أ ش أ يمضى العراق إلى مزيد من التخندق الطائفي الذي أنتجته سنوات متعاقبة من الاستقطاب، تمكن فيها رموز المشهد السياسي من تكريس أرضيات ذات طبيعة طاردة لأية محاولات لتأسيس"الدولة الوطنية" بعد انهيار نظام صدام حسين في العام 2003 .
ووفقا لمركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط، تمثل انتخابات أعضاء مجالس المحافظات التي تجرى غدا السبت في 12 من 18 محافظة عراقية ، لتطرح المزيد من المخاوف حول الصورة النهائية للمشهد السياسي والأمني في بلد يخوض أول انتخابات منذ رحيل القوات الأمريكية عنه نهاية العام 2011، خاصة في ظل حالة الهشاشة الأمنية التي تنتج المزيد من الضحايا بشكل شبه يومي في مختلف المناطق بغض النظر عن تكوينها الطائفي والعرقي .
وعلى الرغم من أن الانتخابات الماضية التي جرت بداية العام 2010 ، كانت حجر الزاوية في تكريس نفوذ رئيس الوزراء نورى المالكي وقائمته "ائتلاف دولة القانون" ، إلا أن الانتخابات الجديدة سوف تشكل اختبارا ربما يكون قاسيا لشعبية المالكي ، الذي بات في مرمى سهام شركائه السياسيين بسبب ما طاله من اتهامات بالتفرد بالسلطة والتراجع عن اتفاقات أتت به إلى السلطة مجددا وأنهت حالة الجدل حول موقع رئاسة الحكومة منذ عامين .
وكانت انتخابات مجالس المحافظات التي شهدت أعلى نسبة للتصويت ، فيما أطلق عليه "ثورة الأصابع البنفسجية" ، قد غيرت معالم المشهد السياسي العراقي ، عندما تمكن الائتلاف الذي يقوده المالكي من حصد غالبية مريحة ، تمكن من خلالها إزاحة خصوم تقليديين احتلوا واجهة المشهد السياسي ، وذلك عندما رفع المالكي شعار الدولة الوطنية ، والعراق للعراقيين ، قدم فروض الولاء التي أفرزت عمليات تقليص نفوذ الميليشيات الشيعية والمجموعات المسلحة السنية على حد سواء .
إلا أن المالكي بعد أن استقرت له الأمور أظهر وجها مختلفا، أدى إلى أزمات سياسية متعاقبة وتوتير العلاقات مع كل الشركاء ، فتأزمت العلاقات بين بغداد وإقليم كردستان ، وخرجت تظاهرات شعبية واعتصامات في المحافظات السنية "الأنبار ونينوى وصلاح الدين" تطالب بتحقيق التوازن، مما أدى إلى انسحاب بعض الوزراء من الحكومة.
ولم يقدم رئيس الوزراء العراقي نورى المالكي بديلا واضحا لخط سير العملية السياسية التي تقاوم الانهيار ، غير التوجه مجددا نحو الخندق الطائفي الذي يهدد بتقسيم العراق ، وهو ما أدى إلى زيادة التوتر المناطقي المدعوم طائفيا وعرقيا ، بما يكرس نمط التصويت على أسس غير منطقية تقوم على الأصلح ، وإنما التصويت على أساس الطائفة والقومية ، وهو ما يعمق الشروخ التي غرق فيها العراقيون على مدى السنوات الماضية.
ولعل قراءة سريعة لخارطة التحالفات السياسية التي ستخوض انتخابات مجالس المحافظات غدا السبت ، تؤكد أن حال التخندق الطائفي يسيطر بشكل أساسي على الأحزاب والقوى والتحالفات والكيانات ، وهو ما يعنى استمرار حالة الاستقطاب لترسم معالم المشهد الانتخابي لبرلمان عام 2014.
وقد غاب عن خارطة التحالفات الجديدة أحزاب وقوى معروفة، فضلت أن تخوض غمار الانتخابات بشكل منفرد ، فرئيس الحكومة المالكي سيخوض الانتخابات المحلية كما خاضها سابقا بشكل منفرد وخارج مظلة التحالف الوطني "الشيعى" الذي يحاول دمج "دولة القانون" التي يقودها المالكي ، للحد من طموحات الأخير وتسجيل أرجحية في نتائج الانتخابات المنتظرة.
فيما تواصل قوى أخرى حالة التخندق طائفيا تحت لواء ما يعرف بالبيت الشيعي الذي يضم المجلس الأعلى الإسلامي برئاسة عمار الحكيم ومنظمة بدر برئاسة هادي العامري، وتيار الإصلاح بقيادي رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفرى .
أما التيار الصدري فسيخوض الانتخابات منفردا كما خاضها في السابق ، مع دمج بعض النخب والكفاءات إلى قوائمه المرشحة للانتخابات ، وذلك بسبب خلافه الظاهر مع نورى المالكي .
أما ائتلاف العراقية الذي يقوده إياد علاوى ، وتغلب عليه المكونات السنية ، فقد انقسم إلى أكثر من قائمة انتخابية، حيث استبق علاوي التحضيرات بتغيير اسم كيانه إلى الحركة الوطنية العراقية، وسيخوض الانتخابات مع نخب وفعاليات ليبرالية وعشائر في عدة محافظات .