احتفل أمس الأربعاء المجلس الأعلى للثقافة بالذكرى 150 على ميلاد شاعر الهند رابندرانات طاغور، بمشاركة كوكبة من الشعراء والمفكرين المصريين والهنود، بالإضافة إلى حضور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد وسفير الهند بمصر آر سواميناثان، والروائي جمال الغيطاني، وسوتشيترا دوراي مدير مركز مولانا آزاد الثقافي الهندي. وقد جرى بالإحتفال مقارنة بين شعر طاغور وأمير الشعراء شوقي، وفي هذا الصدد أشار المفكر الاقتصادي الدكتور جلال أمين إلى سمات العصر الذي احتضن طاغور وشوقي، فكلاهما عاصر الحرب العالمية الأولى بوعي كامل، وهي من أخطر فترات الحضارة الأوروبية من حيث العلم والتكنولوجيا وكذلك الأدب والفكر بصفة عامة. لذلك لم يكن غريباً على هذا العصر أن تشهد الهند ظهور أكبر عبقرية شعرية ويشهد العرب أكبر تجديد في الشعر على يد أحمد شوقي.
يواصل أمين : ساد شعور عام لدى الشاعرين بإمكانية تحقيق السلام للعالم، وأن تنتهي عصور الاستعمار، وأن يتم استخدام التقدم العلمي والتكنولوجي في تحقيق الرفاهية للجميع، هذه هي الرومانسية التي كانت تحكم أشعار طاغور وشوقي، رغم مسحة الحزن التي في شعرهما نتيجة لما آل إليه حال الهند والعرب والمسلمين، فقد كان كل منهما يشعر بأن امته قادرة على النهضة.
ويستطرد المفكر المصري: هذا الجيل الحالم الذي مثّله شوقي في مصر وطاغور في الهند كان سيصاب بخيبة أمل إذا نظر إلى ما أصبح عليه العالم الآن، فما شئ من أحلامه تحقق، فلم تنته الحروب، ورغم التقدم ثلث العالم يعاني من الجوع، كما أن الاستعمار لم ينته، لابد أن طاغور كان سيستولى عليه الجزع من شيوع النهم الاستهلاكي، وتوجيه الموارد للسلاح، كما أن شوقي كان سيجزع من تدهور اللغة العربية وتفرق العالم العربي والإسلامي الذي كان يتمنى توحده.
من جانبه أشار الشاعر أنيس الرحمن أستاذ الأدب المقارن بالهند إلى بحث طاغور الدائم عن الحب والحرية، عارجاً على إنجازات طاغور التي تكمن في القصص القصيرة والمقالات والشعر، وقدرته على الاستمداد من التراث الروحي للهند والإعتماد على اللغة وموسيقى التراث البنغالي الذي ظهر في الموسيقى الشعرية التي قام بتأليفها.
كما أن طاغور كما يقول أنيس الرحمن ، جدد في الشكل والمضمون، واستطاع أن يضع تاريخ العصور القديمة والوسطى جنباً إلى جنب، وكان رساماً ومؤلفاً موسيقياً يدعو للمحبة .
مقدم الندوة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أكد أن العلاقة بين مصر وطاغور قديمة ، فلا يمكن الحديث عن التصوف العربي الإسلامي إلا إذا تطرقنا لعقائد الهند القديمة، وكذلك حين نقرأ دواوين طاغور نراه يحتفل بالغناء والموسيقى وهو نفسه ملحن ومغن و في كتابه "ذكرياتي" ما رواه عن نفسه أنه كان يغني في لندن وافتتنت به النساء، أما دواوينه فتذكر بشعراء مصر من أمثال محمود علي طه وغيرهم ممن يحتفون بالحياة.
أما الشاعر فاروق شوشة فأوضح أنه نشأ يعرف طاغور نتيجة الترجمات العربية لأعماله كال"البستاني"، "البيت والعالم"، "جني الثمار"، "دورة الربيع" وغيرها، ثم عرف أن طاغور ليس فقط أول آسيوي ينال جائزة نوبل، بل هو أول من نالها من غير الأوروبيين، وهو أديب له في أدب الرحلات والروحانيات. وتذكر شوشة ما قاله غاندي عن طاغور بعد وفاته "إن طاغور هو الحارس العظيم لضمير العالم بأسره"، وفي قصيدته الحب يقول طاغور: أحبك يا حبيبي ، اغفر لي حبي ، يا حبيبي / لقد تلقفتني عصفورا ضالا/ ولما اهتز قلبي/ انحسر قناعه وبدا عاريا.
يؤكد شوشة أن طاغور كان يرفض أن يكون ناسكاً لأنه في رأيه عزلة واحتجاب بينما هو شاعر الفعل كان يحرث الأرض بيديه، ويعمل مع العمال في نحت الصخور، يميزه حبه للحياة وبرز ذلك جلياً في دواوينه.
وحول السمات التي تجمع بين شوقي وطاغور، يقول شوشة: ما يجمع بينهما هو أن كلاهما خلاصة عبقرية أمته في الشعر، كما أن كلاهما آمن أن سقف الشاعر هو الكون، ولم ينظرا إلى الجزئي في الحياة.
وفي مداخلته أوضح المؤرخ الهندي حسين الرحمن الذي ترجم قصائد شعرية لطاغور، أن الشاعر الكبير المحتفى به كان حين يكتب لا يستطيع التوقف، منتقداً ترجمة شعر طاغور التي تفقده روحه.
أما الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة فأشار إلى أن طاغور فقد زوجته وأبنائه ووالده في خمس سنوات فقط، لذلك تفجر شعر طاغور بالحياة وكأنه يتحدى الموت بأشعاره.
وتحدث الشاعر الدكتور حسن طلب عن رواية شوقي "عذراء الهند" الذي نبذ من خلالها فكرة التعصب الديني، حيث تقدم الرواية فكرة فصل الدين عن السياسة ومنع الكهنة من الاستئثار بالحكم، مؤكداً أن الدين حين يحاول أن يستبد يصبح نقيضاً للحضارة، فالأديان مكانها القلوب. وهو ما فعله طاغور فلم يكن متعصباً، بل قادراً على أن ينفتح على الحضارات الأخرى، وكلا الشاعرين يجمع بينهما معانتهما من المستعمر الإنجليزي.
واختتم الشاعر حلمي سالم اللقاء بقراءة قصيدة "دمشق" لأحمد شوقي، في تحية منه للانتفاضة الشعبية في سوريا، يقول مطلع القصيدة: سلام من صبا بردى أرّق ... و دمع لا يُكَفكَف يا دمشقُ ثم سلم الدكتور شاكر عبد الحميد درع المجلس الأعلى للثقافة لسفير الهند في مصر.