طرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال جولته الشرق أوسطية الجديدة معطيات فريدة ورغبة صادقة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنه لم يطرح آلية ظلت مفقودة منذ بداية الصراع في الشرق الأوسط. ووفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، فجلوس الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات حدث مرات ومرات من قبل ولكنه اصطدم بعقبات لم يتمكن الطرفان من التغلب عليها، مما دفعهما إلى الخطوات الأحادية الجانب، وهنا تبرز أهمية تحديد الآلية اللازمة لإلزام الطرفين وليس إجبارهما على التوصل إلى حلول وسط.
وما قام به أوباما في هذه الجولة هو الحديث مباشرة إلى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي واختار الشباب لأنه يؤمن بأنهم قادة المستقبل ومن سيتحملون تبعات ما يقوم به القادة اليوم ،وهو في ذلك يسهل على القادة مهمتهم ليجدوا شعبا يدرك حقيقة الحاجة للسلام وضرورة التضحية، وأكد مرارا على أنه لا يمكن لطرف واحد أن يحصل على كل ما يريد.
وقد أصرت الولاياتالمتحدة على السير في طريق المفاوضات وظلت منذ بداية الصراع تؤكد على أن الحل يأتي من خلال التفاوض، وتم التفاوض مرارا وتوقف مرارا.
وهنا تبز أهمية طرح الآلية التي يتم بموجبها طرح القضايا التي لا يتوصل الطرفان إلى حل بشأنها إلى طرف ثالث مهني محايد بضمان الولاياتالمتحدة أو الدول الكبرى في العالم إذا أرادت أمريكا ذلك.
الطرف الثالث ومهمة هذا الطرف الثالث هي النظر من الناحية القانونية البحتة في القضايا التي تكون موضع خلاف، ولا شأن له بالتنفيذ، فمهمة التنفيذ تقع على عاتق الولاياتالمتحدة أو من تختار أن يشاركها في ذلك، مع مراعاة وضع إطار زمني لكل خطوة، حتى لا يطول الصراع أكثر من ذلك دون جدوى.
لقد وضع أوباما إطارا عاما أكد فيه على حق الشعب الإسرائيلي في أن يعيش في أمن وسلام، وحق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة، وفقا لما يطلق عليه حل الدولتين الذي يتعين أن يتم وفقا لخريطة الطريق التي تم وضعها من قبل.
وقد أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس استعداد الفلسطينيين للتفاوض والجلوس إلى طاولة المفاوضات.. وكذلك فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وبذلك فإن الرغبة موجودة والمهم هو التنفيذ الذي يحتاج إلى ضوابط تشتد الحاجة إليها يوما بعد يوم.
ولم ينس الرئيس أوباما أن يؤكد على أنه لا يمكن أن يشارك في بناء السلام من لا يقر بحق إسرائيل في العيش في أمن وسلام، وهي رسالة إلى حماس، فهل يحاول قادة حماس انتهاز الفرصة في ظل هذه الرغبة الجامحة في تحقيق السلام ويضعون أيديهم في يد فتح والسلطة الفلسطينية والاتفاق على إطار يحقق صالح الشعب الفلسطيني على المدى الطويل، مع الأخذ في الاعتبار أن الأوضاع قد تغيرت في المنطقة بأسرها، فسوريا لم تعد سوريا التي كانت تعرفها حماس، وكذلك حزب الله.. وكذلك إيران التي تشتد عليها الضغوط يوما بعد يوم.
والخروج من عنق الزجاجة فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط يحتاج إلى توافق فلسطيني قوي، وعزم شديد من قادة إسرائيل على الجنوح للسلام وانتهاز الفرصة التي وفرها الرئيس أوباما بالحديث مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي وتوضيحه أن بقاء إسرائيل ديمقراطية مرتبط بوجود دولة فلسطينية ذات سيادة.
وكذلك إلى شجاعة أمريكا فيما يتعلق بوضع آلية التنفيذ الغائبة دون أن تشعر بحرج من إسرائيل فيما يتعلق بهذه الآلية التي ستخدم إسرائيل نفسها على المدى الطويل وكذلك المنطقة بأكملها بل والعالم أجمع، دون مزايدة من الديمقراطيين أو الجمهوريين في الداخل الأمريكي بشأن الحرص على أمن ومصالح إسرائيل، لأن مصلحتها الآن هي إقامة السلام وهو ما لا يختلف عليه أي طرف.
والأمل معقود على أن يكون سبب بقاء وزير الخارجية الأمريكي المخضرم جون كيري في المنطقة بعد انتهاء جولة أوباما هو وضع أسس لهذا الآلية مع الإسرائيليين والفلسطينيين.
أرضية متميزة لقد وفر الرئيس أوباما خلال هذه الجولة أرضية متميزة في كل من إسرائيل والضفة الغربية، ويزور الأردن الآن ربما في نفس هذا المسار،حيث أن الأردن قد لعب دورا متميزا في هذا الإطار منذ قيام ثورة 25 يناير في مصر ضد الرئيس السابق حسنى مبارك ونظامه، ورغم انشغال مصر بالشأن الداخلي فإنها عملت على التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحماس بجهد كبير ومتميز من الرئيس محمد مرسي، وهو ما كان موضع ثناء وإشادة كبيرين من جانب الرئيس أوباما والإسرائيليين والفلسطينيين بل والعالم.
وفي قراءة لما وضعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من قواعد عامة لإحلال السلام في الشرق الأوسط خلال جولته الحالية في المنطقة، نجد أنه أكد إمكانية إنجاح المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحقيق رؤية الدولتين، وأعرب عن تفهمه للشعور السائد بالإحباط لدى الشعبين.
وشدد على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ضرورة تحمل مسئوليتهما في بناء الثقة وتحقيق السلام بينهما.
كما أكد الرئيس أوباما أن الفلسطينيين لهم الحق في بناء دولتهم والعيش بحرية في بلدهم، ودعا الشباب الإسرائيلي إلى التفكير بما يشعر به نظائرهم الفلسطينيون.
وأعرب عن إيمانه برغبة الإسرائيليين في السلام.. وأوضح أن قيام دولة فلسطينية يصب في مصلحة إسرائيل، وأن السلام سيسد الطريق أمام المتطرفين والإرهابيين.. وجدد التزام الولاياتالمتحدة إزاء إسرائيل كدولة حليفة يمكن الاعتماد عليها للفوز بمعركة السلام.
وقال إن السلام ممكن ويحقق حلم اليهود للاستمرار وانتعاش إسرائيل كدولة يهودية.. كما أشار إلى ما تمثله إسرائيل لليهود كدولة حققت الكثير من الازدهار.. وأكد أن العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولاياتالمتحدة بلغت مراحل غير مسبوقة من حيث التعاون الشامل، وخاصة في المجالات الأمنية والعسكرية.
تطبيع العلاقات ودعا أوباما الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وحث الفلسطينيين على الاعتراف بأن إسرائيل ستكون دائما دولة يهودية.. كما شدد على أن الولاياتالمتحدة ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وضمان حق السفر للفلسطينيين بحرية.
وأوضح أوباما أن الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام هي المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، للتوصل إلى اتفاق حول الملفات الشائكة مثل الاستيطان والأسرى والحق في الوصول إلى الأماكن الدينية في القدس.. وأوضح أنه لا يزال يرى إمكانية للتوصل إلى اتفاق لحل الدولتين، منتقدا عمليات الاستيطان الإسرائيلي التي قال إنها لا تدفع السلام قدما، وأشار إلى أن الفلسطينيين "يستحقون إقامة دولة لهم"، تتمتع بالاستقلال والسيادة.
كما تطرق أوباما إلى حركة حماس في قطاع غزة، وقال إنها ترفض نبذ العنف وتسعى فقط لتحقيق إيديولوجيتها وتركز على هدم إسرائيل أكثر من بناء فلسطين وهي بذلك تنتهك حق الشعبين في العيش بأمان.
هذه هي روية أوباما التي طمأن فيها الفلسطينيين والإسرائيليين، بأنه معهما.. ويبقى أن تثبت الأيام القادمة أن النية تتجه إلى وضع الآلية المفقودة لتحقيق السلام.. وأن الدبلوماسي المحنك جون كيري قادر على تجسيد رؤية أوباما بوضح النقاط على الحروف.