لم يتعمد الفنان الذى نحت تماثيل "اخناتون" لأن يبرزالصفات الملكية، وإنما عبر عن الواقع برؤية ذاتية أكثرعاطفية وأكثرإنسانية، تدل على تشبع الإحساس بالطابع الشعبى. إذ كانت الفكرة الأساسية أن ما يحيط بالفنان هو امتداد لذاته، ولذلك استطاع أن يعكس عالمه الداخلى وتأملاته الورعة . حددت "الآتونية" خصائص "الفن الإخناتونى" الجديد .أما جذور"الآتونية" فترجع إلى المجتمعات البدائية "الطوطمية" التى كانت "الأم" تهيمن عليها، ولم تكن تتمتع "الأبوية" فيها بمركزيتها أو بتفوقها المعتاد. ونظراً لتميز "المرأة" بالخصائص الإنسانية والعاطفية ولتوافقها الغريزى مع إيقاع الطبيعة، استطاعت أن ترعى حياة المجتمع، حيث وسعت دائرة ذاتها مع نمو عاطفة "الحب". إن تغلب الرؤية الحسية والعاطفية على أسلوب نحت التماثيل "الإخناتونية" يفسر ما تتميز به من أساليب "التحريف" التى قصد بها التعبير وببلاغة عن المشاعر والأفكار. وتبعاً لهذا الطراز انتصر العنصر الذاتى والعاطفى - الانفعالى فى الفن الذى يؤكد على الحقيقة النفسية والروحية، فى مقابل "المثالية" التى كانت تميز الفن الفرعونى فى فترات سابقة منذ الدولة القديمة. لقد أفسح الفنان مجالاً لحدسه، وعمق صلته بعالمه الروحى. أما التشويه فى تماثيل "إخناتون" فيتجلى فى شكل البطن المنتفخة والمتدلية بإنبعاج، مع الوجوه المعروقة، وفى العيون اللوزية الحالمة، والشفاه السميكة والسيقان الهزيلة والأوراك والأرداف الممتلئة، إذ أنها كلها تشير إلى مستودع الخلق وإلى مصدر الحياة. الذى كانت تمثله الإلهة" نيت " حينما اتخذت منذ عصر الدولة القديمة بصفتها أم "رع" والأم البدائية، وكانت مصر فى عصرالأهرامات دولة إله الشمس. هكذا تفتقر تماثيل "إخناتون" للإشارات الذكورية التى تحدد هوية "الفرعون" . ان النمط "الرمزى" الجديد يعكس مسائل مفاهيمية، تجسدها مبالغات شكلية غريبة عن الفن فى المراحل السابقة. والطبيعة "ثنائية الجنس" تتعلق بتصور الإله "آتون" كينبوع لقوة "الوجود" التى تمثل مفهوما ً شمولياً، يجمع بين العنصرين المتناقضين - المتكاملين (الإلهى/البشرى). وفى التمثال "الإخناتونى"يقابل الطبيعى المثالى ويجتمع الإلهى مع الإنسانى ،مثلما يواجه العقلانى/ الحدسى فى ثنائيات متعارضة- متكاملة، بالإضافة إلى السمو بالتمثيل الفنى فوق التمييز بين الجنسين (الذكروالأنثى). وقد جسدت المشاهد الملكية - العائلية فى فن "العمارنة" فكرة "أسرة الفرعون" التى تمثل الوسيط بين الآلهة والبشر. ومع تخلى"إخناتون" عن ألقاب مثل "ملك الملوك" و"حاكم الحكام"كان فى نفس الوقت يتحدى النظام الأبوى فى تصور"الإله" مما أثر على الأسلوب الفنى فى عصره الذى غلبت عليه الصفات الأنثوية. ومع تفعيل دورالخيال والاستبصار كثمرة لاتحاد الشعور مع اللاشعور،أصبح لزاماً إجراء تحريفات فى الشكل حتى يعطى صورة لفكرة الثنائية المتضادة (الذكر/الأنثى) (الخير /الشر) (الإله /الشيطان) . وبينما تمثل "الديانة الأبوية" فى الصورالفنية بملامح ذكورية تعبيراً عن الإرادة والقوة، فإن الإله الجديد "آتون" ذو طبيعة "واحدية" تجمع بين علامات لها دلالتها الأنثوية ودلالات أخرى ذكورية، أى تنطوى على العنصرين (الذكر والأنثى) اللذين يتعايشان كثنائية متكاملة فى البدن الواحد (الجسد والروح). وبالدعوة ل"الآتونية " تحول "إخناتون "إلى إله أرضى وأصبح الولاء له شرطاً للخلود فى عالم" آتون". وجوهر "الآتونية " هيمنة "الأم" التى تستمر إلى ما بعد الطفولة. وتغلب على الرؤية " الأنثوية " للكون استعادة زمن الفطنة اعتماداً على حرية الخيال وسعة القدرة على الحدس، التى تتعارض مع الهيمنة "الذكورية" المهمومة بالسيطرة على الوجود المادى. وهذا يفسر لماذا نحت "إخناتون" فى النقوش البارزة أوالتماثيل وهو يظهر مودة نحو بناته وزوجته "نفرتيتى" بطريقة مختلفة عن صورة "الفرعون" التقليدية التى رسمت لأسلافه من الملوك مثل أبيه " أمنحتب الثالث" على عكس صورة الزوجة التى تظهر غالباً كإمرأة مهيمنة . أما دكتاتورية "إخناتون" فتشهد عليها محاولاته لفرض رؤيته وعقيدته الخاصة على الحياة والفن، حتى كاد ان يقضى على الصيغة المتوارثة فى "اللاوعى الشعبى" والمتمثلة فى "التعددية " والمساواة وخرقه لحدود الفئات المتعارضة. واليوم مرة أخرى يواجه الكثيرون فى المجتمع فرض رؤية خاصة، تهمش فكرة الاختلاف، وتتعارض مع مبدأ "التعددية" و"قبول الآخر" والتواصل بفضل تبادل الأفكار وتعايش المعتقدات، والذى تحتمه طبيعة الحياة. وكان الأولى تدعيم "التسامح" ونبذ الفكرة الأحادية.