إنها فعلا إمرأة حديدية تلك التى قررت العودة إلى مصر بعد 22 سنة غياب، رغم علمها بصدور 28 حكم ضدها، بإجمالى مدة حبس بلغت 64 سنة، متفوقة بذلك على أبرز رجال دولة مبارك، يتقدمهم صديقه رجل الأعمال الهارب، حسين سالم ونجليه، ويوسف بطرس غالى وزير ماليتنا الأسبق الهارب، ورشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الأسبق، ورجل الأعمال صهر مبارك مجدى راسخ، فهل يكرر هؤلاء الرجال جبروت تلك المرأة ذات يوم بالعودة إلى مصر؟، وكيف سيتم التعامل معهم؟، إذا عادوا بإرادتهم أو قبض عليهم فى ظل صدور أحكام غيابية بالسجن ضدهم، ومطالب برد ملايين الجنيهات والغرامات المالية، عن جرائم إهدار المال العام والاستيلاء عليه. وبرصد الأحكام الغيابية الصادرة ضد رموز النظام السابق الهاربين، نجد حسين سالم محكوم عليه بالسجن 22 سنة، فى قضيتى تصدير الغاز لإسرائيل، وغسل أموال تلك الصفقة، بينما يطلب بطرس غالى لتنفيذ حكمين بالسجن 40 سنة فى قضيتى اللوحات المعدنية والإستيلاء على سيارات المواطنين بالجمارك، وحكم على رشيد محمد رشيد غيابيا بالسجن 20 سنة، فى قضيتى الإستيلاء على أموال صندوق مركز تحديث الصناعة، وتسهيل حصول رجل الأعمال أحمد عز على رخص لصناعة الحديد دون مزايدة، فيما صدر ضد رجل الأعمال ''الهارب'' مجدي راسخ صهر الرئيس السابق حسني مبارك حكم بالسجن 5 سنوات في قضية أراضي القاهرةالجديدة، بما لا يرقى إلى عدد سنين الحبس التى تواجهها هدى عبد المنعم.
أكد المستشار مصطفى بسيونى رئيس محكمة جنايات الجيزة، أنه طالما ظل المتهم جنائيا هارب خارج البلاد، فإن الأحكام الغيابية الصادرة ضده لا تسقط بالتقادم مهما طالت مدة هروبه، إلا إذا تم القبض عليه أو عاد للبلاد وسلم نفسه طواعية، وهنا تسقط الأحكام الغيابية وتتخذ إجراءات إعادة المحاكمة، أمام نفس المحكمة التى أصدرت الحكم الغيابى.
وأوضح بسيونى أن التصالح وفق لأحكام القانون قاصر على نوعيات محدودة من القضايا، مثل جرائم التهرب الضريبى أو الجمركى، وقضايا الشيكات بدون رصيد، وعند التصالح فى بعض الجنح مثل الضرب، أما فى القضايا الجنائية فإن التصالح يقتصر على الشق المدنى فى القضايا، متمثلا فى رد الأموال المطلوبة، ودفع الغرامات والتعويضات المطلوبة، ولا يشمل التصالح الإتهامات الجنائية المطروحة فى قضايا فساد رموز النظام السابق، من جرائم إهدار المال العام، وتسهيل الاستيلاء عليه للذات أو الغير، ويعتبر التصالح بشكل عام مسألة تقديرية للمحكمة، التى قد تقضي بأحكام مخففة فى حالة رد الأموال، أو بالبراءة لزوال أسباب الجريمة أو حتى بطلان إجراءات القضية، حينما يحضر المتهم ويدافع عن نفسه، أو تصدر أحكام بالإدانة يحق للمتهم الطعن عليها فى درجات التقاضى اللاحقة إعمالا لحقه القانونى كمواطن، وعلى كل واثق من براءته أن يعود للبلاد ويمثل للمحاكمة لتبرأة ساحته.
وبشأن مدى إمكانية ضبط المتهمين الهاربين فى الخارج، أوضح الدكتور إبراهيم العنانى أستاذ القانون الدولى، أن تسليمهم لمصر يخضع إلى القواعد القانونية المنظمة للاتفاقيات الدولية، ويشترط تسليم الدول التى يوجد المتهمين على أراضيها أدلة كافية تثبت تورطهم وارتكابهم جرائم فى حقها، إلا أن هناك عدة عقبات تحول دون ذلك يأتى فى مقدمتها إزدواج الجنسية، بحيث يحمل المتهم جنسية الدولة التى يقيم فيها مثلما يحمل حسين سالم الجنسية الإسبانية، ويحمل يوسف بطرس غالى الجنسية البريطانية، وفى هذه الحالة يفترض أن تحاكمهم الدولة التى يقيموا فيها بشرط تجريم الأفعال التى ارتكبوها وفقا لقانونها، مثلما حدث مع حسين سالم، وذلك فى حضور ممثلين للحكومة التى طلبت تسليمهم.
واشار الى ان التعنت من قبل بعض الدول، قد يكون أيضا سببا فى عرقلة تسليم الهاربين للخارج، مثلما حدث منذ 22 فى حالة هدى عبد المنعم حين رفضت اليونان تسليمها إلى مصر، وشاعت أخبار لا حصر لها فى ذلك الوقت عن دعم المرأة الحديدية لبعض المؤسسات هناك، وتقديمها مبالغ مالية ضخمة كتبرعات لبعض الكنائس هناك.
وأشار العنانى إلى أن هناك تقصير من قبل الأجهزة الرسمية، سواء فى ظل الوقت الحالى، أو على المدى البعيد نظرا لتناسى السعى للحصول على حق الدولة، بما قارب ربع قرن فى حالة هدى، على الرغم بأنه يجب التنسيق مع جهاز الانتربول لطلب ضبط المتهمين الهاربين، وتتبعهم باستمرار مهما طالت مدة هربهم، واستغلال فرص انتقالهم من دولة إلى أخرى.