إنَّ الخطاب الديني المتجدّد معناه أن نفهم عصرنا الذي نعيشه، وأن نكلم الناس باللسان الذي يفهمون، وأن نستخدم من الأساليب العصرية ما نستطيع من خلالها أن ندعو إلى الله تعالى في كلّ فرع من فروع الشريعة، فالخطاب الديني عندما نقول بأمور التجديد فيه، فإننا نقصد الوسائل والفروع، وليس القواعد والأصول. لابد للدَّاعية الذي يريد أن يحمل خطاباً دينياً متجدّداً أن يفهم أنّه بين مرحلتين مرحلة التحمل ومرحلة الأداء، فلابد قبل أن يؤدي أن يتعلم ويتحمّل، فالداعية لكي يؤدي عليه أن يكون كمل الأهلية الدّعوية، وأن يبلغ من الشريعة في التحمّل بمعنى أن يكون لديه من العلم والفهم خلال مرحلة التحمّل، وأن يضرب بفهم في فروع الشريعة الإسلامية كذلك، وأن يستخدم الأساليب الحديثة التي تعينه على أداء رسالته، فالشريعة صالحة لكلِّ زمان ومكان.
إنَّ الخطاب الديني المتجدّد معناه أن نفهم عصرنا الذي نعيشه، وأن نكلم الناس باللسان الذي يفهمون، وأن نستخدم من الأساليب العصرية ما نستطيع من خلالها أن ندعو إلى الله تعالى في كلّ فرع من فروع الشريعة، فالخطاب الديني عندما نقول بأمور التجديد فيه، فإننا نقصد الوسائل والفروع، وليس القواعد والأصول.
وأمَّا مرحلة الأداء، فإنَّه يقوم بدوره بعد أن تحمل عليه واجب البلاغ والأداء، وأن لا يتوقف في مرحلة التحمل عند حد معين؛ فإنَّ مرحلة الأداء تجعله يطلب المزيد وتجعله على اتصال دائم بالتحمّل.
إنَّ الشريعة الإسلامية صالحة لكلِّ زمان ومكان، ومعنى صلاحها أنَّها تعالج احتياجات الناس وتقدّم الحلول لمشاكلهم في كلِّ عصر والدَّاعية الناجح هو الذي يعيش عصره ولا يعيش عصور السَّابقين ويحاول من خلال خطبته التي ربما يعلم الناس الخطوط العريضة لها أن يتناول قضايا العصر ومشكلات المجتمع وأن يوضح الحلّ الإسلامي لهذه المشكلات الواقعية.
من هنا فإنه بالغالب خطاب تقنيني فقهي وعظي يربط العمل الإنساني بالحياة الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب وهو خطاب الذات للذات.. وإذا كانت دراسات الخطاب لحظت في تعريفه أنه ذلك الملفوظ الموجَّه إلى الغير، بإفهامه قصداً معيّناً فإن من تعاريفه أيضاً الشكل اللغوي الذي يتجاوز الجملة وبذلك لوحظ تارة بما يعني قصد الغير، وأخرى نظام القول بغض النظر عن أن يكون المخاطب هو الذات أو الآخر.. وهذا ما يفسح المجال لاعتبار أن الأصل في بناء الخطاب هو قيم مقاصده وحقول تفاعلاته وسياقاته التي يرتكز عليها.. والتفاعل في الخطاب كما السياقات التي تبنيه يُعنى بها مُرسِل الخطاب كما المُرسَل إليه.. إذ كلاهما مسئولان عن دلالة وفهم مضمون الخطاب والبلاغ وهنا قد ينبني الخطاب على مسلك الوعظ والاستشهاد بالنص، أو قد ينبني على مسلك النقد والاستدلال بالعقل وهذا ما يولّد لدينا التساؤل عن المدى الذي استطاع فيه خطابنا الإسلامي أن ينوِّع مقولته في سياقات ومرجعيات أطروحته وعن مدى امتلاك الخطاب الديني الإعلامي رؤية معرفية واستراتيجيات واضحة لإطلاقه لمثل هذا الخطاب الأثيري الذي بات يتجاوز بفعل قنوات التواصل من فضائيات وغيرها حدود المكان، إن لم نقل حدود الأزمنة الأخلاقية والقيمية المتوزّعة في الأمم والشعوب والحضارات.
ثم إلى أي مدىً استطاع التوفيق بين المسلك الوعظي – النصوصي، وبين المسلك النقدي – الاستدلالي؟خاصة بعد أن بات من الضرورات والمسؤوليات اللازمة على هذا الخطاب أن يجيب عن الوقائع التي فرضتها الحضارة الغربية مما يطلق عليه روح وشكل الحداثة وقيمها،.. بأطروحة إسلامية تؤسّس أو تسيِّل قيماً وأعرافاً ومعارف إسلامية واثقة خالية من عقد الخوف والدونية وإسقاطات الآخر على الذات، بل عقدة الخوف حتى من الخوف نفسه وهنا اسمحوا لي أيها الإخوة أن أذهب للقول: إننا بتنا في عصر تقع المسؤولية الكبرى فيه على المؤسّسات الإعلامية العابرة للحدود.. والتي بإمكانها أن تؤسّس لأوضاع استثنائية في حياتنا الإسلامية..وقال :إنَّ علامات تقيّد بعض الدّعاة بالماضي منها أن الموضوعات متكرّرة من حيث العنوانُ والشكل والمضمون ممَّا يجعل الدَّاعية يصاب بحالة من الجمود الفكري وانحسار دعوته بين الناس.
ولكننا يمكننا أن نقول بأنَّ التعميم خطأ، فهذه النوعية موجودة وليست الغالبية، وقد انصرف الناس عنها ومن العلماء المشهورين من أشهر إفلاسه بنفسه من خلال عدم تقديم موضوعات جديدة وعدم معالجة الواقع برؤية إسلامية عصرية، فنرى منهم التخبط بغير تثبت في قضايا عصرية مثل الانتخابات وتكوين الأحزاب والفهم الخاطئ للخروج على الحاكم وهي أمور عصرية لابد للدَّاعية أن يكون على قدر عال من الفهم والوعي فيها.
لايزال العالم الإسلامي وبعد سلسلة طويلة من الصراعات الدامية، التي أذهبت الآلاف من أبنائه على امتداد 3 عقود، غارقاً في بحر من الشعارات والأوهام والهواجس، شعوب العالم في هذه الأيام تستقبل عاماً جديداً بمزيد من الفرح والسرور والآمال والتمنيات الطيبة بينما شعوب العالم الإسلامي تودع العام الذي آذن بالرحيل بمشاعر الأسى والحزن والفجيعة على ضحايا سقطوا، وأودت بهم عمليات القتل والتفجير المتنامية في العديد من مناطق العالم الإسلامي، خصوصا في فترة أعياد الميلاد للمسيحيين، والتي تزامنت مع مناسبة عاشوراء التي تعد من أهم المناسبات الدينية لدى إخواننا الشيعة، حيث يحيون فيها ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في أجواء يخيم عليها الحزن والبكاء، وترفع فيها الرايات السود.
ترى ما تأثير الفتاوى على شباب قد لقنوا منذ الصغر عقيدة "الولاء والبراء" وهي العقيدة التي يقول عنها المفكر الإسلامي المعروف جمال البنا: إنها أضلت أجيالاً عديدة من شباب الجماعات الإسلامية، وقادتهم إما إلى غيابات السجون وإما إلى ظلمات القبور، إن الأرضية التي أنتجت وصنعت هؤلاء الانتحاريين لا تكف عن إنتاجهم كما يقول عبدالمنعم سعيد، إذ إن هناك آلة جهنمية تعمل من أجل غسل العقول والقلوب وتحويلها إلى صناديق مغلقة باسم الدين الإسلامي، ومن ثم لا يمكن أن تجدي الفتاوى في معركة القلوب والعقول ما لم يجر تحول جوهري داخل عقل وقلب الفرد الانتحاري.
أن قوة واستمرارية أي مجتمع تقوم بشكل جوهري على لحمة وتمازج وتماسك كافة أطيافه فالوطن أكبر من الجميع والدين هو علاقة ثنائية بين الخالق والمخلوق ولا أحد يمتلك أن يجير لنفسه ولطائفته صكوك الغفران ولمناوئيه فكريا وعقديا الخلود في النار.من المؤكد أن التطرف بسماته المتمثلة في التشدد المقيت سواء في الاعتقاد أو الرؤية هو أمر بعيد عن جوهر الدين كما أن الإرهاب والمتمثل في التصادمية مع كل من يخالفك المعتقد أو الدين أوالإيدلوجيا هو أمر يعد كارثيا بكافة المقاييس ولا تقره العقول ولا المنطق أجمع. ومن هنا فنحن لا نستطيع إسقاطه على دين أو طائفة أو مذهب.فوجود ثلة متطرفة من أهل السنة لا يعني ذلك أن نسم كل أهل السنة بالتطرف ونفس الأمر يسقط على إخواننا من ابناء الطائفة الشيعية.
فعندما نجد ان هناك أفرادا قد تشددوا في أطروحاتهم وتطرفوا في رؤاهم ولم يجدوا الدعم من ابناء نفس الطائفة الذين يتصفون بولائهم لوطنهم وقيادتهم فقد اتجهوا الى موالاة أعداء الوطن بالخارج، فمن المؤكد بأننا لا نستطيع أن نصف أفعال هؤلاء الأفراد وأعمالهم بأنها ذات بعد مذهبي ومتسم بالجماعية في الرؤيا والاعتقاد وإنما هم يمثلون شخوصهم فقط ولا أكثر من ذلك.
ومن هنا فإنه ينبغى على الجميع عدم الانجرار وراء تلك الدعوات المهيجة التي يثيرها بعض خفافيش الإعلام من خلال توظيف التقنية الحديثة بكافة أنواعها من شبكة انترنت أو وسائل ووسائط الاتصال في إحداث بلبلة فكرية وخلق عداء بين كافة أطياف ومكونات المجتمع.وإنما عوضا عن ذلك علينا تقبل بعضنا البعض بكافة تناقضاتنا واختلافاتنا العقدية أو الفكرية منها فالوطن يتسع للجميع والدين يؤدى لله فقط.
إن خلق نوع من اللحمة والرباط المتين بيننا وفي علاقاتنا الثنائية هو أمر كاف بإذن الله أن يشكل حائط صد أمام جميع المحاولات والطرق المشبوهة التي ينتهجها الكثير من أعداء الوطن لبث الفرقة وإحداث الخلاف بيننا فنحن منذ عقود ونحن نعيش في توافق وفي تواد ننعم بخير الوطن وبنعم الله العديدة ولم يعرف الشقاق أو الخلاف إلينا طريقا.ولنا في المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام القدوة المثلى في التعاطي مع مخالفيه الذين شاركوه العيش في المدينة كي لا يشق الصف الإسلامي ووحدة الأمة الإسلامية الناشئة، وكان رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام قبل ذلك أثناء بداية دعوته بمكة يحتمل ويصطبر على أذى مخالفيه ويدعو لهم بالهداية والصلاح.
فلنجعل هدي نبينا نهجا نتبعه في تعاطينا مع من نختلف معه في الفكر أو الرؤى أو حتى الأيديولوجيا وصولا لصلاح الدين والمجتمع والناس. إن من أعظم ما عنى به الإسلام في مجال الدعوة هو تكوين الخطاب العقلي العلمي، ورفض الخطاب الظني الخرافي المقلد، الذي ينقل كل ما يقرأ أو يسمع، دون أن يعرضه على العقل، أو يضعه موضع اختبار وتمحيص بل يأخذه قضية مسلمة، فالعقل في خطاب الوحي "ليس منفيًا ولا مطرودًا ولا مهملاً في مجال التلقي عن الوحي وفهم ما يتلقى، وإدراك ما من شأنه أن يدرك مع التسليم بما هو خارج عن مجاله، ولكنه كذلك هو الحَكَمَ الأخير ما دام النص محكمًا، فالمدلول الصريح للنص من غير تأويل هو الحَكَم، وعلى العقل أن يتلقى مقرراته هو من مدلول هذا النص الصريح، وتقييم منهجه على أساسه.
وما من دين احتفل بالإدراك العقلي وإيقاظه، وتقويم منهجه في النظر، واستجاشته للعمل وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة، وتحريره من قيود الكهانة، والأسرار المحظورة، وصيانته في الوقت ذاته من التبدد في غير مجاله، ومن الخبط والتيه بلا دليل، ما من دين فعل ذلك كما فعله الإسلام". إنه على الرغم من دور الوحي في تحديد معالم هذا الدين، وموقفه من القضايا العقائدية والتشريعية والأخلاقية المتصلة بالإنسان والحياة، فإن دور العقل في فهم هذه الأمور، وإدراكها يظل دورًا بارزًا لا يتصور إغفاله أو إنكاره.
"وما منع الإسلام العقل بالتفكر في ذات الله وفي كنه السمعيات الغيبية؛ لأن أدوات العقل من الحواس وآلات الإدراك لا تطول هذه الموضوعات، فالعقل يعجز عن أن يصل إلى حقيقتها، ولذلك كان منعه من معرفة حقيقتها صونًا له عن التخبط في مجالات لا يملك فيها العقل وسيلة تؤدي به إلى المعرفة، ومع ذلك قدم ما يُكلف به من حيث الإيمان والعلم بهذه الغيبيات، وأقام له الأدلة العقلية عليها احترامًا للعقل؛ لأن مفهوم العلم في الإسلام لا يتحقق إلا بالبرهان، وفيما عدا حقيقة ذات الله، وحقيقة الغيبيات فإن مسئولية العقل شاملة كل ما من شأنه أن يعلم، ولا بد أن يعلم بالبرهان.
ودور العقل: هو القيام بالنظر، وتحصيل البرهان، ولا بد أن يكون الخطاب مستقى من البرهان، وقائمًا عليه، ومشمولاً به، وإلا كان الخطاب خرصًا أو تخمينًا، أو رجمًا بالغيب في متاهات الظنون".
ومن دور العقل الذي يجب إعماله في الخطاب الديني أيضًا شرح وتأويل النصوص بما يتناسب مع معطيات العصر حتى لا تطغى الموروثات الشعبية على النصوص، فتوجهها إلى مساندة الخرافات في السلوك الاجتماعي، وتمكين المفاهيم اللامعقولة في فكر المؤمنين فتغيب عقولهم في بحور من الأوهام. وهناك مجالاً أوسع وأرحب لإعمال العقل، وإبراز دوره، وهو "ما لم يرد فيه نص ديني من الكتاب أو السنة فدور العقل هنا الاجتهاد في إطار الروح العامة للتشريع، مع مراعاته للأزمنة والأمكنة وما يجري في دنيا الناس.
ومن دور العقل في الخطاب الديني – أيضًا - مراعاته للتوازن بين متطلبات الحياة المادية والروحية التي جاء بها الوحي، حتى لا تطغى مطالب الروح على الجسد والعكس، فيكون التفريط في عمارة الكون، والعزلة عن الحياة العامة، والإقامة في المساجد ليلاً ونهارًا، وإهمال الحقوق الأسرية، والتفريط في حقوق الوطن في العمل والإنتاج، أو إهمال مطالب الروح والانغماس في الحياة المادية فيكون والجفاء الروحي، الذي يكون بدوره سببًا من أسباب الشقاء في الدنيا قبل الآخرة.
والتقليد: هو المتابعة بغير اقتناع عقلي، أو دليل يقيني، فهو إبطال لوظيفة العقل. والإسلام يقف من التقليد موقفًا واضحًا في كلا مجاليه، تقليد القديم، أو تقليد الوافد. تقليد القديم بغير برهان، وتقليد الوافد الأجنبي بغير ضرورة، وأخطر الأمور أن تدعي الأمم إلى التحرر من تقليد قديمها لتقع في تقليد الأجنبي عنها، وكلاهما يفسد الشخصية والذات.
فالتقليد واتباع الآراء الموروثة من غير دليل أو اقتناع عقلي، أو مع وجود الدليل ولكنه متابعة لاتجاه أو لزيد من الناس، لا الأمر عنده أي المقلد وجود الدليل، وإنما الانتصار لاتجاه معين، وتعصب له محرم على أهل النظر والعلم في حكم الدين. والحكمة المرادة من نبذ التقليد في الإسلام: هو تحريك العقل لينهض بوظيفته، ويقوم بدوره. ومن دوره: رفض محاكاة السابقين، وتقليد الوافدين في معتقداتهم وعاداتهم، بل لا بد من النظر إلى هذه الأفعال والمعتقدات، ووضعها موضع الاختبار، فالإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري على سنة آبائه وأجداده، بل يقول له يجب عليك أن تفتح عينيك، ولا تنقاد لما يبقيك مغمض العينين، يحق لك أن تنظر في شأنك، بل في أكبر شأن من شئون حياتك، ولا يحق لآبائك أن يجعلوك ضحية مستسلمة للجهالة التي درجوا عليها.
والإسلام يأبى على المرء أن يحيل أعذاره على آبائه وأجداده، كما يأبى له أن تحال عليه الذنوب والأوزار من أولئك الآباء والأجداد، وينعي على أولئك الذين يستمعون الخطاب أن يعفوا أنفسهم من مؤنة العقل؛ لأنهم ورثوا من آبائهم وأجدادهم عقيدة لا عقل فيها.
قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) (البقرة: 170)، وقال أيضًا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ) (المائدة: 104). فالإسلام علم أهله أن يطالبوا الناس بالحجة؛ لأنه أقامهم على سواء المحجة، وجدير بصاحب اليقين أن يطالب خصمه به ويدعوه إليه، وعلى هذا درج سلف هذه الأمة الصالح، قالوا بالدليل، وطالبوا بالدليل، ونهوا عن الأخذ بشيء من غير دليل. كذلك نهى الأئمة الأربعة: عن تقليدهم، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة ولا دليل. يقول الإمام أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين نقلناه، ويقول الإمام مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافقهما فاتركوه، ويقول الإمام الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري، ويقول الإمام أحمد: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال أي أن يقلد في اعتقده رجلاً.
كذلك يجب أن يتحرر الخطاب الديني من التقليد، والجمود على فتاوى السابقين، وقد أورد الإمام ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" قول أكثر الأصحاب وجمهور الشافعية: أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد؛ لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم.
ويقرر القرآن أيضًا بالبرهان العقلي: قياس البعث والإحياء للخلق على إحياء الأرض الميتة بالنبات والزرع؛ إذ ما أشبه الإنسان بالزرع في دورة الحياة، وكما أن أصل الإنسان هو الأرض، فالزرع أيضًا لا ينبت إلا فيها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت: 39)، كما يقرر بالبرهان العقلي أيضًا قدرته على البعث والإحياء بقدرته على خلق السموات والأرض، يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف: 33).
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه