رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    جيش الاحتلال يعلن مقتل رقيب وإصابة اثنين آخرين في عملية عربات جدعون    منتخب فلسطين يوجه ضربة قاصمة إلى الأهلي بشأن مشاركة وسام أبو علي بمونديال الأندية    وسام البحيري يعلن مفاجأة ببرنامجه "من تراثنا الإذاعي" بإذاعة القرآن الكريم    سلطات الاحتلال تطلق سراح 10 معتقلين من قطاع غزة    محافظ القليوبية يبحث مع مساعد وزيرة البيئة تطوير منظومة إدارة المخلفات    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول أمام برايتون    ترتيب هدافي سباق الحذاء الذهبي الأوروبي 2025 بعد خسارة ليفربول.. مركز محمد صلاح    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    نفوق 5 آلاف كتكوت في حريق داخل مزرعة دواجن بالفيوم (تفاصيل)    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    أحمد كمال صاحب دور المجنون ب إعلان اتصالات: مكناش نقصد نزعل الزملكاوية والأهلي عشق (فيديو)    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل الأمانة المركزية للطاقة والتعدين    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    4 أبراج «زي الصخر».. أقوياء لا ينكسرون ويتصرفون بحكمة في المواقف العصيبة    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة فرعون جنوب طولكرم ويعتقل شابًا فلسطينيًا    الرئاسة الفلسطينية ترحب بالبيان الصادر عن قادة بريطانيا وفرنسا وكندا    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أم وأطفالها الستة في قصف للاحتلال على قطاع غزة    ترامب يوقع مشروع قانون يجعل نشر الصور الإباحية الانتقامية جريمة اتحادية    سلطات فرنسا تعلن مصرع مهاجر وإنقاذ أكثر من 60 آخرين فى بحر المانش    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    عيار 21 الآن يواصل الارتفاع.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 20 مايو بالصاغة (تفاصيل)    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    هشام زكريا: الأهلي الأفضل في أفريقيا.. وتدريب الزمالك شرف كبير    «أكبر من 300 مليون بكتير».. سيف زاهر يكشف وصول عرض تاريخي لنجم الأهلي    رئيس نادي المنصورة: ما يحدث في الكرة المصرية «كارثة».. ونطالب بإعادة الأمور إلى نصابها    أحمد دياب: خصم 6 نقاط من رصيد الأهلي وتخفيف العقوبة ل 3 فقط قراران صحيحان مليون%    توريد 178 ألف طن من القمح المحلي في كفر الشيخ    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    رسميًا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025    «شغلوا الكشافات».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء (تفاصيل)    قوات حرس الحدود تكثف أنشطتها على كافة الإتجاهات الاستراتيجية للدولة    بلاغ بسرقة "كنز" نوال الدجوي.. من سيحسم قضية الساعة؟    عمرو أديب تعليقًا على واقعة سرقة نوال الدجوي: لا حديث في مصر إلا عن الأموال الكثيرة    بعد نجل محمد رمضان.. مشاجرات أبناء الذوات عرض مستمر في نيو جيزة| فيديو    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    "يا بختك يا أبو زهرة".. الصحفي محمد العزبي يكشف تفاصيل وقف معاشه بعد بلوغه ال90 عاما    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    قدميها لأبنائك قبل وخلال الامتحانات، أطعمة تعزز الطاقة والنشاط للطلاب    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزيرة التنمية المحلية: تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية بدواوين المحافظات أولوية قصوى    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورحل رائد الإعلام الإسلامي
نشر في محيط يوم 25 - 09 - 2011

في كل يوم تتواتر علينا الحقائق، وتؤكد لنا حتمية الموت.. ولابد لا محالة من مقارقة الأصدقاء.. هذه الحقائق نؤمن بها إيمانا كبيرا، بيد أننا في غمار الدنيا ننساها.. ولكننا نتذكرها عند افتقاد عزيز علينا.. رحل عن عالمنا، يوم الخميس 10 شوال 1432ه الموافق 8 سبتمبر 2011م، إلى جوار الخالق الرحيم، بعد صراع مع المرض، المفكر الإعلامي الإسلامي الدكتور محي الدين عبد الحليم حسين، أستاذ الإعلام، ورئيس قسم الصحافة والإعلام بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر سابقا (رحمه الله).
وكان رحمه الله يتسم ببشاشة الوجه، وخفة الظل، والذكاء الحاد، والفكر المتوقد، واحترام الصغير قبل الكبير، وحُب الشباب وتبني النابغين منهم، والاعتماد على النفس، وطول النَّفَس في العلم والعمل، وكان صبورًا جدًّا تحمل كثيرًا من الأحقاد من أصحاب النفوس الضعيفة؛ لنبوغه وتميزه!!. وكان متسامحًا إلى أبعد الحدود، شهد بذلك جيرانه والمحيطون به.. وكان يمتلك مهارات خاصة في الصلح بين المتخاصمين، وكان له قلم يفوق في قصفه الإعلامي -على أعداء الدين- قصف مدفعيات الآلة العسكرية. وكان عشقه للأزهر ولرجاله لا يوصف، فكان من أشد المنافحين والمدافعين عن الأزهر في مواجهة موجات العلمانية المتطرفة التي كانت تنطلق بين الحين والآخر.
والدكتور محي الدين عبد الحليم طرق بابا لم يطرقه من قبله أحد، وهو الإعلام الإسلامي، فكان أول الأوائل في هذا العلم الجديد، حيث أصَّل له وأسس، حتى صار المرجعية الأساسية فيه.. كما فتح الباب على مصراعيه لدراسات متتالية في فنون الإعلام الإسلامي.
تميز فكره بالدقة والإتقان والاستنارة والإبداع، وكان يتلمس الواقع بحاسته الإعلامية الدقيقة؛ ليصل إلى نتائج موضوعية تصلح للتعميم.. ولقد طرق قلمه القضايا والمشكلات الحياتية التي تحتاج إلى المعالجة، فتراه يتحدث عن التلوث البيئي والتلوث الفكري، والغزو الثقافي، وهوية الأمة، وأزمة الإبداع ومعوقات النهوض، وضياع اللغة، ومأساة الطفل المعاصر، وأسباب تخلف مجتمعاتنا، والحريات الإنسانية، وأزمة التعليم ومستقبل الأمة، واختلاف العلماء وبلبلة الآراء وتفرق المسلمين، وفنون الحوار مع الآخر، وسبل تغيير صورة المسلمين المقلوبة في وجدان الغرب، وفلسفة المحبة بين البشر، ومقومات السلوك الرشيد.
وتمثل همه الأكبر في تنقية المجتمع الإسلامي الكبير من براثن التخلف والخرافات والعشوائيات الفكرية والثقافية، وتخليصه من معاول الهدم، وكان يعمل على بناء العقل المسلم لينهض بدوره في البناء وتحقيق الرخاء..
وُلِد الدكتور محي الدين عبد الحليم في 15 مارس سنة 1941م في قرية "كمشيش" إحدى قرى مركز تلا - محافظة المنوفية (بدِلْتا مصر، شمال القاهرة) بجمهورية مصر العربية.. لأب مصري من أعيان كمشيش، وشغل منصب شيخ البلد، الذي يأتي إليه الناس ليحل مشاكلهم الحياتية المتواترة...
وُلد الراحل في هذه القرية الباسلة، التي شهد أهلها الفلاحون صنوفا شديدة من الاضطهاد، وتحكُُّم الإقطاعيين في أهلها، سواء كانوا من الأُجَرَاء أو المستأجرين أو صغار الملاك. وكان كبار الملاك في كمشيش –خصوصًا عائلة الفقي الإقطاعية- يتعاملون مع فلاحي القرية علي أنهم عبيد، يمارسون ضدهم كل صور الاستبداد والتنكيل، بفرض السخرة والاستيلاء علي الملكيات الصغيرة والسجن والتعذيب. وقد شهدت هذه القرية انتفاضة تاريخية ضد إقطاعييها عام 1966م، بعد مقتل صلاح الدين حسين قائد ثورة فلاحي القرية على ظلم الإقطاعيين..
نشأ الدكتور محي الدين في هذا الجو الملئ بالنضال والكفاح المرير ضد الظلم والاستعباد، وقد تربي على بُغض كل أنواع الظلم والقهر والاستبداد.. نشأ وهو ينظر إلى المستقبل ويَرْقُبه، ليسهم في تخليص بلده من الظلم والقهر..
تخرج -رحمه الله- في قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1964م، ثم واصل مشواره العلمى, فالتحق بالدراسات العليا حتى حصل على درجة التخصص "الماجستير" فى الصحافة عام 1974م, وهو أول متخصص إعلامى يحصل على هذه الدرجة من جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة العالمية "الدكتوراه" فى الإعلام من جامعةالقاهره أيضا بمرتبة الشرف الأولى عام 1978م.
* * *
في بداية حياته العملية عمل محررًا وباحثًا وخبيرًا للإعلام في عدد من أجهزة الإعلام المصرية،
كما شغل وظيفة رئيس قسم الصحافة بجامعة الأزهر فى الفترة ما بين عامى 1984 / 1989م ورئيسا لأقسام الإعلام فى عدد من الجامعات المصرية الأخرى, إلى جانب عمله الرئيسى بجامعة الأزهر. كما عمل محاضرًا ومديرًا للإعلام بجامعة البصرة من عام 1973 إلى 1975م، وأستاذا بجامعة الملك عبد العزيز وجامعة قطر، وأستاذًا زائرًا ومحاضرًا فى جامعات: السلطان قابوس والملك سعود، وبعض جامعات الإمارات.
كما سافر فى مهام دراسية وعلمية وتدريبية إلى إنجلتر وفرنسا واليابان وأسبانيا وبلجيكا وهولندا وسنغافورا والفلبين وغيرها من دول العالم..
كما تولى رئاسة تحرير عدة مجلات منها: المجلة العلمية للبحوث الإعلامية المحكمة الصادرة عن جامعة الأزهر، ومجلة صوت الأوقاف، وغيرها.. وشارك في عشرات المؤتمرات العلمية (المحلية والإقليمية والدولية)، وناقش وأشرف على عشرات الرسائل العلمية في مراحل الماجستير والدكتوراه. ونظرًا لجهوده المتميزة أختير مقررًا للجنة التحديات الإعلامية برابطة الجامعات الإسلامية، وخبيرًا للإعلام بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المغرب "الإيسيسكو"، وعضوا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضوا بلجان اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضوا باتحادالكُتَّاب، ومستشارًا إعلاميًّا لعدد من الجهات الرسمية والخاصة. وهو أيضا عضو برابطة الأدب الحديث، وعضو بالرابطة الدولية لبحوث الاتصال –ليستر- بالمملكة المتحدة، وعضو بالمجالس القومية المتخصصة.
ولقد تشرفت بمعرفة الدكتور محي الدين عبد الحليم –رحمه الله- منذ نحو عشرين عاما.. عرفته أبًا حنونًا... وعالمًا جليلا.. وفارسًا مغوارًا، لا يخشى في الحق لومة لائم.. عرفته وقد سلَّط قذائف قلمه الجرئ نحو من يريدون دين الله بسوء.. عرفته -رحمه الله- مهمومًا بهموم العالم الإسلامي وقضاياه المصيرية.. عرفته عن قرب بعد أن أسهم في تعييني باحثًا في رابطة الجامعات الإسلامية ومسئولا عن الإعلام بها، وتعلمت منه كثيرا من فنون الإعلام والاتصال.. كما عملت معه في مجلة صوت الأوقاف محررًا ومخرجًا صحفيًّا، وصحبته -رحمه الله- في كثير من المؤسسات الصحفية والإذاعية والتليفازية... تلمست عن قرب اهتمامه البالغ بقضايانا المصيرية وإسهاماته الإعلامية بالصبغة الإسلامية الرائعة التي تنم عن اقتداره في علوم الإعلام من ناحية وعلوم الإسلام على حد سواء. عرفته -رحمه الله- في أفراحه وفي أتراحه ولم أر منه إلا تماسكه، وبشاشة وجهه. والناظر في مقالاته الصحفية وأحاديثة الإذاعية والتليفزيونية يجد أنه أمام صرح شامخ من صروح أمتنا، وقف بالمرصاد وراء المحاولات الرامية إلى إبعاد الدين عن مسرح الحياة.. وقف لمن أرادوا أن يشوهوا الحقائق ويَصِموا الإسلام بالعنف والتطرف والإرهاب، كل ذلك بما آتاه الله من علم ومهارات في الإعلام والاتصال. شغلته قضية الدعوة طوال حياته وكان يعمل من خلال موقعه كمستشار إعلامي لوزارة الأوقاف على النهوض بمن يقومون بها سواء في الداخل أو في الخارج. وكان يعمل على أن يكون تلاميذه في قسم الصحافة والإعلام بالأزهر سفراء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجمعون بين السلوك الطيب، والتعمق في الإسلاميات، وفي اللغات الحية، والتمكن في علوم الإعلام، وإجادة مهارات وفنون الإعلام والتواصل (المقروء والمسموع والمرئي)، لرسم صورة حقيقية عن ديننا الحنيف في شتى أنحاء العالم..
اجتهد في نشر المُجيدين من خريجي قسم الصحافة بجامعة الأزهر وغيرهم من أصحاب التوجه الإسلامي المستنير، في شتى المؤسسات الإعلامية في مصر وفي الدول العربية، للتمكين للفكر الديني وإحداث التوازن في الفكر والرؤى في وقت كثُرت فيه الأقلام المأجورة واستشرت فيه التيارات المسعورة المعادية لديننا الحنيف. ولقد شاءت أقدار الله أن يرى العالِم الجليل الدكتور محي الدين عبد الحليم، ثمار كفاحه الطويل، ببزوغ عصر جديد انطلق من الثورة المصرية المباركة، التي غيّرت وجه مصر والعرب والمسلمين، ورفعت هاماتهم إلى عنان السماء.
تميز الفقيد الغالي ببعد النظر وقدرته على استشراف المستقبل، فقد كتب خلال الفترة من 1995 – 1999م تقارير عن التحديات الإعلامية التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين، وقت أن كان مقررًا للجنة التحديات الإعلامية برابطة الجامعات الإسلامية، واستشرف بدقة كل ما يحاك للأمة الإسلامية، وكان له قصب السبق في هذا المجال، وذلك قبل انتشار مفهوم العولمة بتجلياتها الحالية، وكتب وشخّص وحلّل كل التحديات، وكأنه كان يراها، ووضع الحلول الناجعة التي يجب على الأمة الإسلامية أن تأخذ بها لمواجهة الخطر الإعلامي الداهم الذي يهدد هوية الأمة ومقدساتها وثوابتها... فأوضح -رحمه الله- مبكرًا افتقاد العمل الإسلامي في غالبه لرسالة إعلامية واضحة تصنعها وتنفذها وسائل الإعلام في عصر الفضاءات المفتوحة وعدم استفادة المسلمين من الإمكانات التي وضعها هذا التطوير الكبير في الوسائل والآليات التي تمكنهم من شرح الدعوة الإسلامية وإبلاغها للناس، تحقيقًا للأمر الإلهي: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110)، كما حذَّر من أن ما تبثه العديد من وسائل الإعلام في الدول الإسلامية لا يعبر عن فكر المسلمين الأصيل المبني على كتاب الله وسنة رسوله، ويعدّ من أكبر مصادر التغريب في العالم الإسلامي، فضلا عن عدم استيعاب القدرات الفنية والتكنولوجية في هذا المجال. وكان يناشد المجتمعات والحكومات الإسلامية وأصحاب القنوات الفضائية والمنظمات المعنية بالاتصال والثقافة في الدول الإسلامية بالاتفاق على رسالة إعلامية واضحة تكون موضوع إجماع وقبول من العلماء والمثقفين وقادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي، والعمل على وضعها موضع التنفيذ من خلال الجهات المسئولة عن البث، بكافة صوره وأشكاله، تقوم على ثوابت الإسلام، وقيمه والمبادئ التي يهدي إليها كتاب الله وسنة رسوله (عليه الصلاة والسلام)، كما تتضمن الدعوة إلى الله، ونشر رسالته بواسطة هذه الوسائل. وإعادة النظر في مناهج الدراسة في كليات الإعلام، بحيث تتضمن أصول العقيدة الإسلامية، ومصادر التشريع الإسلامي وتفسير القرآن الكريم.. إلخ، ويجب إعداد رجل الإعلام لكي يكون قوة فكرية وعلمية تعرف الله ورسوله، ودين الإسلام حق المعرفة، وتستطيع التعبير عن الدعوة والرسالة الإعلامية الإسلامية. كما طالب -مبكرًا- في التقارير التي سطَّرها في رابطة الجامعات الإسلامية بالعمل على إنشاء شركة إسلامية للإنتاج التلفزيوني برأس مال مشترك، في إحدى العواصم الكبرى كي تأخذ على عاتقها إنتاج الأفلام والأعمال الدرامية التي تتناول الواقع الإسلامي، تسهم فيها الدول الإسلامية كل حسب إمكانات، وذلك نظرًا لضخامة المبالغ اللازمة لعمليات الإنتاج، والعمل على إنشاء وكالة أنباء وقناة فضائية دولية للمسلمين، بدلا من بعثرة الجهود وتنازع الاختصاصات وإهدار الطاقات؛ لأن التحديات تواجه الجميع والهجمات وحملات التشويه لا تفرق بين مسلم وآخر.
وكان يدعو إلى إعداد القوى البشرية الملائمة للعمل الدعوى والإعلامي الموجه إلى الرأي العام العالمي، محذرًا من غياب الكوادر الإعلامية الإسلامية المؤمنة برسالتها، والمتفهمة لطبيعة عملها، المؤهلة تأهيلاً علميًّا وتقنيًّا عاليًا، والعارفة بلغة الحوار والنقاش، ويتوفر لها من الذكاء والفطنة، والخلفية الثقافية، والملكات الضرورية التي تجعلها قادرة على القيام بمهامها خير قيام. وكان يُعول كثيرًا على القوى البشرية ويعتبر أن الخطط الإعلامية لن تستطيع تحقيق أهدافها، حتى لو توافرت لديها التقنيات المتقدمة، والإمكانات الكبيرة؛ لأن الخلل في بناء كوادر إعلامية رفيعة المستوى سوف يقضى على احتمالات نجاح العمل الإعلامي الإسلامي.
كما حذر مبكرًا من خطورة الإعلانات وسطوتها على رسالة الإعلام، فطالب بوضع ميثاق شرف للعمل الإعلامي في الدول الإسلامية في وسائل الاتصال؛ للحد من الإعلانات التي تؤثر على "سيكولوجية" الجماهير المسلمة والتي تدفعهم إلى السلوك الاستهلاكي والترفي بدلاً من حفزهم على العمل والإنتاج، وتثير فيهم الغرائز بدلاً من أن تغرس فيهم الفضيلة والأخلاق.
وخلال حياته التي بلغت سبعين عامًا وستة أشهر، وتميزت بالثراء والخصوبة والإبداع، أثرى الراحل الدكتور محي الدين عبد الحليم،المكتبة العربية والإسلامية بعدد من الكتب المتفردة والتي تعد من العُمد الأساسية للباحثين في مجالات الدعوة والإعلام، أهمها: الاتصال بالجماهير والرأي العام -خطبة الجمعة والاتصال بالجماهير - الإعلام عن الإسلام في غير ديار الإسلام - الرأي العام في الإسلام - الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية - الدعوة الإسلامية والإعلام الدولي - إشكاليات العمل الإعلامي بين الثوابت والمعطيات العصرية: الأصول والفنون - الدراما التليفزيونية - العربية في الإعلام: الأصول والقواعد والأخطاء الشائعة - المنافقون وأصول العمل الإعلامي - الرؤية الإسلامية لإعلام الطفل... وله أيضا عشرات الأبحاث والدراسات المنشورة، وله مقالات دورية ثابتة فى عدد من كبريات الصحف والمجلات العربية. وكُتب عنه في الموسوعة القومية كأحد الشخصيات البارزة فى حقل الإعلام والتعليم الجامعى. كما منحته رابطة الأدب الحديث لقب "فارس" للأعمال العلمية المتميزة، ورائد فى مجال الإعلام الإسلامى. ومن جهوده التي لا تُنسى أنه قام بوضع مناهج ومقررات عدد من أقسام الإعلام بالجامعات العربية والإسلامية...وإذا كان مصابنا أليمًا في وفاته -رحمه الله- فعزاؤنا أنه ترك تراثًا خالدًا، سيكون منهلا للأجيال القادمة.. رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه فراديس الجنان.
المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.