اعترف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور عمرو حمزاوي في لقائه برواد معرض الكتاب، بفشل نخبة سياسية كان من المفترض أن تقدم حلولا عاجلة لما تعانيه مصر من مشكلات فساهمت في تعميق الأزمة!. العضو البارز فى جبهة الإنقاذ الوطني سخر من جماعة الإخوان المسلمين ومن معارضة ينتمي إليها، وحاول التخلص من عباءة المحلل السياسي ليتحدث في إطار فكري يتسم بالموضوعية والشفافية والمصارحة وطرح أسئلة أجاب عنها ووجهت إليه انتقادات قابلها بابتسامة شجاعة وقاومها بحيل متنوعة.
وإذا كان لقاء حمزاوي قد ارتكز على تحميل ما وصل إليه الوضع الراهن من تعقيد والبحث عن حلول فورية لوأد الصراع القائم، فإنه لم يعف أحد من المسئولية ولم يوصد الباب أمام رياح التقارب والتفاهم على وجود صيغة ما بإمكانها طرح بدائل مناسبة تحافظ على مسار الثورة وتثمن دماء الشهداء.
قال حمزاوي: لا يمكن لمجتمع أن يعيش في ظرف استثنائي طيلة الوقت، إنها عملية مرهقة للشعب أن يتحمل هذا العبء، وأضاف أن حضوره اليوم للمشاركة في معرض الكتاب فرصة للخروج بعيدا عن اللقاءات السياسة، واجتماعاتها ومناظراتها.
ويؤكد: بعد عامين نرى أننا أمام ممارسة سياسية أخفقت في تحقيق أهداف الثورة.. والسؤال الرئيسي الذي أطرحه: أين نقف في مصر مجتمعيا وسياسيا بعد ثورة يناير 2011؟!. ويجيب: إننا نقف أمام دولة مأزومة في مؤساساتها، تتسم بالضعف، ولا تقدم المطلوب منها أمام مجتمع يواجه استقطاب، وسياسة أفسدت الثورة بينما يتحمل الفشل كل من سلطة ومعارضة، باعد كل منهما بيننا وبين تحقيق المطالب!
بعد الثورة وجدنا أغلبية من مواطنين كان من الطبيعي أن يشعروا بأن الأبواب تفتح لهم من جديد، وتوقعوا تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أغلبية كاسحة وثورة توقعات.. لكن الذي حدث أنها شعرت بمزيد من الإخفاقات واسترجعت ذاكرة السلطوية والاستبداد بالكثير من الخير.
نحن مع دولة لا تؤدي المهام المنوطة بها، لم تُعد هيكلة الأجهزة المختلفة، بينما صارت الخدمات المتقدمة أسوأ مما كانت عليه، في حين تتهم الغضب الشعبي الذي تعبر عنه قطاعات واسعة بأنها مدفوعة من الخارج، بينما ساهم الاستقطاب الذي ازدهر عقب الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور إلى تعميق الجرح. فمن يتحمل المسؤلية؟.
ويرد الدكتور عمرو حمزاوي على سؤاله: إن كان كشف الحساب الموضوعي يقول: هناك انجاز تحقق بأن مصر أصبح لديها رئيس منتخب جاء عبر صناديق الانتخاب، ورأس مال البداية هو شرعية الصندوق، ولكن هل إدارة التحول الديمقراطي تقتصر على وجود رئيس مدني إنها مسألة مهمة لكنها ليست كافية.
ألسنا مع رئيس مدني أعاد الاستبداد، وتوظيف الالة الامنية في مواجهة الغضب الشعبي، وآلته إعلامية تشوه المعارضين كما كان يحدث في السابق.
هدوء حمزاوي المعتاد منعه من الصياح وهو يقول: لا يكفي مجرد وجود الرئيس، نحن مع اجراءات تعيدنا إلى مربع الاستبداد مرة اخرى واطار دستوري لا يصلح للعدالة الاجتماعية ويحتاج إلى تغيير جذري، فضلا عن أن الاستقطاب يصنع البيئة القابلة للعنف إضافة إلى استبداد من يحكم وعدم فاعلية المعارضة وغياب الأمن.
سئمت من كثرة التأكيد على عدم صواب مقولة أن الفقر يعني غياب الوعي السياسي فالمناطق الريفية أكثر وعيا من الحضرية ولذلك فأنا أرفض هذا النهج.
والنهج الثاني يبحث في أسباب الإخفاق وهو ما انتمي إليه وداخل هذا النهج الثاني أكثر من توجه منه: إن ما حدث يعود لمن أدار شئون البلاد وهذا النهج يعيّن فاعلا سياسيا ما، والبعض يقول إن سبب ضعف مؤسسات الدولة هي المعارضة، وتعيين الفاعل السياسي في كلاهما غير دقيق لأن السياسة والمجتمعات أكثر تعقيدا.
أما التوجه الثاني فيميل إلى أن اسباب تعثرنا يعود لمجموعة من العوامل والمجموعة ليست مغلقة مثل النخبة السياسة حكما ومعارضة في المجمل أعادت انتاج ذات تفاعلاتها في النظام القديم.
فمن أصبح في الحكم يعيد بناء الاستبداد من الهيمنة والسلطوية والسيطرة على مفاصل الدولة وهو يناقض مبدأ تكافؤ الفرص والحيادية، ونجد لدى المعارضة إعادة لبحث عن مواقع وتقسيم التوتة الانتخابية. إن نخبة السياسة أعادت تصوّر البحث عن توافق على أنه جريمة كبرى وذلك سعيا وراء الانتخابات. إننا أمام حكم يشوه المعارضين، ويعول على الآلة الأمنية، ومعارضة مهمومة بالرفض.
مصر وهي تسعى لإدارة المرحلة الانتقالية وقعت في معضلتين الأولى استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي باعدت بين المواطن.. واتهم حمزاوي حكومة قنديل بأنها لا تسيّر الأعمال ولكن تلقي بالمجتمع الى أتون تدهور اقتصادي وسنكون خلال أشهر قليلة لانعرف إن كنا نستطيع دفع أجور الموظفين أم لا.
إن معدلات الفقر وصلت إلى أكثر من 40 % والبطالة تخطت حاجز ال 18 % والحال أسوأ مما كان عليه وهي مسألة تتحملها الإدارة الحكومية و الإدارة السياسية الممثلة في شخص رئيس الجمهورية.
في مصر كذلك عجزنا طوال العامين في إدارة ملف حيوي، فالدول كيانات مصنوعة لتقوم بمهمتين: توفير الأمن وجباية ضرائب لتمكين السكان من العيش في حالة كريمة ولقد وقعنا في مشكلة تدهور الحالة الأمنية ولا عجب أن نكون مع أغلبية باتت فاقدة للأمل، وخاصة أمام هذا التيار الجارف من دخول السلاح الى مصر وهي مشكلة في غاية الخطورة، فالملف الأمني بمعناه الضيق المباشر، يجعل المواطن يستعيد ذاكرة الاستبداد على مستوى الأمن ومن يتحمل مسئولية الامن الارادة السياسية الغائبة.
وكان المجلس العسكري لا يمتلك هذه الإرادة، وكذلك الرئيس مرسي، وقدمنا العديد من الدراسات لإعادة هيكلة الاجهزة الأمنية ولم يحدث شئ ولم يتحقق سوى صفر من الانجاز.
وذكر حمزاوي عاملا آخر من عامل الإخفاق وهو النقاش العام وحصيلة التفاعلات مع الإحداث، ووصف النقاش العام بأنه اصبح يتسم بمسألتين خطيرتين: خطابات التخوين المتبادلة، وقيامه على ثنائيات يظن فيها أحدهم مخلصا من أمامه خائن وهو ما جعل جودة النقاش أسوأ من فبراير 2011 .
وقال إن النقاش العام يعطي المصريين انطباعا كأن الأمم تحيا بالسياسة فقط، ولم ننتقل لمناقشة إصلاح التعليم والصحة وغيرها من الأمور الخدمية، نحن مع عموميات السياسة وانا اشارك بالمسئولية في هذا!
وتطرق حمزاوي إلى التجربة البولندية في ادارة الحوار الوطني والتي تفرض على المعارضة عندما ترفض الحوار أن إلى حوار وتعرض رؤيتها وتقدم البديل فتقنع الرأي العام بأنها ليست معارضة للرفض فقط. وحمّل حمزاوي النخبة الفكرية من مثقفين وأدباء وكتاب وأكاديميين جزء من المسئولية لأن الدول تضطلع بالضمير الجماعي في مراحالها الانتقالية بينما انضمت النخبة الفكرية إلى نظيرتها السياسية وعمل فيها الاستقطاب فجعلها تحيد عن دورها الطبيعي ولم يقدم من هذه النخبة مايرقى الى مستوى المسئولية. ولفت إلى أن مصر الثورة لم تؤسس مركز واحد جديد للبحث السياسي وكان من المفترض أن تنشط هذه الطاقة، وأكد على أن الاستبداد مهما يطول لن يدوم. وأجاب عن سؤال حول ما ينتهجه الرئيس مرسي من سياسات بقوله: إنه يعيد أدوات النظام القديم وسط حالة من غياب الأفق السياسي وطرح الحوار الوطني بدون تجويد للطرح ونتمنى ان يعيد الادوات التي يستخدمها.. وعلق على سؤل يتهم النخبة (جميعها) بالفشل بالسخرية: "لو بطلوا الاخوان نهضة وبطلت الجبهة الإنقاذ لكان خيرا لمصر". وحول طرح بديل يتمثل في النظام الاشتراكي قال: لست من انصار الدفاع عن نظم سياسية جامدة مثل الاشتراكي أو غيرها انا من انصار الدفاع عن المبدأ واقتصاد السوق افضل من اقتصاد تسيطر عليه الدولة شريطة ان يراعي العدالة الاجتماعية والنظم الاشتراكية سقطط وما حدث لتماثيل السوفيت من هدم أكبر دليل على ذلك. وعن أسباب عدم تحقيق أهداف الثورة هل هي إرث النظام القديم ام تتحمل الاطراف جميعها المسئولية ؟ كانت إجابته: هي خليط بين الأمرين فقد حدث تجريف للنخبة ونتحمل نحن أيضا جزء من الاخفاق اليوم ومرة أخرى قال لا أعفي نفسي من المسؤلية فقد فشلت النخبة في تحقيق الصاح العام.. وتمنى حمزاوي انتخابات رئاسية قادمة تغير مسار التطور الديمقراطي وقال : الديمقراطية لا تعني صناديق الانتخابات، ولدي أمل أن مسار التحول الديمقراطي قد ينضبط.