خلُص تقرير "الأخطار الطبيعية والكوارث غير الطبيعية: اقتصاديات الوقاية الفعالة" ، الذي أعده البنك الدولي بالاشتراك مع الأممالمتحدة وموله الصندوق العالمي للحد من الكوارث والانتعاش من آثارها، إلى نتيجة مفادها أن الأخطار الطبيعية كثيراً ما تتحول إلى كوارث نتيجة لسوء السياسات والممارسات، فالزلازل وموجات الجفاف والفيضانات والعواصف من الأخطار الطبيعية، لكن ليس من الضروري أن تؤدي هذه الأخطار إلى كوارث. وبحث التقرير الذي صدر في حفل عُقد بمقر الجامعة العربية في القاهرة تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وبحضور لفيفاً من أبرز الخبراء بالعديد من الأوساط والمؤسسات الإقليمية بحث في سبل جعل الوقاية منها أمراً يتسم بفعالية التكلفة.
وتعليقاً على ذلك، قال الدكتور نبيل العربي: "النتائج التي انتهى إليها هذا التقرير تأتي حقاً في حينها، وهي نتائج مهمة للمنطقة العربية، فوتيرة وقوع الكوارث وتأثيرها في ارتفاع مستمر... وفي حين أصبحت شحة المياه تشكل خطراً كبيراً، فإن تغير المناخ ولا شك سيزيد من تفاقم هذا الوضع".
وأضاف العربي إن هذا التقرير يقدم مبادئ توجيهية لجهود المنطقة التي تستهدف الحد من مواطن الضعف والمخاطر التي تتسبب فيها الأخطار الطبيعية، وبناءً عليه، يجب بذل جميع الجهود الممكنة لترجمة نتائج هذا التقرير إلى خطط حقيقية في أجندة التنمية بالمنطقة".
ويحدد هذا التقرير عدداً من الإجراءات اللازمة للوقاية من حدوث وفيات ودمار من جراء الأخطار الطبيعية؛ وهي إجراءات لا تتطلب من الحكومات بالضرورة أن تنفق المزيد، حسبما يقول، ولكنها تتطلب منها الإنفاق بشكل أفضل.
ومن بين هذه الإجراءات الوقائية التي تتسم بفعالية التكلفة تعظيم القدرة على الحصول على المعلومات المتعلقة بالأخطار وإدخال تعديلات تنظيمية لإزالة التشوهات، كإلغاء إلغاء القوانين المنظمة للإيجارات والتسعيرة الجبرية وتوفير صكوك ملكية مأمونة للتشجيع على تحسين صيانة المباني والحفاظ عليها.
و يقترح التقرير أيضاً إقامة بنية أساسية تتسم بفعالية التكلفة للوقاية من أخطار بعينها؛ كالمدارس التي يمكن استخدامها مثلاً كمراكز إيواء أو الطرقات التي يمكن استخدامها في تصريف المياه.
ويقول التقرير إنه قد يكون هناك أحياناً ما يستلزم زيادة الإنفاق – لتطوير أنظمة الإنذار المبكر وصيانتها على سبيل المثال - بل إنه حتى الزيادات المتواضعة وتعظيم تبادل البيانات على المستوى الدولي، يمكن أن تكون لها منافع جمة.
من جانبه، قال لازلو لوفي القائم بأعمال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "بناء المؤسسات، ومرافق البنية الأساسية ذات الاستخدام المزدوج، وتبادل البيانات، كلها عوامل أساسية للوقاية من الكوارث... ومن الممكن أن تكون مبادرة العالم العربي الحالية التي أطلقها البنك الدولي، وهي شراكة مع بلدان المنطقة من أجل تعزيز التعاون الفعال لصالح التكامل الاقتصادي وتبادل المعرفة، حافزاً قوياً على الوقاية من الكوارث بالمنطقة."
ويلفت التقرير الانتباه – دون إثارة الخوف - إلى أن نمو المدن وتغير المناخ هما اللذان سيحددان آفاق الوقاية من الكوارث مستقبلاً.
ومن المتوقع أن تزداد أضرار الكوارث، وهو ما يجعل الوقاية منها أمراً أكثر أهمية. فبحلول عام 2100، حتى بغض النظر عن تغير المناخ، قد تقفز قيمة الأضرار ذات الصلة بمخاطر الطقس إلى ثلاثة أمثالها لتصل إلى 185 مليار دولار سنوياً، وإذا ما أُضيفت إليها عوامل تغير المناخ فقد تتفاقم هذه الأضرار بما يتراوح بين 28 و 68 مليار دولار أخرى من جراء الأعاصير الاستوائية وحدها. وطبقاً لما ورد بالتقرير، فإن ما لحق بالممتلكات العقارية من أراض ومباني من أضرار خلال الفترة من 1970 وحتى 2008 بلغ مجموعه 2300 مليار دولار (بسعر الدولار في عام 2008)، وكانت الزلازل وموجات الجفاف هي السبب في الجزء الأكبر من هذه الخسائر.
ويظهر التقرير أيضاً أن ازدياد توسع ونمو المدن سيزيد من التعرض للأخطار، فبحلول عام 2050، قد يتضاعف عدد المعرضين لخطر العواصف والزلازل بالمدن الكبرى إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 1.5 مليار نسمة، ويصدُق ذلك أيضاً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تعرض مدنها التي تنمو بسرعة هائلة للعديد من الأخطار، ولاسيما في المناطق الساحلية.
ومن جانبه،يقول أمجد عباس شهر رئيس المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لإستراتيجية الأممالمتحدة الدولية للحد من الكوارث: "بحلول عام 2020، سيكون أكثر من 66 في المائة من السكان العرب يعيشون في مدن تواجه أخطاراً عدة وضائقة في الموارد.. ولذلك فإننا نشجع الحكومات العربية على البناء على ما يتضمنه هذا التقرير من شواهد وأدلة، كي تحدد وتحلل المخاطر الحضرية التي تواجهها وتنفذ إجراءات الحد من مخاطر الكوارث من أجل حماية اقتصاداتها وأجيالها القادمة، فالاستثمار اليوم من أجل غد أكثر أماناً ليس من قبيل الترف، بل هو إجراء لإنقاذ الحياة."
ويرى التقرير أن ازدياد التعرض للأخطار لا يعني بالضرورة ازدياد قابلية التأثر؛ فالكثير يتوقف على كيفية إدارة المدن.
أما أبورفا سانغهي، وهو أحد كبار الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي ورئيس فريق إعداد التقرير، فقال: "ما توصلنا إليه هو أنه عندما تتم الوقاية بالشكل الصحيح، فإنه حتى البلدان الفقيرة المعرضة للأخطار تتمكن من حماية سكانها بمرور الزمن. فليس ضرورياًً أن تكون العوامل الجغرافية قدراً لا مفر منه، وليس ضرورياًً أن نخشى المستقبل إذا ما بدأنا من اليوم العمل على الوقاية من الكوارث."