بعد حالة الاحتقان السياسي التي تمر بها البحرين منذ قرابة عامين، والتي تتلخص في خيارين، أولهما الدخول مباشرة في حوار يُفضي إلى حكومة وبرلمان منتخبيْن، والثاني تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة نصف حقائبها وتتولى هي الإعداد للحوار وإجراء انتخابات ، تقف المملكة على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني ، بعد أن دعا الملك حمد بن عيسى عاهل البحرين اليوم الثلاثاء أحزاب المعارضة إلى استئناف المحادثات المتعثرة. تأتي تلك الدعوة في أحدث مؤشر على جهود كسر حالة الجمود السياسي منذ الحملة الصارمة على احتجاجات عام 2011 .
وذكرت وزارة الدولة للإعلام في البحرين إن العاهل البحريني أصدر مرسوما بدعوة "ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين من مكونات المجتمع السياسي في البحرين لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي".
الترحيب بالحوار وكانت جماعات بحرينية معارضة قد رحبت في ديسمبر الماضي بدعوة من الحكومة للحوار للخروج من مأزق تشهده البلاد، وقالت إنها مستعدة للاجتماع دون أي شروط مسبقة، لكنها دعت إلى طرح نتائج المحادثات في استفتاء.
وقالت جمعية الوفاق المعارضة البارزة في بيان إنها مستعدة للمشاركة في المحادثات، لكن يجب أن يوافق الشعب على نتيجتها.
وذكر رئيس الجمعية الشيخ علي سلمان، أنه سيحث على إجراء استفتاء، وهي فكرة طرحت لأول مرة قبل محاولة فاشلة لإجراء حوار العام الماضي، لكنه قال إن إجراء الاستفتاء ليس شرطا لبدء المحادثات.
محادثات دون شروط وفي عام 2011 دعا العاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى محادثات دون شروط مسبقة، لكن المبادرة تعثرت سريعا حين انسحبت جمعية الوفاق قائلة إن آراءها لا تؤخذ على محمل الجد.
وأوضح سلمان آنذاك أن السلطات اتصلت به بشكل غير مباشر، لكنه لم تكن لديه أي معلومات بشأن موعد بدء المحادثات.
وخفف الجانبان على ما يبدو مواقفهما في الأيام الاخيرة. وقال ولي العهد في كلمته إنه يتعين على البحرين العمل بجد أكبر بشأن الإصلاحات القضائية، وضرورة أن تبذل الحكومة جهدا أكبر للحد من عدم المساواة.
يذكر أن احتجاجات واسعة وقعت بالبحرين في فبراير 2011 متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك.
قاد هذه الاحتجاجات المعارضة التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، وبلغت خسارة البحرين الاقتصادية بسبب التصعيد في الاحتجاجات 1.4 مليار دولار.
الكرة في ملعب النظام وعلى جانب أخر قال المساعد السياسي لرئيس جمعية الوفاق الوطني المعارضة خليل المرزوق إن المبادرة الجديدة تضمنت إجراء حوار جاد، يتم الاتفاق على أطرافه بحيث تكون ممثلة لكافة أطياف الشعب البحريني، على أن يكون "نظام الحكم" أحد المشاركين الرئيسيين في الحوار لأن المشكلة الأساسية معه.
وأكد المرزوق في تصريحات للجزيرة نت؛ أهمية الاتفاق على أجندة معلنة للحوار حتى لا يمثل تكرارا لحوارات سابقة لم تنجح في حل الأزمة، وشدد على ضرورة أن يركز الحوار على الأمور الأساسية محل الخلاف، وأبرزها تشكيل الحكومة التي تطالب المعارضة بأن يكون بالانتخاب في حين يتحدث "النظام" عن تعيينها، إضافة إلى انتخاب برلمان كامل الصلاحيات، وقضاء مستقل، ونظام انتخابي عادل، ونظام أمني يشترك فيه الجميع، ثم آلية لإقرار ما يتم الاتفاق عليه.
وتابع المرزوق أن الخطوة التالية هي طرح ما تم الاتفاق عليه في صيغة دستورية، ثم إقراره إما من خلال مجلس تأسيسي لصياغة الدستور أو طرحه للاستفتاء الشعبي، على أن يتبع ذلك التطبيق على أرض الواقع، بمعنى إجراء انتخابات حرة ونزيهة يتبعها تشكيل الحكومة.
وأوضح أنه إذا أراد "النظام" ألا يسير في هذا الاتجاه فأمامه بديل آخر طرحته أيضا جمعية الوفاق، يتمثل في تشكيل حكومة وطنية تضم كافة الأطياف على أن يكون للمعارضة نصف عدد المقاعد بالنظر إلى حصولها على 64% تقريبا من نسبة الأصوات في انتخابات 2006 و2010- وتكون مهمتها إجراء الحوار السياسي وتنفيذ توصياته لمنع تدهور الأوضاع في البلاد.
ويؤكد المرزوق أن "الكرة الآن باتت في ملعب النظام والحكومة، وأيضا المجتمع الدولي" الذي قال إنه مسئول عن الأزمة السياسية في البحرين بتوفيره "غطاء الشرعية للنظام"، وأضاف أن المعارضة -بقيادة جمعية الوفاق- ستواصل حراكها الشعبي والسياسي والإعلامي "لإحداث تغيير ووقف الاستئثار بالسلطة واستخدامها ضد شريحة كبيرة من أبناء الشعب".
مبادرة تعجيزية وفي المقابل، يرى رئيس جمعية الميثاق الوطني أحمد جمعة أن المبادرة التي قدمتها المعارضة لم تأت بجديد، وكل ما ورد فيها سبق أن قدمته في مبادرات سابقة، مؤكدا أن بعض هذه المطالب منطقي ومقبول.
وأضاف جمعة في تصريحات صحفية له ، أن الإشكالية الأساسية في هذه المبادرات هي أنها تأتي في ظل حالة احتقان متصاعدة في الشارع البحريني، هذا الاحتقان الذي تدفع إليه المعارضة بالاحتجاجات والمظاهرات، والأهم هو الاتفاق أولا على وقف العنف الذي انعكس بشكل كبير على وضع البلاد اقتصاديا وكذلك على وضع المواطن.
ووصف جمعة مبادرة المعارضة بأنها "تعجيزية" وتهدف إلى إحراج الحكومة وإظهارها في شكل الرافض للحوار والحل السياسي، وقال إن الحكومة عندما تطلب من المعارضة وقف التصعيد والعنف في الشارع ترد بأنه لا يمكنها السيطرة عليه، رغم أنها دائما تتحدث باسمه، وهو ما يطعن في مصداقيتها ونواياها من الحوار، بحسب قوله.
واتهم جمعة المعارضة بأنها طرحت المبادرة الأخيرة بضغط من أطراف خارجية قال إنها تأتي من السفارة الأميركية لوقف العنف المتصاعد -على حد قوله- لتظهر أمامها بأنها تسعى للتهدئة والحوار، وأضاف أن الشارع السُّني في البحرين يرفض هذه المبادرة، ويطالب أولا بوقف العنف الذي وصل إلى حد استخدام العبوات المتفجرة كما حدث قبل شهرين.
واستبعد رئيس جمعية الميثاق الوطني أن تشهد الذكرى الثانية للاحتجاجات التي تحل في فبراير/شباط المقبل موجة أخرى من أعمال العنف، مبررا ذلك بأن الشارع بدأ يفقد ثقته في المعارضة، كما أن الاحتجاجات فقدت بريقها وزخمها الذي بدأت به، فضلا عن أن هناك أطرافا داخل المعارضة نفسها غير راضية عن سير الأحداث.
وكشف جمعة عن أن 12 جمعية -من بينها الميثاق الوطني والوحدة الوطنية ضمن تيار الفاتح- تعتزم اتخاذ تحرك مقابل في ذكرى الاحتجاجات، تهدف من خلاله إلى إظهار قوتها على الأرض وتمثيلها للتيار السني، لتكون طرفا في أي معادلة سياسية في المستقبل، مستبعدا أن يؤدي ذلك إلى اشتباكات بين الجانبين، لأن المعارضة تعلم جيدا أن أي صدام سيفقدها الورقة السياسية التي تستند إليها وهي أنها تتحدث باسم شعب البحرين، وهو ما تخشاه المعارضة بقوة.