أسئلة كثيرة ومتشعبة ظهرت على السطح، وباتت تشغل ذهن كثير من الباحثين والدارسين، خاصة بعد قبول الرئيس "عباس أبو مازن" استقالة رئيس الحكومة الفلسطينية "سلام فياض". وتناولت التساؤلات الأسباب الحقيقية وراء استقالة "فياض"، ومدى تأثيرها على اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس".
فضلاً عن تساؤل هام، وهو ما هي السيناريوهات المتوقعة للبديل المناسب لرئاسة الحكومة الفلسطينية القادمة.
وتزايدت الأقاويل والأحاديث، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه حركة "حماس" تلك الاستقالة شأناً "داخلياً" نتيجة "خلافات" "فياض" مع حركة "فتح"، إلا أن "الولاياتالمتحدة" استنكرتها، واعتبرتها أمراً خطيراً يهدد عملية السلام.
تفسيرات مختلفة: وبطبيعة الوسط السياسي كغيره من الأوساط المختلفة، تباينت التفسيرات والتقديرات حول أسباب استقالة "سلام فياض" من رئاسة الحكومة الفلسطينية.
فالبعض يُرجع الاستقالة إلى تفاقم الأزمة بين رئيس الحكومة والرئيس الفلسطيني على خلفية، اعتبرها "فياض" حملة من جانب مسئولين في حركة "فتح" تستهدفه شخصياً، بعد فترة من التنازع على الصلاحيات بين الرئيس "عباس" و"فياض" في ظل أزمة وحصار مالي وسياسي متواصل.
في حين يشير آخرون إلى أن استقالة وزير المالية "نبيل قسيس" من منصبه، وقبولها من "فياض" دون الرجوع للرئيس "أبو مازن"، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فكان إصرار الأخير (الرئيس) على بقاء "قسيس" في منصبه، أحد الدوافع التي جعلته يطيح ب"فياض" من منصبه.
وفريق آخر يرى أن قبول "أبو مازن" استقالة "فياض" قد يكون نابعاً من مخاوف مرتبطة باتساع شعبيته، ليس في "واشنطن" و"بروكسل" (مقر الاتحاد الأوربي) فقط، بل في الضفة الغربية أيضاً.
وفي ذات السياق، يُطرح تفسير آخر، يرى أن الاستقالة جاءت لدوافع شخصية، ويرون أن استقالته تأتي كبداية لاحتمالية توليه رئاسة البلاد خلفاً ل"عباس"، ولاسيما لأن لديه طموحات أكبر على حد قول كثيرين، نظراً لدعمه الغربي، فضلاً عن شعبيته في الضفة الغربية.
بينما يشير آخرون إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، جاءت كفرصة مواتية لأعضاء "فتح" لتوجيه الغضب الفلسطيني باتجاه رئيس الوزراء "فياض" وحكومته.
ومما سبق نجد أن العامل الأكبر خلف قيام الرئيس "عباس" بإجراء هذه الاستقالة، للتفسير الأول والثاني المتعلقين بحدوث أزمة ثقة بين الرئيس و"فياض" في الآونة الأخيرة.
ردود فعل: ونظراً لأهمية هذا الأمر لكل من الفلسطينيين والغربيين أيضاً، فقد توالت عدد من ردود الأفعال المحلية والدولية، كل منهما يعبر عن اتجاهه ورؤيته.
وبالنسبة للشأن الغربي فيمكن حصره في "الولاياتالمتحدةالأمريكية"، حيث لم تحظ استقالة "فياض" بقبول الخارجية الأمريكية، فصرحت في وقت سابق بأن "فياض" باق في منصبه ولن يستقيل، وهو ما استنكره عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" "عزام الأحمد"، معتبراً أن في ذلك "تدخلاً سافراً" في الشئون الفلسطينية.
أما على الشأن الفلسطيني، اعتبرت حركة "حماس"، قبول عباس استقالة "فياض"، شأناً "داخلياً" نتيجة "خلافات" "فياض" مع حركة "فتح".
وأكدت "حماس" أن الاستقالة لا علاقة لها باتفاق المصالحة، وأن تطبيق اتفاق المصالحة بين "حماس" و"فتح" - الذي نص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسة "عباس" - مرهون بموقف حركة "فتح".
في حين يرى الدكتور "واصل أبو يوسف" - الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية - أن توقيت استقالة الدكتور "سلام فياض" جاء في أوقات اتفق عليها لتكون بداية تنفيذ خطوات المصالحة - حسب اتفاق "القاهرة" و"الدوحة" - ، والدخول بمواعيد جدية لتشكيل حكومة التوافق، والبدء بترتيب الانتخابات الرئاسية والتشريعية والوطنية.
بينما يعتبر آخرون هذه الاستقالة بأنها تأتي في توقيت مناسب جداً، من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية عقب اتفاق "القاهرة" و"الدوحة".
علامات استفهام: ونظراً لاعتبار "فياض" عنوان المساعدات الأجنبية، حيث كان يتمتع بدعم دولي عالٍ وبمهنيّة ممتازة، وبثقة لا محدودة من "الولاياتالمتحدة"، فضلاً عن كونه شخصيّة على حد وصف البعض، وبالتالي يتوقع الكثيرون بأن غيابه واستقالته سيجعلان من الصعب على الأوروبيين الاستمرار بضخ هذه الأموال، بسبب التخوف من ذهابها إلى غير ما هي مخصصة له.
وبالتالي ترسم استقالة "فياض" علامة استفهام كبيرة على استمرار تدفق الأموال الأوروبية على السلطة الفلسطينية.
ورغم ذلك، يرى آخرون أن موضوع المساعدات غير مرتبط بشخص "فياض"، وسواء كان "فياض" موجوداً أو غير موجود، ستبقى هذه المساعدات تصل؛ لأنها مرتبطة بالشعب الفلسطيني، وليس بهذا الرجل أو ذاك.
وذكرت "حنان شعراوي" - القيادية في منظمة التحرير - أن استقالة "فياض" «تتعلق بالسياسات الداخلية، ويجب ألا يكون لها تأثير على الجهود الغربية لدعم الاقتصاد الفلسطيني».
يذكر أن "سلام خالد فياض" من مواليد 1952، قرية "دير الغصون" قضاء "طولكرم"، ويشغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية منذ عام 2007.
سيناريوهات محتملة: من سيخلف "فياض"؟ ومن البديل في رئاسة الحكومة الفلسطينية؟ وفي ضوء الإجابة على هذا التساؤل، يرى مراقبون أن هناك (3) خيارات وسيناريوهات محتملة، يتوقع أن يتم الأخذ بأي منهم في المستقبل القريب.
أول هذه السيناريوهات تنطوي في تكليف "سلام فياض" مجدداً برئاسة الحكومة كحكومة تسيير أعمال، إلى حين الوصول لاتفاق مع حركة "حماس" على البدء في تطبيق اتفاق المصالحة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسة "عباس" وفق إعلان "الدوحة".
وقد يبدو هذا الخيار مقبولاً لدى الرئيس "عباس" وحركة "فتح"، من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية التي طالت أكثر مما ينبغي.
ويتعلق السيناريو الثاني، باختيار الرئيس "عباس" أي شخص آخر، بخلاف "سلام فياض".
وحسب عضو المجلس الثوري ل"فتح"، فقد يلجأ "عباس" إليه بتعيين الاقتصادي "محمد مصطفى" رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، وهو أحد المقبولين دولياً لتولي منصب رئيس الوزراء.
أما الخيار الثالث، هو أن يصبح الرئيس "عباس" رئيساً للحكومة لحين إجراء الانتخابات القادمة، بحيث يُشكل "عباس" بنفسه الحكومة لتدير الأوضاع، ولكن هذا السيناريو قد يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وبخاصة لأنه قد يعني منع المعونات المالية للسلطة الفلسطينية.
ختاماً، يلزم على الرئاسة الفلسطينية الحالية الإسراع في عملية تشكيل الحكومة الحالية، واختيار رئيس حكومة كفء قادر على تحقيق مصالح المواطنين الفلسطينيين، بغض النظر عن اتجاهه وانتمائه، وبغض النظر عن اتخاذ كافة السيناريوهات المطروحة.