى يحتفل فى الصورة بالأبدى المنشود وبالفرح الروحى بادراك الخلود السماوى. إذ أن الأيقونة تمثل نقطة الالتقاء فى القلب بين الإنسانى والإلهى، بين الأرضى والسماوى وبين الحدث التاريخى والمجد الأبدى فى العالم المقدس . والمشاهد وهو يتأمل "الأيقونة" ينفتح أمامه باباً يصله بالمقدس و يصله بالمحبة الروحية و بنور االأبدية الذى يود أن يتحلى بفضيلته، ويستكمل به جزئه المفتقد فى الحياة ببهائه السماوى,و الذى اعتقد فيه المصريون منذ أن سكنوا وادى النيل العظيم وآمنوا فى حقيقة البعث والحياة الآخرة. لقد نشأت نواة الأيقونة فى مصر فى بورتريهات الفيوم التى تستحضر روحا لها قدسيتها، فرحة فى سيرها نحو الحياة الأبدية، مضيئة وجمالها ساحر بنقائه الذى يستوجب أمامه خشوعاً، إذ لمسته الإطلالة الأبدية، فانطلق من عالم الأرض إلى عالم السماء وقد صمت الجسد وحضرت الروح وتجلى القلب النقى. وفى الأيقونة امتزجت ألوان الرسم مع الروح المقدسة ومع نور أبدى ينير القلب قبل البصر. وهناك اعتقاد راسخ بأن الأيقونة لاترسم باختراع وموهبة الفنان وحده، وإنما للإلهام الإلهى دوره فى إنارة رؤية الرسام التى ترسم الفرحة المشرقة، وتبرز معنى الأبدية والتحرر من العبودية. وبذلك تحظى بالتجديد الروحى والحضور الدائم للحقيقة و للجمال الخير /الإلهى غير المتناه الماثل فى أعماق كل منا.وهذا ما منح الأيقونة جمالها الروحى المكرس لفكرة تبجيل معنى المقدس والخشوع فى محيطه، وتهيئة للإحساس بالسكينة الروحية.وقد يسمو الحدث الشعبى إلى مستوى الجليل. والإحساس بجمال أيقونة /جرافيتية مثل أيقونة الشهيد "مينا دانيال" على جدران شارع "محمد محمود" يتطلب ممارسة تجربة تصوفية تسمو بالشعور بالألم الذى يعكسه الحدث التراجيدى للاستشهاد ،للوصول إلى إرادة التعالى على الكراهية ،والايمان بأن الاستشهاد فى سبيل الحق هو الطريق للحياة .إذ أن الشهيد ليس بميت وإنما يحيا وتلك هى فكرة الأيقونة التى تجسد الثنائية الموت/الحياة. كحقيقة متكاملة .وكلما كان التعبير عن ثنائية الموت/الحياة كثنائية متحدة فى صورة واحدة على نحو سكونى وغامض، شعر المشاهد بالروعة التى تتصف بها الصور والأفكار الجليلة،مثل فكرة "الأبدية" أو فكرة الحياة الآخرة".