يدعي بعض المراقبين أن أسلوب العنف المغلظ الذي اتبعه النظام السوري في قمع المظاهرات بدأ يؤتي ثماره، لدرجة أن بعض مؤيديه يرون أن الهدوء والاستقرار والأمن سيعود لسوريا بعد شهر أو يزيد قليلاً، وأن الشارع السوري سوف يخلو من مظاهر الفتنة (يقصد التظاهر) التي عمت البلاد خلال الشهور الستة الماضية. لكن هذا الادعاء لا يمكن التسليم به، ما لم تكن هناك شواهد موضوعية على الأرض تؤيده، الأمر الذي لم يتحقق حتى اللحظة.
صحيح أن المظاهرات في عدد من المدن والقرى السورية قد خفت حدتها بسبب العنف الذي تعامل به النظام مع المتظاهرين، والذي أوقع ما يزيد عن ثلاثة آلاف قتيل، فضلاً عن عدد الجرحى والمعتقلين والمفقودين الذين يعدون بالآلاف، بحسب تقارير المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إضافة لتقارير الناشطين السوريين الذين يزودون الفضائيات ومواقع الإنترنت بمشاهد للجرائم التي يرتكبها النظام، والتي ترقى إلى رتبة الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية وجرائم الحرب ،،، غير أنه من الصحيح أيضاً أن ثمة أسباباً قاهرة أدت للحد من زخم هذه المظاهرات، وهي أسباب يستحيل استمرارها ولا بد من زوالها إن آجلاً أو عاجلاً، ومن ثم فإن احتمال عودة المظاهرات إلى ما كانت عليه من حدة (إن لم تكن أشد وأقوى)، يظل أمراً وارداً.
من أظهر تلك الأسباب:
1- تصميم بشار وعائلته على البقاء في الحكم بأي ثمن، حتى لو أدى الأمر إلى تعريض سوريا والمنطقة بأسرها للخطر.
2- إصرار النظام على استمرار استخدامه لقوات الجيش بكل فروعه، في قمع المظاهرات التي عمت الشارع السوري، إضافة لاستخدام قوى الأمن وفِرَق الموت التي تتشكل ممن يسمون بالشبيحة، في إرهاب المتظاهرين واعتقالهم وتعذيبهم بالصورة المروعة التي تبثها الفضائيات ومواقع الإنترنت.
3- الوحشية المفرطة التي اتسم بها النظام في التعامل مع المتظاهرين، والتي بدت بشكل واضح وفج في عمليات القتل بدم بارد، وفي الاعتقالات العشوائية وعمليات التعذيب المفرط التي تفضي أحيانا لموت الضحية، فضلاً عن التمثيل البشع بالجثث والذي وصل إلى حد تقطيع رءوس الضحايا وأياديهم وأرجلهم.
4- اجتياحات الجيش وقوى الأمن والشبيحة المستمرة للمدن والبلدات والقرى السورية، وجرائم القتل والإرهاب والتعذيب والاعتقال العشوائي التي يرتكبها أزلام النظام، إضافة لقصف المباني وجرف الأراضي وحرق المزروعات وقطع الماء والكهرباء عن تلك المدن والقرى.
ليس من شك أن هذه الممارسات القميئة، لا بد أن تخفف من حدة التظاهر ضد زبانية النظام.. لكن إلى حين، إذ من المستحيل أن تكون لدى النظام القدرة على الاستمرار في هذه الممارسات، وبخاصة أمام إصرار أناس لا يريدون غير استعادة كرامتهم وإنسانيتهم مهما كلفهم الأمر.
هنا يُثار عدد من الأسئلة:
أولاً- ما احتمالات نجاح المتظاهرين في إسقاط النظام معتمدين في ذلك (فقط) على قدراتهم الذاتية؟.
ثانياً- ما البدائل التي يحتمل أن يلجأ إليها السوريون إذا ما فشلت تظاهراتهم السلمية في إسقاط النظام؟، هل يلجأون إلى العنف؟. وإذا قرروا اللجوء لهذا الخيار، فما احتمالات نجاحهم في تحقيق أهدافهم؟.
ثالثا: هل ثمة احتمال في أن يطلب المتظاهرون تدخلاً دولياً يقيهم من الجرائم التي يرتكبها النظام بحقهم؟ وما نوع التدخل الذي يرتضون به، هل هو التدخل العسكري، أم فرض حظر على الطيران الحربي السوري، أم ماذا؟.
رابعًا- ما بدائل النظام إذا ما فشل في قمع المتظاهرين؟ هل يستمر في استخدام العنف حتى النهاية؟ أو يحاول إثارة فتنة طائفية؟ أو يحاول التصالح مع الشعب بتقديم تنازلات مهمة؟ أو بالتجاوب مع الوساطات الخارجية؟، أو بالتنحي عن الحكم؟.
خامسًا- هل يظل الجيش على ولائه للنظام، والكثيرون من ضباطه وجنوده الخلصاء لشعبهم ووطنهم يرون أن طاقاته تُستنزف في قتل إخوانهم المتظاهرين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة؟. وما احتمالات حدوث انشقاق مؤثر بين قطاعات الجيش؟. وهل يتوقع أن يحدث انقلاب عسكري يطيح بالنظام؟.
ليس من شك أن الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن تعطي صورة أوضح لما سيؤول إليه الوضع في سوريا. وأغلب الظن أن الشعب السوري الذي ثار لكرامته بالدرجة الأولى وليقينه بأن ما يهم هذا النظام هو البقاء في الحكم وليس المقاومة حتى تحرير الجولان أو الأراضي العربية المحتلة ،،،
،،، نقول: هذا الشعب لا يمكن أن يتراجع عن مطلبه في التحرر من هذا النظام الجائر الذي أوقع ما يزيد عن ثلاثة آلاف شهيد، فضلاً عن مئات المفقودين وآلاف المعتقلين الذي يعانون من تعذيب يفضي بالكثير منهم إلى الموت. فلم نشهد في تاريخنا الحديث أن يجري تعذيب ممنهج حتى الموت، لبعض المعتقلين الذين يتظاهرون لمجرد المطالبة بالحرية والعدالة، ثم يلقى بجثثهم لذويهم بغطرسة ودم بارد.
إن الإجابة على هذه الأسئلة وأخرى بموضوعية وروية، لسوف تعطي القارئ صورة أوفى لما قد تنتهي إليه ثورة الشارع السوري، التي ظلت تتصاعد حدتها طيلة ستة أشهر، برغم استخدام النظام لكل ما في ترسانته العسكرية من أسلحة، ولكل مؤسساته الأمنية وأزلام مخابراته والشبيحة التابعة له. وهذا ما سنحاول تناوله في دراسة تحليلية منفصلة إن شاء الله .. والله المستعان.