يبدو أن تداعيات زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان للقاهرة لن تقف فقط عند زيادة عزلة إسرائيل سياسيا وإنما ستمتد أيضا للنواحي الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بقضية تصدير الغاز المصري إليها . ففي 14 سبتمبر ، صرح وزير الطاقة التركي تانر يلدز بأن بلاده تعتزم التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط بالتعاون مع مصر وأنها تدرس استيراد الغاز منها ، لتكون مصر سادس دولة تستورد منها تركيا الغاز. وأضاف يلدز خلال مؤتمر صحفي في القاهرة أن بلاده ستتعاون مع مصر في قطاعي النفط والغاز ، معتبرا أن البدء في التنقيب في البحر المتوسط سيكون قريبا جدا . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشف يلدز أيضا أن تركيا تعتزم مد خط لنقل الكهرباء بين سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر وليبيا خلال سبع أو ثماني سنوات. واللافت للانتباه أن التصريحات السابقة جاءت بعد أن شهد الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء المصري ونظيره التركي رجب طيب أردوجان افتتاح فعاليات المنتدى الاقتصادي المصري التركي والذي أعلن شرف خلاله عن زيادة الاستثمارات التركية فى مصر من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار ورفع التبادل التجارى بين البلدين من 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات. ورغم أن شرف وأردوجان قاما بالتوقيع على عدد كبير من مذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون في مجالات الكهرباء والموارد الطبيعية والتجارة والسياحة والتعليم والإدارة العامة والإعلام والثقافة والرياضة ، إلا أن التعاون بين البلدين في مجال التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط واعتزام تركيا استيراد الغاز من مصر ضاعفا قلق إسرائيل . فمعروف أن هناك دعوات متصاعدة داخل مصر لوقف تصدير الغاز لإسرائيل أو على الأقل رفع سعره ، ولذا فإنه في حال رفضت تل أبيب رفع السعر ، فإن القاهرة قد توقف تصدير الغاز إليها وتعوض أية خسائر أو تعويضات محتملة في هذا الصدد عبر تركيا . أيضا ، فإن التعاون بين القاهرةوأنقرة في مجال التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط يوجه صفعة قوية لإسرائيل التي قامت مؤخرا بتوقيع اتفاقية مع قبرص لسرقة الغاز العربي والتركي خارج المنطقة الاقتصادية الخاصة بها . بل واللافت للانتباه أيضا أن مصر وتركيا اتفقتا على تطوير التعاون الاستثماري والتجاري بينهما ، مما سيمهد لإقامة شراكة اقتصادية حقيقية ومتطورة من شأنها أن تساعد أرض الكنانة على تجاوز الصعاب الحالية والعودة لدورها الريادي التاريخي وهو آخر ما تتمناه إسرائيل . ولعل ردود الأفعال الإسرائيلية على زيارة أردوجان للقاهرة ترجح صحة ما سبق وتعكس مدى الذعر الذي تعيشه تل أبيب . فقد نقلت قناة "الجزيرة" عن الخبير العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان القول إنه تم استقبال أردوجان في القاهرة باعتباره "بطلاً قومياً" وتساءل في هذا الصدد عما إذا كان سيعقد حلفاً إستراتيجياً تركياً مصرياً جديداً يهدد إسرائيل . وتابع فيشمان أن واشنطن لا يهمها تقارب اثنتين من دعائم سياستها في الشرق الأوسط كأنقرةوالقاهرة، لكن ليس على حساب الدعامة الثالثة تل أبيب. وشرح في هذا الصدد العلاقات بين القاهرةوأنقرة بقوله إنه في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ساد توتر راسخ مكشوف بين الدولتين اللتين قال إنهما تتنافسان على مقام الهيمنة في العالم الإسلامي، ولكن بعد ثورة 25 يناير وما أسماه ضعف مصر ظهرت لأردوجان فرصة الاقتراب منها بوصفها جزءا من مسار زيادة تأثيره في المنطقة. واستطرد فيشمان أن رئيس وزراء تركيا يحلم بتبني المصريين لنموذجه في رسم مستقبل بلدهم الجديد ، زاعما أنه جاء القاهرة لإظهار تفوقه في المنطقة . وانتهى إلى القول إن هناك حالة قلق تنتاب القيادات في تل أبيب بسبب ما قال إنها تطورات خطيرة ستلقى بالعلاقات مع أنقرة في "منزلق خطير" ، بل ولم يستبعد أن يتخذ أردوجان بعد زيارته للقاهرة سلسلة مما أسماها الخطوات العدائية الأخرى وعلى رأسها قطع كامل للعلاقات السياسية وتوقيع عقوبات اقتصادية على تل أبيب ستكبد شركاتها خسائر بمبلغ 400 مليون دولار على الأقل.
ومن جانبه ، ذكر المحلل الإسرائيلي يوسي آلفر أن أردوجان يسعى لتشكيل تحالف مع مصر لتعميق عزلة إسرائيل في المنطقة ، مرجحا أن يعرض المسئول التركي على القاهرة معونة مالية تحتاجها بشدة. وحمل آلفر في هذا الصدد تل أبيب مسئولية ما أسماها الأخطاء التي ترتكبها مع الأتراك ، مشيرا إلى أن إسرائيل لديها الكثير مما تخسره مع أنقرة ليس اقتصاديا فحسب، بل إقليمياً ، لدرجة أنها قد "تستدرج" لصدام مع تركيا . والخلاصة أن زيارة أردوجان للقاهرة جاءت في توقيت مناسب جدا لدعم مصر الثورة وخاصة بعد أحداث السفارة الإسرائيلية ، بالإضافة إلى مساندة الفلسطينيين في جهودهم للحصول على اعتراف بدولتهم المستقلة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .