عادة غريبة فينا صنع العفريت أو استدعاؤه دون أن نخطط لقدومه ونتركه يرتع علي كيفه ثم نكتشف انه اصبح مصيبة نحاول السيطرة عليها ونجده يركبنا ويفرض نفسه علينا. عفاريت كثيرة استدعيناها أشهرها علي المستوي السياسي نسبة العمال والفلاحين في المؤسسات التشريعية وهي تجربة غير موجودة في العالم ولو كانت لها فائدة كان لابد أن نجد دولة واحدة تأخذ بها، واليوم لانعرف كيف يمكن تعديل الوضع.. نفس الشيء مع التيار الإسلامي الذي استدعاه الرئيس الراحل أنور السادات ليخلص به علي الشيوعيين وانتهت الشيوعية من العالم وبقي عفريت المحظورة! ومن السياسة خلينا في الطرق وعفريت الميكروباص الذي استدعيناه من أجل تخفيف أزمة المواصلات وعدم وجود أتوبيسات كفاية، وجاء الميكروباص وتكاثرت أعداده علي طريقة الأرانب وصحيح انه ساهم في تخفيف حدة المواصلات بالنسبة لطبقات يجب أن نقدرها ونقدم لها كل التسهيل، إلا أن الميكروباص اصبح بدوره إمبراطورية نجحت في امتصاص اعداد كبيرة من بشر وصفهم تحقيق صحفي كتبه في الأهرام ( أكتوبر) بقوله: عالم الميكروباص سرطان تفشي في احشاء القاهرة الكبري وأفرز سلوكيات واخلاقيات في الشارع المصري لم تكن موجودة من خلال حفنة من السائقين بعضهم مجموعة من البلطجية والعاطلين والصبية من ابناء العشوائيات ومن الأقاليم الذين لايحترفون اي مهنة للكسب منها فيكون الحل البسيط والسريع استخراج رخصة قيادة مهنية والعمل علي ميكروباص في القاهرة. واذا عرفنا ان هناك ما يقرب من 7500 ميكروباص في القاهرة وحدها فهذا يعني ان هناك مايزيد علي 15 ألف سائق ميكروباص معظمهم من هذه النوعية غير المؤهلة مهنيا ولاسلوكيا ولا اخلاقيا للتعامل مع 3 ملايين مواطن يوميا هم ركاب السرفيس معظمهم من ابناء الطبقة الوسطي موظفين واصحاب مهن راقية وطلابا وطالبات جامعيين كتب عليهم القدر التعامل مع سائقين من هذه الفئة والتعرض يوميا لبذاءاتهم وسماع ألفاظهم الخادشة للحياء ومشاهدة مشاجراتهم اليومية التي تستخدم فيها ادوات البلطجة من سنج ومطاوي. هذا ماجاء في تحقيق الأهرام، ولست- كما قلت- من الذين ينكرون دور الميكروباص في مساعدة فئات كثيرة ولكن المشكلة في طريقة الاستغلال السيئة التي يمارسها أصحاب هذه الوسيلة لتحقيق أكبر المكاسب منها فيسلمونها لأسوأ أنواع السائقين بأقل اجر غير مبالين بتأثير ذلك علي الوسيلة نفسها وان مخالفاتها وسلوكياتها مع المواطنين يمكن ان تثير المشاعر بغضب مكتوم يأتي يوم وينفجر. في الوقت نفسه لانستطيع إخلاء مسئوليات إدارات المرور في تهاونها الواضح في التراخيص التي تعطيها بدون تدقيق وقد قلت وأكرر إن رخصة القيادة في حقيقتها رخصة بحمل سلاح يمكن أن يقتل الأرواح بأسرع وأسهل من أي سلاح وبالتالي يجب إحاطة هذه الرخص بضمانات كبيرة، ويكفي ان رخصة القيادة المصرية غير معترف بها في معظم الدول لأنها أشبه بشهادات الجامعات المضروبة المعروف أن الحصول عليها بثمن مدفوع لا بالعلم! والمشكلة اننا في الوقت الذي لم نستطع تنظيم عفريت الميكروباص فإننا جئنا بعفريت التوك توك الذي انتشر بسرعة.. وقد حذرت من نتائج دخول هذا التوك توك علي المرور وعلي السلوكيات وهو ما بدأت الشكوي منه في الوقت الذي ارتفع فيه صوت أصحاب التكاتك مطالبين بفرض قانونهم الذي يسمح بوجودهم ومخالفة كل قواعد المرور. واذا كان عمر التوك توك في مصر اكثر قليلا من سنة فلنا تصور مايمكن أن يفعله بنا التوك توك خلال خمس سنوات إذا لم نحسن السيطرة عليه وتنظيمه قبل ان يصبح عفريتا مجنونا يخضعنا لقانونه.. هذا اذا كان له أصلا قانون! * نقلا عن جريدة "الأهرام"