قبل امتحانات الثانوية العامة بستة أشهر وجب التنبيه من باب وتواصوا، الذي حضنا عليه ديننا الحنيف.
إنَّ الناس عند مستوى تفكيرهم، فإنْ فكروا بطريقة الكبار كانوا كباراً، وإنْ فكروا بطريقة الصغار كانوا كذلك، فهناك من يُفكر ليرتقي بنفسه وبمن حوله إلى سماء النور والشفافية، وهناك من يفكر فيَجُرُّ نفسه ومن حوله إلى هوة سحيقة مظلمة من الشك والقلق، ومن ثم الغرق في بحور التفاصيل والتعقيد القاتل للثقة والإبداع.
هناك من يهوى صناعة الشك والريبة في كل شيء و حول كل شيء أو أي شيء، مُزيناً نفسه بالحرص على الصالح العام، وهي كلمة حق يُراد بها باطل، فليس اصطياد الأخطاء والانشغال بالقشور والسطحيات دون الجوهر إلا إشباعاً لغرور ذاتي ورغبة في قهر الغير وإذلالهم، ووضعهم تحت ضغط الخوف مقصلة الرعب، بحجة الحيطة والحذر، وليس إهدار الوقت والجهد والمال في نظم قواعد الروتين إلا إهداراً للمال العام.
فأمام دبوسين مَرشوقين في كراسة إجابة امتحان الثانوية العامة أقام هواة الروتين سجناً مُمعناً من القهر والإذلال لكل من رماه قدره البائس في أتون العمل بلجان الثانوية العامة إدارياً كان أو ملاحظاً أو مراقباً، أو رئيس لجنة.. كل هؤلاء - وأقلهم قد قضي في الخدمة ما لا يقل عن خمسة عشر سنة - يقفون حيرى أمام عجائب الدبوسين، التي لا تنقضي!.
ففوق من يعانيه الجميع من إرهاق بدني ونفسي جراء جو مشحون بالتوتر، خلَّقه الإعلام حول الثانوية العامة، أو سببته التعليمات الإدارية الموغلة في التفاصيل والمُرهقة لهيئة الملاحظة والمراقبة للجان امتحانات الثانوية، أو أحدثه سفر طويل مُنهك من محافظة لأخرى.. جاءت «فزورة» الدبوسين لتضيف قلقاً فوق قلق، و تعباً فوق تعب، و هماً فوق هم، لا لشيء إلا أن «الدبوسين الكريمين» رفضا أن يثبتا على حال!، وتلك هي شروط الدبوسين:-
(1) يجب أن يكون بالكراسة دبوسين اثنين لا أكثر ولا أقل.
(2) يجب أن يكون الدبوسين متماثلين حجماً وشكلاً وبريقاً.
(3) يجب أن يكون الدبوسين مُثبتين بطريقة سليمة ولا يُسمح لأحد أرجل الدبوسين أن تتزحزح عن مكانها ولو لجزء من الملليمتر.
(4) لا يجوز لأي رجل من أرجل الدبوسين أن تكون مثنية في الاتجاه المُعاكس.
(5) لا يجب أن يكون في الورقة آثار لتدبيس دبوس ثالث تم نزعه من كراسة الإجابة.
(6) ثم مع ما تلاقيه كراسة الإجابة من نقل وفرز، ثم ثني وفرد من الطالب، ثم تجميع وعدٍّ وفحص، ثم تظريف ونقل، ثم حمل ووضع و«رزع»، ثم عدٍّ وفحص.. لا يجب بعد كل هذه المكابدة أن تترك أي رجل من أرجل الدبوسين أي ورقة من ورقات كراسة الإجابة، أو تتحرك من مكانها، وإلا قامت الدنيا!.
وبعد، فالتحقيق الإداري جاهز للجميع لو تمكن عضو الكنترول من الإمساك بدبوس لا تتحقق فيه الشروط السابقة، ما لم يتم عمل محضر إثبات حالة بخلل الدبوس داخل اللجنة، ذلك إن حدث الخلل داخل اللجنة، أو يثبت التحقيق أن الخلل في الدبوس العجيب قد حدث في مكان آخر غير لجنة الامتحان عبر المراحل المتعددة التي تمر بها كراسة الإجابة.. فأيٌّ دبوس هذا، وأي منطق هذا؟!.. وهل يُعقل أن يسافر عضو لجنة الثانوية العامة لأكثر من 160 كم يومياً في الذهاب والعودة من أجل مراجعة مواقع الدبابيس في كراريس الإجابة؟!.
لقد أضحي عضو لجنة الملاحظة والمراقبة يشعر بالتضاؤل أمام نفسه، وبالمهانة أمام من حوله، وهو يخضع لتحقيق إداري بسبب دبوس لم تثبته المطبعة جيداً، أو تلاعب فيه طالب، أو تحرك جراء الفرز والعدِّ والفحص، أو بسبب النقل، أو الحمل والحطِّ.. فهل هذه هي المكانة التي يستحقها معلم الأجيال؟!.. أن يكون دائماً محل شك..!!.
وحتى لا نطرح مشكلة بلا حل.. اقترح الحل الآتي مستقبلاً، لو تمسكنا بنظام الامتحان عن طريق الورقة:-
(1) أن تكون كراسة الإجابة مصممة بنظام «المطوية أو الأكورديون» بمعني أن تكون ورقة واحدة كبيرة يتم ثنيها بعدد الورقات المطلوبة وبحجمها، ويكون للورقة حجم معروف وثابت في جميع كراسات الإجابة، على أن تكون صناعة الورقة من خامة جيدة.
(2) إن لم يكن ما سبق متاحاً فيجب جعل أوراق الكراسة بنظام الورق المجوز وأن يثبت الدبوسين بحيث تكون رأسيهما ناحية الداخل إلى منتصف كراسة الإجابة كأي كراسة.
(3) أن يوضع إقرار واضح على غلاف كراسة يقضي بمسئولية الطالب عن كراسة إجابته مسئولية كاملة وعن سلامة الدبوسين متى تسلمها من الملاحظ ودوَّن بياناته عليها!.
أرجو أن تصل هذه الرسالة بكل ما تحمله من ألم وأمل إلى السادة المسئولين.. أرجوكم ارحمونا من الدبوس!.