بعد أن أعاد الرئيس السادات افتتاح قناة السويس للملاحة مرة أخرى عام 1975 وإعلانه أن بورسعيد أصبحت مدينة حرة، القى خطاباً فى مجلس الشعب يبشر الشعب بالرخاء القادم واستشهد على صحة كلامه بقوله "أمس كنت ماراً بجوار كورنيش المعادى ورأيت أولادى سائقى التاكسى يجلسون مع اسرهم ويتناولون المثلجات والجيلاتى والساندوتشات" .. لكن الذى لم يقله السادات أن السائقين كانوا قد بدأوا يهملون "البنديره" ويتفقون مع الزبون على مبلغ محدد كل طبقاً لمشواره .. وتدريجياً زاد انتهاك القانون ولم يعد احد يفكر فى محاسبه سائقى التاكسيات، خصوصاً وأن الرئيس السادات كان يفخر بأنه عمل سائق لورى و"تاكسجى" بعد طرده من الجيش ليصرف على أسرته ... وكما فهم سائقو التاكسى خطاب السادات بإنه تصريح لهم ليفعلوا ما يريدون، قلدهم بعد 38 عاماً سائقو الميكروباص والتوك توك وغيرها من وسائل النقل العشوائية وذلك بعد خطاب الرئيس مرسى الذى حياهم فيه وخصهم بالشكر ...
فى شبرا الخيمة وبالتحديد فى منطقة بجام تجد شعبية الرئيس مرسى فى عنان السماء ... صوره فى كل مكان منذ أن ترشح لرئاسة الجمهورية ... السبب فى ذلك أن سائقى الميكروباص والتوك توك يضعون صوره فى منازلهم وعلى سياراتهم بل وحتى فى القهوة الصغيرة التى يشربون فيها الشاى والمعسل ...
"سيد" صبى فى الرابعة عشر من عمره يسوق "توك توك" بدون رخصة ويسبح بحمد الرئيس مرسى الذى حماهم من منغصات الشرطة ومضايقات عساكر المرور فلم يعد أحد يقدر ان يقول لهم "تلت التلاتة كام" على حد قوله...
هؤلاء الأطفال ينفقون على أسرهم فى الأزقه والأحياء الشعبية والعشوائيات، وقد تجاسروا الآن وصاروا يجوبون المناطق الراقية مثل الزمالك والمهندسين حيث ينقلون الحرفيين من أهالى بولاق الدكرور وبولاق أبو العلا ليعملوا باليومية فى العمارات والفيلات ...
"عبد المنعم" سايس أمام عمارات العبور بمدينة نصر وقد سيطر تماما على إيقاف السيارات فى كل ركن بالشارع وطبع دفتر ب 3 جنيهات تدفعها له حتى إذا اوقفت السيارة 5 دقائق ... لكن الزبائن الأذكياء يقولون له "جنيهاً واحداً" ... دا ختم مزور لأنك فى مدينة نصر والتذكرة مكتوب عليها "حى مصر الجديدة"!!
امبراطورية "عفاريت الاسفلت" مارست وضع اليد على القاهرة بعد خطاب الرئيس مرسى عند تقلده الرئاسة وحيا فيه سائقى التاكسى والميكروباص والتوك توك باعتبارهم نموذجاً للشباب المكافح ...
من ثم فمن الطبيعى أن يعشق عفاريت الاسفلت الرئيس مرسى خصوصاً بعد أن فقد البوليس – ورجل المرور بالذات - سيطرتهما على الشارع المصرى واختفت شرطة المرافق فملأت الاشغالات غير الشرعية الشوارع ....
الغريب أن مجلس محلى "بلطيم" وموظفيه كانوا رهائن لمدة 48 ساعة بعد أن فرض سائقو "التوك توك" حصارا حوله إلى أن يتم توفير السولار لهم، وعندما حاول محافظ كفر الشيخ التى يتبعها مجلس بلطيم التدخل، قالوا له عبر الميكروفون "اخبط دماغك فى الحائط".
سائقوا الميكروباص يحتلون منازل ومطالع الكبارى الحيوية (مثل كوبرى أكتوبر والمنيب( فى تحد صارخ للقانون، ولم لا فقد وصفهم الرئيس مرسى بالشباب المكافح...
والحقيقة أن عفاريت الاسفلت فهموا تشجيع الرئيس مرسى على أنه دعوة للخروج عن القانون، تماماً كما فهم المصريون الديموقراطية بأنها مظاهرات واعتصامات وتعطيل للإنتاج وسباب لمن يختلف معك فى الرأى وخرق مقرات الأحزاب وغير ذلك.
على أية حال كان "على فتح الباب" هو مسك التام فهو صاحب تريسكل (موتوسيكل بثلاث عجلات) يبيع عليه أدوات مطبخ صينية ... التريسكل بدون رخصة والنشاط التجارى الذى يمارسه غير قانونى، وهو يسكن فى أوسيم بمنطقة امبابة ويتجول فى مدينة نصر ومصر الجديدة ... يضحك ويقول "ربنا يخلى الرئيس بامشى فى اي حتة، ومحدش يقدر يقول لى بم ... د. مرسى أعطانا حريتنا وأعاد لنا كرامتنا" ..... وعندما سألته إذا كان يعرف أنه يمارس عملاً غير قانونى ويتعدى على أصحاب المحلات التجارية المطلوب منهم ضرائب وكهرباء ومياه وأجور عمال، رد بسرعة "ما كفاية عليهم اللى نهبوه أيام مبارك، يسيبوا لنا شوية ... لقد عاشوا أياماً وردية ... والآن جاء دورنا"...
وهكذا فهمت امبراطورية الاسفلت والباعة الجائلون أن تحية مرسى لهم كانت كارتاً أخضر ليكسروا القوانين ويقطعوا الطريق ويمشوا ملوكاً فى الأرض ... وهى الجملة التى علقها صاحب التريسكل مكان الأرقام وقال فيها "واثق الخطوة يمشى ملكاً"...
آه والله ملك ونص ... لا رخصة ولا أرقام وممارسة عمل غير مشروع والانتقال من محافظة لأخرى انتهاكاً للقانون ... وكله بفضل الرئيس ....
ويبقى الأهم، وهو أن ثورة يناير قامت أساساً على أكتاف شباب الطبقة المتوسطة الذين حلموا بتحقيق معيشة افضل فى دولة قانون تحترم تكافؤ الفرص، فإذا بهم يفاجئون أنهم ينحدرون للقاع بسرعة الصاروخ، ويتحول البلطجية والطبقات الدنيا إلى الهيمنة على القانون وفرض كلمتها عليه وعلى الدولة أو على ما تبقى منها !!