أرسى الإسلام القاعدة الأساسية في التفرقة بين المقاتلين من الأعداء الذين توجّه إليهم الأعمال الحربية فيحلّ قتلهم، وغير المقاتلين الذين لا توجَّه إليهم الحرب فلا يحل قتلهم، فقصر القتال على الذين يقاتلون حقيقة أو حكماً، وهم العسكريون ومن في حكمهم، ومنع من قصد قتل المدنيين الذين لا يشتركون في القتال؛ وإن كانوا جميعاً يشتركون في صفة العداء للمسلمين. وفيما يلي بيان للأصناف الذين لا يجوز قتلهم في الحرب؛ لأنهم غير مقاتلين، فهم يتمتعون بالحماية من القتل، ما لم يوجد سبب يبيح قتلهم كما سيأتي:
1 النساء: لا ينبغي أن يقتل النساء في الحرب؛ لقوله تعالى :{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} البقرة: 190 والنساء لا يقاتلن، أو ليس من شأنهنّ القتال.
واتفق الفقهاء على أنه لا يجوز قتل النساء في حرب ولا في غيرها إلا أن يقاتلن حقيقة أو حكماً، فيكون عندئذ لا منجا منهنَّ إلا بقتلهن، فيجوز قتلهن مقبلات لا مدبرات. ومن هذا يُعلم حكم النساء اللائي يشتركن في القتال في جيوش الأعداء؛ حيث تجنّد بعض الدول النساء كما تفعل أمريكا وإسرائيل وغيرهما، فيشتركن في القتال اشتراكاً حقيقياً يبيح للمسلمين قتلهن.
2 الصبيان: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الصبيان أو الذرية؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوصي أمراء الأجناد بتقوى الله، ويوصيهم بمن معهم من المسلمين خيراً، ويقول: "لا تقتلوا امرأة ولا وليداً".
3 الرهبان وأصحاب الصوامع: ولا يُقتل الرهبان ورجال الدين الذين انقطعوا عن الناس في الصوامع؛ بحيث لا يقاتِلون ولا يساعِدون في القتال.
4- الشيوخ (كبار السن): الشيخ الفاني وهو من كبرت سنُّه فأصبح غير قادر على القتال ولا التحريض عليه، أو خرف عقله وزال فأصبح لا يعقل؛ فهو في حكم المجنون. وهذا لا يحل قتله.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سرية يقول: "لا تقتلوا شيخاً كبيراً".
5- الزمني أو أصحاب العاهات: لا يجوز قتل أصحاب الأعذار من العميان والزَّمْنَى أصحاب العاهات كالمقعدين ومقطوعي الأيدي والأرجل من خلاف، والمشلول، إذا لم يكن لهم رأي ولا تدبير في الحرب؛ لأن المبيح للقتل هو المقاتلة، وهؤلاء لا يتحقق منهم القتال ولا يقدرون على ذلك، ولا نكاية منهم للمسلمين، وكذلك لا يُقتل المجنون؛ لأنه غير مكلَّف إلا أن يكون واحدٌ من هؤلاء يقاتل؛ فلا خلاف في أنه يُقتل عندئذ؛ لأنه يباشر القتال ويشترك فيه.
6 العُمال والفلاحون: جاءت النص بمنع قتل العُسَفاء والفلاحين؛ قال – صلى الله عليه وسلم- "لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً".
7 حكم قتل الأقارب: يراعي الإسلام النواحي النفسية والإنسانية ويُعْلي من شأنها في العلاقات الدولية وغيرها؛ ولذلك نجد الفقهاء يتناولون هذه الجوانب بالبحث، ومن ذلك حكم قتل المسلم لقريبه المشرك في الحرب. ويحكم هذه المسألةَ قاعدةٌ عامةٌ هي: تحريمُ قصدِ قتل الأصل المشرك وإن علا من أي جهة كان-كالأب والجد- أو البدء بقتله، وجواز البدء بقتل سائر الأقارب المشركين من الأرحام وغيرهم، وقتل الأب لابنه في الحرب.
8 الرسل والسفراء: اتفق الفقهاء على عدم جواز قتل الرسل والسفراء ولذلك لا يُقتلون في الحرب؛ لأن الرسل آمنون حتى يبلّغوا الرسالة؛ قال الإمام الشافعي: يقتل كل كافر إلا الرسل، حتى وإن كان معهم كتاب بتهديد أو قول بتهديد.