بالرغم من إعلان الاتحاد الأوروبي عن دعمه الأساسي للتحول السياسي والاقتصادي الذي تشهده دول الربيع العربي وتأكيده على مسئوليته في تطوير التواصل بين هذه الدول، لكن الأزمة الداخلية للاتحاد والاختلافات التي شهدتها الدول الأعضاء جعلت البعض يغض البصر عن دوره في حل القضايا الدولية السياسية الحساسة مثل الأزمة السورية. وكان خروج بعض الدول لتبني سياسات وطنية دون إشراكه، وتحرك البعض خارج إطاره كتحرك فرنسا الأحادي في أزمة مالي، من الأمور التي جعلت البعض يتصور بتراجع دور الاتحاد الأوروبى وافتقاده لبريقه السياسي على الساحة الدولية، مما أثار التساؤلات حول مدى تراجع الاتحاد عن دوره في الأيام المقبلة، وعوامل هذا التراجع؟
المشكلات والتحديات : يعتبر تعارض الرؤى بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول المشكلات العالمية السياسية والاقتصادية من الأمور التي قد تؤدي إلى تراجع نفوذ الاتحاد بصورة ملحوظة، فعلى سبيل المثال نجد أن هناك تعارضاً بين بريطانيا ودول الاتحاد، فالأولى تفضل العلاقة مع أمريكا على حساب التعاون الأوروبي، في حين تفضل ألمانياوفرنسا تعميق الاتحاد، من خلال زيادة الاندماج بين دوله.
كما أن انشغال بعض الدول الأعضاء في الاتحاد بالتحديات الداخلية، قد يؤثر على الاتحاد الأوروبي، فكلما ركزت الدول الأعضاء الكبيرة (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا) جهودها على المشكلات الداخلية، كلما تراجع نفوذ الاتحاد، وهذا يعني أن نفوذه وثقله الدوليين مرهونان بتوجهات القوى الفاعلة فيه والتي تحدد أجندته الدولية.
وتعد الأزمات الاقتصادية أحد العوامل الرئيسية التي تهدد ترتيب البيت الأوروبي باعتبار أن الاتحاد، في كتلة وليس دولة، هو عملاق اقتصادي وقزم سياسي عسكري على المستوى الدولي، وخاصة بعد تعرض عدد من أعضائه إلي الإفلاس والتعثر المالي مثل اليونان والأزمات التي طالت إيطاليا في السنوات الأخيرة.
إلى جانب ذلك يواجه الاتحاد مشكلة ديموغرافية، فمعدل الأعمار المتقدمة في تصاعد مستمر في المجتمع الأوروبي، ويرجع السبب في ذلك لأسباب منها نظامي التعليم والعمل المعتمدين، فأفراد المجتمع الأوروبي يتقاعدون في عمر مبكر مقابل تأخر بداياتهم الدراسية.
وتعتبر مشكلة الهجرة الغير شرعية لأوروبا والتي يصعب الوقوف أمامها ومعالجتها من الأمور التي تهدد الاتحاد، ولذلك حرص على وضع قوانين وتشريعات عديدة تهدف إلى استقطاب المؤهلين ذوي الكفاءات العلمية من أجل تنظيم الهجرة بصورة شرعية.
ويواجه الاتحاد مشكلة التوسع السريع في عدد الدول المنضمة للاتحاد، مما أدى إلى خلق عدم التوافق المنطقي بين خمس وعشرين دولة تتحدث عشرين لغة، فحدث اختلاف حول عدم التصويت على الدستور الأوروبي من قبل بعض الدول الأعضاء مثل فرنسا، وهولندا؛ الأمر الذي جعل الكثير من الأوروبيين يعتقدون أن هذا العائق وغيره ما هو إلا ضريبة سرعة اتخاذ قرار انضمام أي دولة لعضوية الاتحاد.
سوريا والمعضلة الأوربية: وتكمن معضلة الاتحاد الأوروبي وأوروبا بصفة عامة في كونها تنادي بضرورة تدعيم المنظومة الأممية القائمة على مبادئ الأممالمتحدة للدفع نحو التسوية السلمية في بعض الصراعات، ففي الأزمة السورية يرى الاتحاد ضرورة التسوية السلمية واحترام إرادة الشعب السوري ويرفض تسليح المعارضة مكتفياً بالمساعدات الإنسانية، بينما بعض دوله تنحاز لطرف على حساب الآخر.
فيرى المراقبون أن التحرك العسكري الأوروبي يكون دائماً وطنياً، أي من فعل دولة أو أكثر، وبعدها يأتي الغطاء السياسي المالي الأوروبي، كما حدث في ليبيا ومؤخراً في مالي.
وعليه فغياب الدور الأوروبي في سوريا يعود أيضاً إلى غياب أي تحرك أوروبي - وطني تقوده قوة أوروبية أو أكثر نتيجة وجود مشكلة ثقة في تسليح المعارضة لعدم ضمان استخدامها ضد إسرائيل بعد مشكلة احتجاز المعارضة للمراقبين الدوليين في الجولان مؤخراً، مع عدم استبعاد حدوث سابقة انتقال الأسلحة من ليبيا إلى مالي، فضلا عن شح الموارد المالية.
فكان اعتبار الاتحاد بأن سوريا ليست بؤرة توتر ذات أولوية قصوى بالنسبة له أو لدوله، وعدم ارتباط الأزمة السورية بمصالح أوروبا من الأمور التي دفعت الاتحاد الأوروبي لعدم اتخاذ موقف حاسم تجاه الأزمة، ولذلك أشار المحللون إلى أنه يدل على ضعف جديد من عوامل الاتحاد كفاعل سياسي وعسكري في الأيام المقبلة.
في ظل التحديات والمعضلات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي والتي تهدد بمستقبله، يتقدم البعض بعدد من التوصيات التي قد تؤدي إلى تخطي هذه الأزمات.
فيرتبط نجاح الاتحاد الاوروبى في الفترة المقبلة بشكل كبير بمدى التوافق بين الدول الأعضاء، لا سيما في القضايا الكبرى المشتركة التي تمثل أساس الاندماج بينها، حيث ينبغي أن تكون هناك مجموعة أساسية داخل الاتحاد تتفق على توحيد سياساتها العامة كالسياسة الخارجية والتشريعات القضائية أو التشريعات الخاصة بها كدول أعضاء.
وأشار البعض إلى ضرورة تحديد شكل الاتحاد وإعادة هيكلته في المستقبل، كأن يكون نموذجا للصيغة الأمريكية مثلاً من أجل تقليص الفروقات وتحديد السياسات العامة.
في حين أكد البعض على ضرورة التفكير بجدية قبل الموافقة على الأعضاء الجدد الراغبين في الحصول على مزايا الاتحاد الأوروبي.
وخلاصة القول: إن الاتحاد الأوروبي لم يتمكن من إحداث تغير في بنية النظام العالمي رغم ثقله الاقتصادي، وبالتالي فوجوده كفاعل دولي لم يغير من قواعد اللعبة السياسية الواقعية إلى حد ما، فكان انسحابه من الساحة الدولية في الفترة الحالية في عددٍ من الأزمات من الأمور التي تهدد بفاعليته في المستقبل.