في ظل ارتفاع وتيرة الاتهامات الموجهة للنظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي خلال الصراع الذي تشهده "سوريا" منذ أكثر من عامين، أصبحت قضية التدخل العسكري غير مستبعدة، فبدأت تلوح في الأفق وبقوة، رغم الإشارات العديدة بتضاؤل احتمالاتها. حيث أعلنت القوة الدولية - في أكثر من مناسبة - على أنه في حالة ثبوت استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية، سوف تتصدى له الأسرة الدولية بكل قوة وحزم وسرعة. والسؤال الذي يطرح الآن، في حالة التأكد من توقع حدوث سيناريو التدخل العسكري في "سوريا"، من سيقف وراءه هل "إسرائيل" أم "أمريكا" أم المظلة الدولية برعاية الأممالمتحدة أم حلف الناتو مكتملاً أو منفرداً؟ قضية خطيرة مما لا شك فيه أن قضية الأسلحة الكيماوية تعد من القضايا الخطيرة التي تضر بالبشرية، فعادة ما تستخدم لتدمير أو تحجيم أو الحد من نشاط مجموعة بشرية معينة لتحقيق أهداف مختلفة، ولها عدة تصنيفات، إما حسب شدة تأثيرها، أو حسب إمكانية السيطرة عليها والحد من سرعة انتشارها. ويعود استخدام تلك الأسلحة في الحروب إلى أقدم الأزمنة، إذ تشير المصادر التاريخية أن حروب الهند القديمة في حوالي العام 2000 ق.م شهدت استخداماً لأبخرة سامة تسبب "الارتخاء والنعاس والتثاؤب". وقد استخدمت تلك الأسلحة مرات عدة مثلما حدث في التسعينيات، وبالتحديد في مدينة "حلبجة العراقية"، حينما استخدم النظام العراقي عام 1988، غاز الأعصاب وغازات أخرى كيماوية، أدت إلى قتل أكثر من 5000 مدنيين وإصابة الآلاف من المواطنين، فضلاً عن المضاعفات الصحية والأمراض والعيوب الخلقية التي لحقت بشعب الأكراد وقتها، والتي ما زالوا يعانوا منها حتى اليوم. ونظراً لخطورة تلك الأسلحة، يحرص المجتمع الدولي والدول الكبرى على منع الدول المالكة لهذه الأسلحة من استخدامها. وفي الآونة الأخيرة ومع اشتعال الأزمة السورية وارتفاع وتيرة الاتهامات الموجهة لنظام "الأسد" باستخدام السلاح الكيماوي، ظهرت عدة سيناريوهات تشير إلى إمكانية التدخل العسكري لمنع تفاقم هذه الأزمة، وأحد هذه السيناريوهات يشير إلى أن المجتمع الدولي كله سوف يتدخل لصد النظام السوري عن أعماله في حالة ثبوت تلك الاتهامات، بينما يفترض الثاني تدخل "الولاياتالمتحدة" إما بحصولها على تفاوض دولي أو بشكل فردي، وهناك آخرون يعتقدون بإمكانية تدخل ثنائي أو ثلاثي من أطراف أخرى. وفي هذا الصدد سنسرد كافة السيناريوهات من أجل التوصل إلى سيناريو قد يتم العمل به مستقبلاً. سيناريو الأممالمتحدة يمكن أن تتدخل الأممالمتحدة وتتوصل إلى قرار نهائي وإجماع دولي بشأن التدخل العسكري في "سوريا" من خلال مجلس الأمن الدولي، ويفترض هذا السيناريو فكرة التدخل بزاويتين إما عن طريق حلف الناتو، وإما عن طريق تكليف بعض الدول مثل "الولاياتالمتحدة". وفي كلتا الحالتين يرجح البعض حدوث هذا السيناريو، وبخاصة؛ لأن المجتمع الدولي عادة ما يسارع في تلك الحالات إلى حماية المدنيين من هذه الأسلحة الفتاكة مثل ما حدث في "العراق" من قبل. وهناك عدة أسباب قد تقلل من حظوظ حدوث هذا السيناريو، وتتمثل في عدم إمكانية التوصل إلى إجماع دولي (حق النقض الفيتو)، بشأن فكرة التدخل من خلال الأممالمتحدة، ولاحتمال معارضة "روسيا" و"الصين" لهذا التدخل، أو لتخوف المجتمع الدولي نفسه من الخوض في هذه التجربة؛ حتى لا تتعقد الأزمة السورية أكثر مما ينبغي. سيناريو متعدد ويذهب هذا السيناريو إلى حدوث التدخل العسكري بأشكال متعددة، إما بصورة منفردة أو بتعاون ثنائي أو ثلاثي بلا غطاء رسمي أو شرعي، فهناك مؤشرات على أكثر من صعيد تدفع في اتجاه التدخل العسكري الأجنبي، وخاصة من جانب الأمريكيين والكيان الصهيوني وبعض الدول الأوربية مثل "فرنسا". ويفترض هذا السيناريو بأن التدخل سيأخذ شكلين أساسين: إما على شكل ضربة جوية من طيران الكيان الصهيوني موجهة لمخازن الأسلحة الكيماوية من أجل منع وقوعها في يد الجماعات المتطرفة، وهو التخوف الذي لطالما عبر عنه قادة الكيان الصهيوني في أكثر من مناسبة. وأما النمط الثاني يتمثل في التدخل العسكري للقوات الأمريكية عبر الجبهة الأردنية بهدف وضع اليد على مخازن السلاح الكيماوي، ويشير إلى ذلك إرسال "الولاياتالمتحدة" في الآونة الأخيرة ل200 جندي أمريكي إلى "الأردن" كنواة أولى لقوات مقبلة قد يصل تعدادها حسب مصادر أردنية إلى ثمانية عشر ألف جندي. أم النمط الثالث فيتمثل في دخول "فرنسا" إلى جانب "بريطانيا"، أو بمعنى آخر الدخول تحت راية حلف الناتو على غرار ما حدث في "كوسوفو" عام 1999، وقبلها في البوسنة عام 1995، وفي الحالة الليبية عام 2011، وما يعزز من هذا الاتجاه هو تهديد وزير الخارجية الفرنسي "ألان جوبيه" باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يخص "سوريا" تحت الفصل السابع، وهو الخاص بالدعوة لتدخل عسكري في "سوريا" في إطار قرار من مجلس الأمن أو حتى خارجه. ومما يقلل من حدوث هذا السيناريو (كما سبق) هو صعوبة التوصل إلى إجماع دولي، فضلاً عن انشغال كل دولة بقضايا هامة، حيث تنهمك "فرنسا" بملابسات الحرب في "مالي" في حين تنشغل "بريطانيا" بأوضاعها الداخلية. وقد تتجه إسرائيل إلى التدخل في سوريا بمفردها، لاسيما بعد قيام سلاح الجو الإسرائيلي مؤخراً بتنفيذ غارة على البلاد. وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن هذا التدخل قد لا يتم بالأساس؛ لأن الغرب في النهاية وعلى رأسه "الولاياتالمتحدةالأمريكية"، يرغب في إبقاء الوضع في "سوريا" على النحو الراهن الذي يضمن من خلاله ديمومة الفوضى التي تبقي الدولة السورية ضعيفة، لعدم وجود البديل المناسب للنظام السوري. وإن تم التدخل، فيرجح حدوث السيناريو الأول رغم صعوباته الكثيرة، ويرتبط حدوثه بالتغلب على تلك التحديات التي تلاحقه، وإن كنا نتمنى عدم حدوث أي من السيناريوهات السابقة، ويتم حل الأزمة السورية بشكل سلمي حفاظاً على الدم العربي السوري.