أكد المشاركون في ندوة «المثقف والجماهير»، التي عقدت مساء أمس، بمعرض فيصل للكتاب، أن النقاش العام الدائر حاليا بمصر يجب أن يتسم بالرشاد والعقلانية، خصوصا في ظل ممارسة العنف اللفظي والتحريض على العنف السائد حاليا والمهيمن على الخطاب العام، موضحين أن من يفعل ذلك لا يتنصل من المسؤولية عن أعمال العنف التي وقعت والتي ستقع، فمصر في هذه المرحلة لا يمكن أن تنهض إلا بالتوافق بين جميع التيارات وليس بالتنافس، فالتوافق الآن أساسي لصنع عمل سياسي منضبط. جاء ذلك خلال ندوة «المثقف والجماهير» التي عقدت بمعرض الكتاب بفيصل، وشارك فيها د."عمرو حمزاوي"- أستاذ العلوم السياسية والناشط السياسي- ود."سيف الدين عبد الفتاح"- أستاذ العلوم السياسية- وأدارها المفكر السيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية . أكد السيد ياسين في مستهل حديثه، أن المثقف هو الشخص الذي يهتم بالشأن العام برؤية نقدية، وثورة 25 يناير هي ثورة فريدة في التاريخ، وما كان يرد في خيالنا أن تقوم الثورة وأن تُسقط الرئيس في أسبوعين، وكان أقصى طموحنا ثورة جياع ولم نكن نتصور أن مجموعة الشباب الذين قاموا بالثورة يستطيعون القيام بثورة بهذا الحجم، وكانت الميادين الثورية في الجمهورية كلها وارتفع الشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، وأوضح أن إسقاط النظام معناه الحقيقي إسقاط السياسة المنحرفة في النظام السابق السياسية والاجتماعية. وقال الناشط السياسي: "لا بد أن نعيد النظر في الفكر السياسي والاجتماعي ،ولقد قام طموح الشباب في الثورة على مبدأين أساسين: الأول هو المشاركة في اتخاذ القرار، والمبدأ الثاني هو مراقبة تنفيذ القرار، وهذه أول ثورة لا يتولى الحكم فيها الثوار، ولكنهم استخدموا ميدان التحرير ليصروا على المشاركة في اتخاذ القرار ومراقبته". اكد "عمرو حمزاوي"- الباحث والناشط السياسي الشهير- أن الأدوار المختلفة التي يقوم بها الناشط السياسي على اختلاف الخلفيات ظاهرة فريدة في المشهد السياسي المصري، فهناك قطاع كبير من المشاركين في المشهد السياسي المصري، وفي الأغلب هم شباب متوسطو العمر، وقال: "إن هناك مجموعة من التكنوقراط القريبين من منظمات الدولة، والوزراة الحالية هي وزارة تكنوقراط بامتياز باستثناء عدد قليل، ولحظة التغيير التي تمر بها مصر هي لحظة فيها المساحات بين المجالات المختلفة التي تشكل الوعي العام للمصريين أوسع من السياسة والتركيز على تعريف المثقف بالاهتمام بالشأن العام هي المعيار الأفضل للحديث عما يدور، وهذه المسألة الأولى،أما الثانية على الرغم من الثورة والتغيير فقد قمت بعمل رصد على مانشتات الصحف الرئيسية قبل الثورة وبعدها، ووجدت أن قبل الثورة كانت المانشتات الرئيسية للصحف تنصب على الرئيس السابق، وبعد الثورة ما زال 70% منها يركز على الرئيس السابق ومتابعة أخباره وتفاصيله،ما زلنا في نقاشنا العام نتحدث عن الماضي وليس المستقبل، مانشتات الصحف لم يتغير موضوعها مع اختلاف السياق، ولم يتغير شيء عن اليوم التالي ل 11 فبراير". وأضاف حمزاوي أنه لا يوجد طرحا كافيا لكيفية الحديث عن المستقبل وهيكلة المؤسسات وتغيير الصورة والواقع السياسي ،وحالة البلبلة تأتي من افتقادنا للتفاصيل، وآليات التغيير وجدول زمني لتنفيذ ما نريده ،وتساءل حمزاوي هل هذه وظيفة المجلس العسكري أو الحكومة أو الأحزاب ؟ وأجاب لا ،وهذه هي مسئولية المثقف أو المهتم بالشأن العام وهذه اللحظة الفارقة التي تعيشها مصر هناك خمسة مضامين أساسية لابد من توافرها في المهتم بالشأن العام إزاء الجماهير، أولا : الترشيد والعقلنة بمعني إضفاء شئ من الرشاد والعقلانية على الشأن العام وعليه أن يقف في وجه الكثير من الغوغائية الموجودة بشكل كبير الآن وهناك مثالين على ذلك الأول التعامل مع المحاكمة لرموز النظام السابق بداية بالرئيس ونجليه وحتي المساعدين وبالرغم من أن هذا أول كان ما طالبنا به ولكننا طلبنا المحاكمة بشكل طبيعي أي المحاكمة أمام القاضي الطبيعي ولا يتدخل الرأي العام بإصدار أحكام مسبقة وهذه مسألة بلغت بها الغوغائية عنان السماء إلى الحد الذي يجعل البعض ينسى وضع المواد فوق الدستورية، والبعض يحرض الرأي العام بتضخيم الأمر وأنها ليست محاكمة حقيقية ،والمثال الثاني وصف حالة هؤلاء ممن هم نزلاء الآن في سجن طرة والمعاملة التي تفوق الشكل الطبيعي وفي لجنة حقوق الإنسان لتقصي الحقائق وجدنا الأمر يسير بشكل طبيعي، وكذلك النقاش العام الدائر حول دور القوات المسلحة. وأكد حمزاوي رفضه إحالة المدنيين إلى المحكمة العسكرية وقال:" أنها مسالة غير مقبولة ولكن هل نحن الآن نستطيع أن نقول أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يلعب دورا داعما للثورة أم ضدها وإجابتي أن المجلس يعمل بشكل منضبط ويهدف حماية الثورة وأول شئ تحقيق الديمقراطية، ولا أرضى بالتشكيك الموجود في الرأي العام". وتابع حمزاوي قائلا:"المضمون الثاني هو التركيز على الأولويات وإذا لم يحدث ذلك يمكن أن تسير الأمور إلى عكس ما نريد ونعود إلى الوراء ،ويجب أن نسأل هل هناك حديث حقيقي على محطات الانتقال إلى الدولة التي نريدها أو برامج حقيقية للأحزاب تعرض على الجماهير؟، أجاب أري أن التركيز كله على قضايا تصنع الاستقطاب من خلال هذه الثنائية المفتعلة ثنائية المدني والديني التي تبتغي كسب أغلبية باسم الدين، ويجب أن نعي أن مصر دولة إسلامية وأي دستور سيلتزم بالشريعة الإسلامية ،والمضمون الثالث هو الالتزام بالطبيعة السلمية للعمل العام والنقاش السياسي ،والمنتشر الآن ممارسة العنف اللفظي والتحريض على العنف ومن يفعل ذلك لا يتنصل من المسئولية عن أعمال عنف ستقع وهناك مواجهات بدأت بالفعل في المدن واستخدام سلاح بين بعض المنتمين للأحزاب المختلفة. وأكمل حمزاوي:"المضمون الرابع فريضة التوافق ومصر في هذه المرحلة لا يمكن أن تنهض إلا بالتوافق بين جميع التيارات وليس بالتنافس ،فالتوافق الآن أساسي لصنع عمل سياسي منضبط، وأرى الجميع الآن يتحدث باسم الشعب وبصيغة هلامية صيغة المفعول به فالشعب يستتبع مرة أخري ومن غير المقبول التحدث باسم الشعب لبناء استقطاب، وأضاف :"المضون الخامس مهم جدا وهو القدرة التي ينبغي أن تكون موجودة بالفعل في المثقف أو المهتم بالشأن العام فعليه التمسك بالرأي والمقولة والفكرة والطرح الذي يقدمه حتي إذا كان هذا الرأي لا يلقى قبولا من الجماهير ،ولا أعلم كيف ننجح في مصر بتحول ديمقراطي دون تفعيل هذه المضامين الخمسة واعتقد إنها غائبة إلى حد كبير رغم محاولات البعض وعلينا جميعا مسئولية الحركة لتفعيلها وأن يتسم نقاشنا العام بالرشاد والعقلانية". وعقب السيد ياسين على حديث حمزاوي مؤكدا على وجوب توافر القدرة على التمسك بالرأي حتى لو كان لا يلقى القبول العام، وقال: "أنا أتمسك برأيين لا يوافقني عليهما كثيرون هما أولا أنا ضد تطبيق قانون الغدر، وثانيا ضد دعوات التطهير؛ تطهير المؤسسات والإعلام والجامعة، لأن هذا الكلام عبثي ويؤدي إلى انهيار الدولة، فهناك فرق بين محاكمة المسؤولين وبين التطهير". وتحدث "سيف الدين عبد الفتاح" عن المثقف والجماهير وقال: "أظن أن ثورة 25 يناير كشفت ثلاثة أزمات الأولي تتعلق بالمثقف والثانية بالجماهير في التعامل مع هذه الثورة والثالثة تتعلق بالعلاقة بين الاثنين المثقف والجماهير وفي العهد البائد شاهدنا المثقف يتملق للسلطة وحمل مشروع التوريث الذي يمثل ثقافة فرعونية بامتياز وحاول أن يصادر هذه الكتلة الجماهيرية لمصلحة شخص يتصدر الحكم وهذا الموضوع الذي يتعلق بتوريث الشعب يمثل أعلى مراحل الاستخفاف أن يورث رئيس شعبا لابنه، وواكب ذلك تزوير الانتخابات، المثقف الذي واكب هذا العصر كان مثقفا مزورا في إطار ثقافة فاسدة مستبدة، أؤكد على قراءة العلاقة بعد الثورة أولا في الدولة القومية حدث تغيير مهم جدا، الفقيه ضاق بحركته الثقافية عن المجتمع وتحول الكثير وبين فقهاء ودكاترة السلطان كان هناك حلف غير برئ لا يمكن إغفاله، ثانيا ماذا فعلت الثورة في مفهوم السياسة نحن في حاجة إلى تعريف السياسة من جديد ،فالسلطة قد همشت السياسة في العقول ،ثالثا:من أهم دروس الثورة كيف تجتمع الشعوب وتقاوم عملية الاستبداد مستقبلا، ونفس الشئ يتعلق بالأحزاب الكرتونية فهم نفسهم أحكموا حلقة الاستبداد لصالح السلطة لأنهم لعبوا أدوارا كرتونية". وتابع عبد الفتاح : "أؤكد أن هذه الأحزاب التي نشاهدها من سياسيين ومثقفين هم رأس الثورة المضادة، ومنهم المثقف المقاول، والمثقف من برج عالي، المثقف المهاجر بعقله وليس من هجر المكان، المثقف الزائف، المثقف الحرباء المتلون، هؤلاء جميعا شكلوا حقيقة الأزمة في علاقة المثقف بالجماهير لأنه خان الجماهير هذه الثورة كانت في البداية تشكل ثقافة جماعية ويمكن أن هؤلاء الذين نزلوا الميدان يشكلوا ثقافة جديدة نسميها ثقافة الميدان". وأكد عبد الفتاح أن المثقف الآن لا يستشعر حجم المسئولية التي تلقى على عاتقه بعد الثورة، وهناك أيضا المثقف الفضائي الذي يقول كلام هنا وهناك ولكنه في النهاية لا يقول شيئا حقيقا ويقول كلام يؤدي للفرقة والتشتت الفكري. وأضاف: "أرى أن الثقافة السائدة الآن هي ثقافة التخوين، وهي شديدة الخطورة ومضادة لثقافة الميدان، ولو أن المثقف أراد أن يخرج من أزمته والجماهير تخرج من غفلتها وتتأسس على قواعد فعاليتها، فالأمر يحتاج إلى ثقافة كميدان التحرير وتوافق لحماية هذه الثورة".