يمثلُ حزب البعث في سوريا الأقلية العلويَّة، إلا أنه يمتلك الحكم لشعب من الأغلبيَّة السنيَّة، ويشتهر الحزب باستخدام أعنف الوسائل لتكريس حكمِه الممتد منذ عام 1970م بقيادة الأسد الأب. ورغم كل وسائل القهر والتعذيب والمنع وكبت الحريات، إلا أن الثورات العربيَّة وصلت بالفعل إلى دمشق، وإن بدأت من مدينة درعا أقصى الجنوب، إلا أنها سرعان ما اتَّجهت صوب العاصمة ومنها إلى بقية المدن السوريَّة لتشتعل مع ازدياد عدد الشهداء في درعا، وتنتقل من المطالبة بتعديل دستوري فقط إلى المطالبة بإسقاط النظام ذاته، كثورتي تونس ومصر اللتين بدأتا بمطالب للإصلاح وانتهتا بإسقاط نظامي الحكم. وسيرًا على خطى العقيد معمر القذافي في ليبيا، تتجه البوصلة إلى بشار الأسد لأن يحذو حذوه لوأْد المسيرات التي تطالب برحيله، باستخدام القوَّة المفرطة، فيما يتوقع محللون أن تشهد سوريا ما شهدته تونس ومصر، ويرحل نظام بشار لتعود دمشق إلى الحضن العربي بعدما ارتمت لسنوات وسنوات في حضن إيران، كونهما وجهَين لعملة واحدة. البداية بدأت التظاهرات والدعوات الاحتجاجيَّة بتنظيم من المنشقين السوريين في الخارج في وقتٍ مبكرٍ في شهر إبريل، لكنها تبدَّدت ولم يُكتب لها النجاح آنذاك، إلا أن جولة جديدة من التظاهرات والاحتجاجات بدأت في الخامس عشر من مارس الحالي، وذلك عندما قام مجموعة من المحتجين بالتجمع في سوق الحميدية الشهير، حيث أخذوا يهتفون "الله، سوريا والحرية -كفاية"، متلاعبين بشعار حزب البعث الحاكم "الله، سوريا وبشار -كفاية". وفي اليوم التالي تجمع أقارب وأصدقاء النشطاء السياسيين السوريين المعتقلين في السجون السوريَّة أمام مبنى وزارة الداخليَّة للمطالبة بإطلاق سراحهم، في حين نزل رجال الأعمال في منطقة الحريقة الواقعة في المدينة القديمة إلى الشوارع ليشتكوا من وحشيَّة الشرطة. وشهدت مدن بانياس الحولة في الشمال الغربي وحمص في الغرب بالإضافة إلى مدينة دير الزور في الشرق احتجاجات واسعة تلت تلك التظاهرات. ومسكت مدينة درعا "جنوبًا" بِرَايَة المظاهرات، وأشعل المتظاهرون النيران في مقرّ حزب البعث، وردَّت قوات الأمن بمنتهى القسوة، وذكرت وسائل الإعلام أن الجثث ترامت في الشوارع وبلغ عدد القتلى المئات، ووسط ذلك أراد المتظاهرون الاحتماء بمسجد العمري بالمدينة إلا أن قوات الأمن اقتحمته ولم تراعِ حرمة بيتٍ من بيوت الله، وأسقطت قتلى بالعشرات في بحر دماء بدأ وربما لن ينتهي إلا بسقوط نظام البعث وحكم عائلة الأسد. ومع ازدياد القهر تجاه المتظاهرين، تدخَّل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأعرب عن دعمه للثورة الشعبيَّة هناك، معتبرًا أن "قطار الثورات وصل إلى محطتها". وانتقد القرضاوي بشدة الاعتداء على "حرمة بيوت الله" في هجوم القوات السوريَّة على المسجد العمري في درعا، وأكَّد أن ذلك تم بتحريض من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري، بشار الأسد، قائلًا: إن الأخير أسير لديها. وندَّد القرضاوي بالخطوات التي تتخذها السلطات السوريَّة حاليًا، والتي قال: إنها "محاولة للتقليل من الجريمة" عبر إقالة محافظ درعا وتساءل: "هل هذا يكفي؟". جمعة الغضب ويُعد يوم الجمعة الموافق 25 مارس، هو يوم اشتعال الثورة بسوريا، حيث اتسعت نطاق التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام لتشمل كل أنحاء سوريا بعدما توقفت لأيام عند مدينة درعا فقط، وهو ما أدى لسقوط مئات القتلى وآلاف المصابين. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسيَّة عن ناشط حقوقي رفض الكشف عن اسمه قوله: إن قوات الأمن فتحت النار بكثافة على المتظاهرين في دمشق وحمص ودير الزور والرقة بالإضافة لدرعا، مما أوقع عشرات القتلى ومئات الجرحى". بينما وصف المحامي السوري والناشط هيثم المالح الوضع في سوريا بأنه "برميل بارود قد ينفجر بأي لحظة". وقال المالح الذي اعتقل لسنوات بسبب معارضته وأفرجت عنه السلطات بعفو عام قبل أيام: سوريا اليوم أشبه ببرميل بارود، وقد ينفجر في أي لحظة، وما يحصل كرة ثلج صغيرة، وهي ستكبر مع التدحرج، ونحن كجزء من العالم العربي". وأضاف في تصريح لشبكة "سي إن إن": "السلطة بيدها مفتاح التغيير إذا شاءت، وإلا ستذهب الأمور للتغيير الكامل، ما يجري في سوريا لا يحتمل، نحن نتعرض لقمع وتسلط وقهر السلطات الأمنيَّة ولدينا بطالة تتجاوز 30 في المائة، بينما يعيش 60 في المائة تحت خط الفقر". ولفت إلى أن مظاهرات تجري في دير الزور، حيث قامت الشرطة بتوقيف أطفال، وتابع: "في الشام خرج الناس من المسجد الأموي، ولكن مجموعات من البلطجية هاجمتهم داخل المسجد وبدأت تهتف بالروح بالدم نفديك يا بشار (الأسد) فاضطر المتظاهرون للسير باتجاه ساحة المرجة، وهناك اعترضتهم الشرطة وجرى ضربهم". ورأى المالح أن السلطات السوريَّة لا يمكنها مساومة الشعب على العيش بأمان، لأن ما يجري في سوريا "ليس أمنًا، وإنا رعب من السلطة، إذ لدينا أكثر من خمسة آلاف معتقل رأي". وختم المالح بالقول: "الناس ستستمرُّ بالاحتجاج ولن تتوقف قبل رؤية أمور فعليَّة على الأرض، نحن ضدّ العنف وإراقة الدماء ونريد حلولًا سلميَّة، وإذًا ماذا قد يحصل إذا لم تستجب السلطة لذلك؟ هذا هو السؤال الكبير." الأسد ومبارك تتشابه ظروف عائلة الأسد مع عائلة مبارك، في اعتمادها على المقربين منهما في إدارة شئون البلاد وهو ما رفع من مستوى الفساد لدرجة كبيرة، وفي ذلك تقول صحيفة "الجارديان" البريطانية: إنه برغم الشائع حول الدعم اللامحدود من سوريا لجانب المقاومة في فلسطين، وهو الأمر الذي يستمد منه نظام بشار "شرعيته الوطنية"، إلا أن ذلك يُعد "وهمًا"، في ظلّ تزايد مطالب الإصلاح السياسي داخليًا، وذكرت الصحيفة أن جهاز الأسد الأمني القمعي، الذي يقوده أعضاء في عائلته أشد ضراوةً من نظامي مبارك وبن علي. ورصدت الصحيفة البريطانيَّة، نقاط تشابه بين نظامي مبارك والأسد، تتمثل أولًا في الفساد والاحتكار الذي يمارسه آل الأسد داخل سوريا مثلما كان يفعل نظام الرئيس المصري السابق، حيث يسيطر ابن عم الرئيس الأسد رامي مخلوف، ورئيس الرأسماليين داخل البلد على الوضع الاقتصادي، بما دفع بالمحتجين إلى حرق فرع شركة الهاتف المحمول التي يملكها في درعا. ويأتي الأمر الثاني في التشابه بين النظامين السوري والمصري، في احتكار الحزب السياسي الحاكم في كلا البلدين للعمليَّة السياسيَّة، ففي سوريا يعد حزب البعث، الذي يضم مليون عضو، الأكثر انتشارًا وتأثيرًا وربحيَّة والأطول بقاء في السلطة، مثلما كان الحزب الوطني في مصر، للدرجة التي حرق فيها المتظاهرون مقار الحزب البعثي في درعا تقليدًا لحرق مقارّ الوطني في القاهرة، في حين يتمثَّل التشابه الثالث في اعتماد كلا النظامين على شراء الأصوات ودفع الرشاوى في الدوائر الرئيسيَّة خلال الانتخابات. الحكم بالنار وحول الحكم الفردي المستبد لآل الأسد، كشفت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية النقاب عن الطريقة التي مكَّنت عائلة الأسد من الهيمنة على تاريخ سوريا الحديث منذ سبعينات القرن المنصرم، حيث تحكم سوريا منذ ذلك الحين بقبضة من حديد، ووحشية لدرجة كبيرة، وبشبكة من الجواسيس، فضلا عن قمع للحريات، وخاصة الدينية. وقالت الصحيفة: "إن حافظ الأسد الرئيس السوري السابق وصل إلى سدة الحكم عام 1970 عندما حظي بترقية من رائد إلى جنرال، ثم رقَّى نفسه إلى رئيس دولة عام 1970، حكم سوريا من خلال شبكة من الجواسيس والمخبرين تتسم بالقسوة والنفوذ، وكان علمانيًّا؛ لذلك فاز بدعم الأقليات الدينية". وأضافت الصحيفة في موضوع بعنوان "كيف هيمنت عائلة الأسد على سوريا": إن "عائلة الأسد التي تنتمي للطائفة العلوية حظيت بدعم النصارى، وارتكبت الكثير من المجازر ضدّ الشعب السوري السني، ففي عام 1982، قمع الأسد الأب الانتفاضة الإسلاميَّة بعد أن دكَّ مدينة حماة وقتل عشرات الآلاف من السكان". أما عن حكم بشار الذي ورث السلطة عام 2000 بعد وفاة والده، فتقول الصحيفة إن: "بشار الأسد حاول اتّباع استراتيجيَّات مختلفة بإطلاق سراح السجناء وإغلاق سجن المزة الذائع الصيت وتشجيع الحوار الثقافي، غير أنه سرعان ما اجتاحت البلاد موجة من القمع، بحجة أن الجهاديين هم من يغذُّون الاضطرابات، ووصل الأمر بنظام بشار لأن منع ارتداء المرأة للنقاب في الجامعات، كما قام بفصل 1000 معلِّمة منتقبة. المصدر: الاسلام اليوم