كان صوته مسموعاً في الحياة السياسية قبل الثورة وكانت هيبته تسبقه إلى محافلها، فكان "العقل المدبر" لما يسمى ب "تيار استقلال القضاء"، ولكن بعد توليه منصب وزير العدل في حكومة الدكتور محمد مرسي، علت الأصوات المطالبة برحيله، فاتهمه طرفي اللعبة السياسية من المؤيدين والمعارضين للنظام الحالي باتهامات عديدة، ولذا؛ استجاب مكي لهذه المطالب وقدم استقالته. والآن وبعد الفراغ الذي تركه المستشار مكي، تثار عدة تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء تقديمه الاستقالة، ومن سيخلف كرسيه؟ وبإعلانه الانضمام لصفوف المدافعين عن حقوق القضاة؟ هل سينضم مكي إلى صفوف الليبراليين في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين؟ بدايةً لمن لا يعرف كثيراً عن أحمد مكي، هو من مواليد 5 يناير 1941، كان يعمل كنائب رئيس محكمة النقض سابقاً، وشغل منصب وزير العدل قبل استقالته الأخيرة ضمن وزارة هشام قنديل التي تشكلت يوم 2 أغسطس 2012. كما أنه اشتهر كونه قاضياً معارضاً بارزاً أثناء حكم الرئيس المصري حسني مبارك، وهو ما أكسبه شعبية كبيرة. تفسيرات مختلفة ومن هنا وصُف مكي بأنه أحد أبرز الشخصيات القانونية والسياسية، فلمع اسمه إبان ثورة يناير وما بعدها؛ الأمر الذي لزم بتوضيح التفسيرات المختلفة خلف تقديمه تلك الاستقالة وبخاصة في الوقت الحالي. وفي ضوء ذلك يُرجع عددٌ من المحللين السبب الرئيس وراء تقديم المستشار أحمد مكي استقالته من منصبه إلى الضغط الذي تمارسه جماعة الإخوان لإصدار قانون السلطة القضائية، موضحين أن حصار المؤسسات القضائية أشعر الوزير بالحرج. وبينما يشير آخرون، إلى أن السبب يكمن في شعور وزير العدل بأنه غير مرغوب فيه في الوزارة، ومع الحديث عن التعديل الوزاري كان دافعاً وراء سرعته بتقديم الاستقالة، محاولاً أن يظهر بمظهر البطولة. فضلاً عن زيادة حجم الشائعات خلال الفترة الأخيرة من قبل وسائل الإعلام والتيار الليبرالي واتهامه بأخونة القضاء، ومنها ما يتعلق بالتعيينات التي قام بها مكي داخل مؤسسة القضاء. في حين يرجع البعض الاستقالة إلى تهديده من جهات عدة وبخاصة بعد إقدامه على إحالة المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام السابق، للجنة الصلاحية للتحقيق معه بشأن ما تلقاه من أموال خارج إطار القانون - على حد قول عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط وعضو مجلس الشعب المنحل. مَن سيخلفه؟ سؤال لابد من طرحه في الوقت الحالي وبخاصة بعد حالة الفراغ القانوني الذي تركه مكي، كما لا مفر أيضاً من الإجابة عليه قدر الاستطاعة. وفي هذا الصدد، تتردد عدد من الأسماء المطروحة والمتوقع أن يتولى أحد منهم منصب وزير العدل ومنها المستشار محمد ممتاز متولي رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي التقى به الرئيس مؤخراً، أو المستشار إبراهيم الطويل نائب رئيس محكمة النقض السابق. في حين تتوقع مصادر قضائية إلى احتمال تولي المستشار أحمد سليمان رئيس مركز الدراسات القضائية بوزارة العدل ورئيس نادي قضاة المنيا وأحد قيادات تيار الاستقلال القضائي، المسئولية بوزارة العدل خلفاً للمستشار أحمد مكي. وبالرغم من عدم اتضاح الرؤية الكاملة حول ماهية الأشخاص المتوقع تبوؤهم لمنصب وزير العدل، غير أن معظمها يرى بأن من سيحل مكان "مكي" في المنصب الوزاري سيكون منتمياً للتيار الإسلامي، أو على الأقل من مؤيديه، إما رغبة في تمرير قانون السلطة القضائية والذي كان أحد الأسباب الدافعة لاستقالة مكي، وإما رغبة في السيطرة على إحدى أبرز الوزارات السيادية. ومن هنا يتوقع البعض بأن يكون الغرياني أحد أبرز المرشحين لتولي هذا المنصب أو المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة الأسبق، أو محمد محسوب وزير الدولة للشئون البرلمانية والقانونية السابق. اختفاء سياسي وحول احتمالية انضمام مكي إلى صفوف المعارضين والليبراليين ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في الأيام المقبلة، يعترض كثيرون على هذا الفرض، ولاسيما بعد إشارة البعض إلى وجود علاقة تربط بين مكي وجماعة الإخوان المسلمين وخاصة لأنه من أحد المحبذين للفكر الإسلامي. غير أن هناك من يصرّ على تلك الفرضية ويؤكدها من خلال عدة مؤشرات: أولها هي إعلان مكي نفسه دفاعه عن حرية واستقلال القضاء وعدم رغبته في تمرير قانون السلطة القضائية، وهو ما يتعارض مع تأملات جماعة الإخوان المسلمين، وثانيها هي استمرار حالة الهجوم الشديد عليه من قبل التيارات الإسلامية، حينما حصل عددٌ من رموز نظام الرئيس السابق على براءات، فضلاً عن اتهامات تلك التيارات له بالتقصير في أداء دوره في الفترة السابقة. وبالتالي قد ينقلب الحال وتتزايد حدة الهجوم بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الإعلامي والسياسي على غرار ما حدث لبعض القيادات التي تعارضت مصلحتها مع مصلحة جماعة الإخوان المسلمين مثل (عبد المنعم أبو الفتوح وثروت الخرباوي) مع اختلاف الفارق بين هذين المثالين، ولاسيما في ظل اتسام شخصية مكي بالحدة والصرامة والعنف في إطلاق العبارات والألفاظ. وما بين هذا وذاك؛ يتوقع الكثيرون بأنه سينسحب بهدوء عن المشهد السياسي الراهن تاركاً الصراع لأصحابه بين التيار الليبرالي بقياداته وأحزابه والتيار الإسلامي بفرقه وجماعاته.