أكد الكاتب الصحفى محمود شرف أن الصحة في مصر تأتي في الغالب في ذيل الأولويات التي تعطيها الحكومات المتعاقبة للخدمات الصحية، وبنظرة واحدة للموازنات العامة سنكتشف هذا الأمر. جاء ذلك في بداية المناظرة التي عقدت ضمن المحور الرئيسي لأنشطة المعرض، لمناقشة الأوضاع الصحية للشعب المصري، بعد أن وصلت إلى مستويات متدنية، فضلاً على تفشى العديد من الأمراض المزمنة، وتدهور الخدمات الطبية، نتيجة العجز المستمر في الميزانيات والموازنات. ومن جانبه، قال الدكتور سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع، والرئيس الأسبق للمؤسسة العلاجية: الصحة ليست صحة الفرد بل صحة المجتمع أو ما يسمى اللياقة الصحية، وهي تعرّف بأي منهج اجتماعي تنموي يشمل الصحة والإسكان والتعليم، وما يتعلق بهما من دواء وصحة رياضية ومجمل كل هذا يولد نمط الحياة الصحى. وأضاف أن العلاج الصحي في مصر ظهر في صورة العلاج الفردي، وهو ما تسبب في تأخر ظهور النمط الأساسي للحياة الصحية، فالتواجد البشري هو تواجد مجتمعي وليس فردي، فلا يجب أن ينظر أحد إلى صحة الفرد الآن ولكن ينظر لصحة الأسرة. وأشار فياض إلى أن الصحة لها عوامل وراثية وأصبحت معروفه بعد ظهور طب الجينات وطب النانو الذي يكشف أشياء جديدة في عالم متناهي الصغر. وأوضح فياض أن الصحة كانت علاقة بين الفرد والطبيب، ثم أصبحت علاقة مؤسسية، لذلك ظهر ما نسميه بطبيب الأسرة وهذا هو التوجه التي تبنته مصر أخيرا، وقد تأخرت كثيراً حتى وصلت إلى هذا النظام الذي يشمل مستويات للتمرس الطبي، مشيراً إلى أن ممارس الطب يقوم بأدوار لا يمكن أن يقوم بها الأخصائي لأن بعض الأطباء تخطو مرحلة الممارسة وصعدوا مباشرة إلى دور الأخصائي ولذلك لا يتقن دور الممارس و60 % من أطباء مصر لا يكون عملهم دقيق لأنهم لا يمروا بهذه المرحلة. وأشار فياض إلى أن النظام المؤسسي الصحي في مصر بدأ يكون في مؤسسات متعددة، فأصبح لدينا 21 منظمة صحية، أي أن النظام الصحي مفتت وليس موحد ولابد من توحيده، من خلال ما نسميه بنظام التأمين الصحي الشامل، الذي يعد حالياً، وهو يجمع الموارد ليقدم خدمة صحية من خلال نظام تمويلي لمشروع صحي لعموم المصريين. وأوضح أن المشروع الجديد لنظام التامين الصحي الشامل، يقوم على التعامل مع هيئة أخرى حكومية وهي الهيئة العامة للرعاية الصحية، وهيئة الرعاية العلاجية، بالإضافة إلى تعاقدات فردية ومؤسسية متعددة، وهو يتم بتشارك تمويلي وتدفع هيئة التأمين الصحي لهذه الهيئات. وأشار إلى أن شرط التعاقد تحكمه هيئة ثالثه وهى هيئة رقابة الجودة التي تشترط معايير حتى يكون العلاج مطابق لأحدث النظم، وشامل لكل الفحوصات أيا كان تكلفتها. وأكد فياض أن هذا النظام يهدف أن يكون في مصر قريباً نظام تأميني صحي شامل، وتكلفته تصل 90 مليار جنيه، مشيراً إلى أنهم يصرفوا حالياً ولكن مفتتين، يأخذ منهم القطاع الخاص70%، و 30% يصرفوا تحت إشراف الحكومة. وأوضح فياض أن اكبر مشكله تواجه مقدمي الخدمة أو المنتفعين منها هي كيفية توفير التمويل، مشيراً إلى أنها ليست مهمة مقدمي الخدمة لأن القرار الصحي خرج من أيديهم وأصبح قرار مجتمعي، فالأساس هو مدي استعداد المجتمع من خلال حكومته في تدبير التمويل اللازم للمشروع. وتابع: أمريكا تخصص 15 % من الناتج القومي للصحة، في المقابل يصل الإنفاق الحكومي على الصحة في مصر أقل من 4%، وهو غير كافي إطلاقا لأي شيء، مشيرا إلى أن التامين الصحي أكبر هيئة تحملت "الغلب" لأنها بلا مال ولابد أن تتحمل نصف المجتمع صحياً. جانبه، أوضح الدكتور إبراهيم مصطفى مساعد وزير الصحة لشئون التأمين الصحي، أنه في ال30 سنة الماضية، حدث نقص في تمويل الصحة، وتسبب ذلك في مشكلتين هما انهيار البنية الأساسية للقطاع الحكومة، بحيث أصبحت ثلثي المستشفيات المصرية لا يوجد بها ما يوفر السلامة للمرضى، وظهور الاقتصاد الموازي في الصحة كالقطاع الخيري والمستشفيات الخاصة. وأوضح مصطفى أن مصر تعاني من مشكلة كبيرة في توفير الأدوية، مشيرا إلى أن الأدوية الحكومية تشكل 7 % من احتياجات السوق المصري، في حين أنها كانت صناعة استثمارية في الستينات يتم التصدير منها للخارج. وعن القطاع الوقائي قال مصطفى أنه يمثل تحد كبير للمجتمع لأننا لو وفرنا مياه سليمة للمواطن وعالجنا الصرف الصحي، فنحن نعالج 40 % من مشاكل الصحية للمواطن. وبالنسبة للطب العلاجي تحاول وزارة الصحة تجهيز المستشفيات في هذا المجال، ومن المقرر طبقاً للخطة الموضوعة أن يتم الانتهاء في نهاية عام 2014 من تطوير 120 مستشفى، من إجمالي 520 مستشفي. وأكد مصطفى أن التأمين الصحي الشامل الاجتماعي، يعد مشروع تغيير ثوري لشكل الصحة في مصر، حيث انه قائم على فصل التمويل عن الخدمة، بحيث يكون المريض المصري يحصل على الحرية والكرامة في التعامل الحكومي، بأن يكون من حق المريض اختيار الطبيب والمستشفى الجيدة ليأخذ علاجه، أما المستشفيات الغير مجهزة فلن يذهب إليها المريض وبالتالي لن يذهب لها التمويل. وأوضح أن عدد المستشفيات يصل إلى 600 مستشفى تشمل المراكز العلاجية والمجالس القومية المتخصصة، والمستشفيات الجامعية، بحيث يكون الاختيار ليس بين 38 مستشفى فقط التابعين للتأمين الصحي الآن، بالإضافة إلى التعاقد مع مستشفيات القوات المسلحة وقد يتم التعاقد مع القطاع الخاص. وأشار مصطفى إلى أن سبل توفير التمويل ستتم من خلال اشتراك المؤمن عليه، بالإضافة إلى الضرائب الموجهة، ومجموع المساهمات في القطاع الطبي. كما أشار إلى أن لجنة التأمين الصحي المشكلة لدراسة المشروع تجري الحوارات الآن، ورصدوا 3 مخاوف لدى الكثيرين، وهى: الخوف من الخصخصة وعدم استدامة التمويل وحقوق أصحاب المصالح. وأوضح مصطفى أن المواطن المصري من حقه أمور كثيرة، ولكنه يفرط فيها، وأعطى مثال بمرضى الكبد الذين بلغ عددهم 18 مليون مريض للكبد، ويدخل 200 ألف مريض كل عام في المرض ومن الأسباب المعروفه هو الممارسة الطبية الخاطئة لطبيب الأسنان، الذي يستخدم الأدوات أكثر من مرة ويعتمد فقط على غليها، ولا يعترض المريض مما يكون أكثر عرضه للإصابة بمرض الكبد، مشيراً إلى أن وزارة الصحة ستقوم بحملة لتقليل عدد المرضى إلى 20 ألف. وقال الدكتور طارق الغزالي حرب، مدير مستشفى الهلال الأسبق، عضو لجنة إعداد قانون التامين الصحي، أن مشكلة الصحة بعافية في مصر، مشيراً إلى أنه لاحظ خلال عمله في لجنة التأمين الصحي، أن اجتماعاتهم مع النقابات والأحزاب التي حاولوا عمل حوار مجتمعي معها، كان للأسف الحضور قليل فيها، لأنهم يأخذون المسألة باستهانة شديدة، فلا يهتم احد بالموضوع، مؤكدا أن قلة عدد حضور الندوة تأكيد على عدم الاهتمام بالموضوع رغم خطورته. وأشار الغزالي إلى أن 75 % من الإنفاق الصحي في مصر يأتي من جيوب المواطنين، وقال أن القضية خطيرة وموضوع الصحة ليس موضوع الوزارة لوحدها، فهناك ما يسمى نمط الحياة الصحية وهو ليس مسئولية الوزارة بمفردها بل الحكومة كاملة، لآن منظومة الصحة يجب أن تشمل سكن صحي، وغذاء سليم، وهواء نظيف، وتشجيع ممارسة الرياضة، لأن هذا يوفر على الدولة الجزء الأكبر مما يمكن أن تنفقه على الصحة إذا وفرت هذه الأشياء التي هي حقوق لكل فرد في العالم. وأضاف: دور وزارة الصحة، هو الدور العلاجي للأمراض التي تأتي فجأة وكذلك دور وقائي تكافح فيه الأمراض قبل انتشارها وهي تقوم بدورها في هذا القطاع جيداً. وأكد الغزالي أن المسألة ليست إنشاءات ولا قلة أموال فقط بل إعداد الكوادر البشرية التي تؤدي الخدمة بشكل سليم، وذلك يتطلب تطوير التعليم العالي الذي يخرج لنا كل العالمين بالقطاع الصحي. وأوضح أن توفير الخدمة العلاجية لها طرق كثيرة، منها أن تكون الدولة هي المسئولة عن المواطن وأن يتلقى العلاج في أي مستشفى ويوفر ذلك من ضرائب المواطنين، مشيراً إلى أن نظام العلاج على نفقة الدولة، اختراع مصري، وهو نوع من التحايل على حتى لا تعطي الحكومة أموال للصحة. ويرى الغزالي أن نظام التامين الاجتماعي الصحي الشامل يناسب المجتمع المصري وقال: بعد مناقشة كل الطرق وجدناه الأنسب، لكنه لن ينجح إلا إذا تم تطبيق اللامركزية بحيث يكون المحافظ مسئول عن تقديم الخدمة الصحية، وهذا لن يتأتى إلا بقانون جديد للإدارة المحلية، وهذا سيساعد في نجاح أي مشروع للعلاج الصحي. وانتقد الغزالى ما يفعله المحافظون عند توليهم المنصب، بحيث يذهب متنكرا إلى إحدى المستشفيات ويعطي جزاءات وهو أسلوب قميء ولا يحل شيء على الإطلاق، فنحن نحتاج إلى تغيير جذري، فالمستشفيات ليس المهم فيها المباني، بل المهم أن يكون هناك كوادر بشرية مدربة، بالإضافة إلى الوصول إلى حالة الطبيب المتفرغ. ودعا الغزالي إلى ضرورة الضغط الشعبي عند وضع موازنة الصحة من خلال مجلس النواب، لحل موضوع التمويل، بالإضافة إلى ضرورة رفع مرتبات الأطباء التي تقل عن راتب الخادمة بالمنازل. بينما قال الدكتور يحيى مكية - مدرس بكلية طب عين شمس، وعضو مجلس نقابة الأطباء - أن المنظومة الصحية تعرضت لتدمير في عهد النظام السابق، وهو ما تسبب في ظهور الاقتصاد الموازي، مشيراً إلى أن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بها العديد من المشاكل والأخطاء الهيكلية التي أدت إلى انحدار مستوى الخدمة، كما أن عدم استدامة التمويل وتدني ميزانية الصحة أدي إلى انهيار المنظومة. وأوضح مكية أن عدد الأطباء بلغ 232 ألف طبيب مقيد بنقابة الأطباء، منهم 92 ألف طبيب حر لا يعمل في مؤسسة حكومية، و110 ألف يعملون في المؤسسات التابعة للصحة لا يعمل منهم سوى60 ألف طبيب، وعدد كبير من الأطباء يعملون خارج الجمهورية. وبالنسبة للصيادلة أوضح مكية أن عددهم في مصر وصل 160 ألف صيدلي، منهم 50 ألف صيدلى يعمل في صيدليات خاصة، و10 % فقط يعمل في الحكومة. وأكد مكية أن تعديل منظومة الصحة يتطلب سرعة إصدار مشروع التامين الصحي الجديد، وقانون كادر الأطباء، وقانون أخر يشمل إعادة هيكلة لأجور كل العاملين بالصحة الذين بلغ عددهم 500 ألف من الإداريين. وأوضح أن نقابة الأطباء بدأت في التعامل مع النقابات الأخرى لعمل مشروع لاستقرار الأوضاع الوظيفية لجميع العاملين بقطاع الصحة، ومن الملامح الأساسية للمشروع أن معظم العاملين كانوا يخضعوا لقانون 47 وبعد ذلك سيكون لهم قانون خاص يربط الدراسات العليا بالراتب ويضع لهم حد ادني كريم ونأمل أن يمرر القانون لأنه من أساسيات التطوير. ودعا مكية إلى ضرورة الحفاظ على المنشآت الخاصة كالعيادات التي يبلغ عددها 50 ألف منشأة، منهم 16 ألف عيادة خاصة فقط في القاهرة لوحدها، وذلك بأن يراعي القانون الجديد أوضاع هؤلاء لتكون متوائمة مع المنظومة الصحية. كما دعا إلى إصدار تشريع خاص بالوقف الإسلامي، مشيراً إلى أن الوقف الإسلامي ساهم على مدار التاريخ في قفل أي رقعة موجودة في ثوب الصحة.