عندما قامت ثورة 25 يناير تنفسنا الصعداء وحلمنا بالرفاهية والحرية والديمقراطية والانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة على كافة الصعد وفجأة يستيقظ الشعب المصري من الحلم الجميل على كابوس جديد وتدشين مرحلة جديدة من الاستبداد وتكميم الأفواه والفقر والغلاء، فهل المكتوب على المصريين هو العيش في ظل الفاشية والديكتاتورية من حاكم إلى حاكم ومن عصر إلى عصر، فهل يوجد عاقل يستوعب ما يقوم به الإخوان في مصر حالياً، فهذه الجماعة شغلها الشاغل حالياً هو السيطرة على مقاليد الحكم في المجتمع، والسير على نهج النظام القديم، من خلال الهيمنة على المؤسسات التشريعية والتنفيذية وإهدار حقوق الإنسان وقمع المعارضة، والإهمال البالغ لمشكلات الشعب بمختلف فئاته، مما نتج عنه عدم قدرتهم على تحقيق الأمن، واستشراء العنف في كل مكان، وتراجع الاقتصاد معهم إلى درجة لم يشهدها من قبل، وبشكل يهدد بانهياره واندلاع ثورة جياع، وذلك بسبب غطرستهم وانعدام خبرتهم، ورفضهم القاطع لإشراك الآخرين معهم في الحكم. إن الأزمة الحقيقية التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين، ليست في أنها تنقض وعودها، مرة، ومرتين، بل ومرات.. بل في أنها تمتلك منهجاً واضحاً ضيق الأفق، يهدف إلى اختصار الدولة في الجماعة!.. وهذا المنهج الفكري، هو الذي يسيطر على عقول أفراد الجماعة وتربوا عليه عبر تاريخها من ثمانين عاماً.
ومن ضمن التناقضات التي تعيشها هذه الجماعة، وأدت إلى فقدان ثقة الناس فيها وتراجع شعبيتها وانحسار عدد أنصارها، أنها تطرح مشروعها السياسي، ممزوجاً، ومتداخلاً، ومغلفاً، بمشروع أخلاقي باسم الدين والإسلام .. فأفراد الجماعة يزعمون ويقولون دائماً إنهم يسيرون على نهج أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنهم يعملون بسنته، ويهدفون إلى إنشاء دولته..
ولكنهم يصطدمون الآن بردود أفعال عنيفة، من الناس الذين منحوهم أصواتهم في الانتخابات، فهم يتحولون إلى الهجوم على الجماعة وقياداتها، لأنهم ساندوهم بدافع أخلاقي وديني، وليس لتقدير سياسي، أو لوزن فعلي، ولا يقبل هؤلاء الأنصار من الجماعة استخدام الطرق "المكيافيلية" و"النفعية" التي يتم تطبيقها من قبل الجماعة، على حساب الوطن وتماسكه، وتجاوزه للمحن والعراقيل التي تقف في طريق نهضته الحقيقية..
فمنذ اللحظة الأولى التي تولت فيها الجماعة الحكم في مصر، وهي في صدام متواصل مع السلطة القضائية، تمثل في إهدار أحكام القضاء والاعتداء على رموزه.. كما أن الجماعة أيضاً لم تحافظ على علاقة طبيعية مع الإعلاميين والمفكرين والمثقفين، فالإخوان باختصار، لم يخرجوا إعلامياً حتى الآن عن عقلية الجماعة المضطهدة الملاحقة، ولم يلحقوا حتى الآن بإعلام الدولة المسؤولة والجماعة التي تتصدر أعلى المناصب.
ومن ثم فإن إعلام الإخوان وعلاقة الإخوان بوسائل الإعلام والصحفيين والكتاب والمفكرين، التي وصلت إلى حد الصدام والعداء، هي من أكبر أخطائهم، وهي بحاجة إلى عقول مفتوحة وقلوب رحبة، تقبل الرأي الآخر وتستوعب الانتقاد، دون أن تضعه في دائرة العداء والرجعية..
ولكن علينا ألا نغفل أن الأزمة الكبرى التي تواجه الإخوان المسلمين، هي عدم رغبتهم في الانصهار داخل الدولة المصرية.. وهناك فارق بين الدولة والنظام، فالتيارات السياسية المصرية الأخرى، بما فيها صانعو الثورة، يصرون على تغيير النظام، وإسقاطه، مع الحفاظ على هوية الدولة المصرية، و لكن الإخوان يزيدون عليهم طلباً آخر، فلا يكفيهم إسقاط النظام، ولكنهم يريدون إسقاط الدولة نفسها، ويرغبون في تغيير هويتها وأسسها، ليبدأوا في تشكيل دولة جديدة بهوية مختلفة وكأنهم يريدون أن يفتحوا مصر من جديد ويدخلوها عصر الإسلام وكأننا كفار، فهم لا يعلموا أن الشعب المصري متدين بطبعه والإسلام في قلبه وعقله ولا يحتاج منهم ان يتاجروا به لتحقيق أهدافهم البغيضة، ولكن هيهات هيهات أيها الإخوان.
وهذه المنهجية تجعل الجماعة في حالة صدام مستمر، مع أركان الدولة السياسية والاقتصادية، بل والدينية الرسمية!..
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه