الناسُ عند مستوي تفكيرهم، فإن فكروا بطريقة الكبار كانوا كذلك، وإن فكروا بطريقة الصغار كانوا كذلك أيضاً، إذ هناك من يفكر فيجرٌّ نفسه ومن حوله إلى هوة سحيقة مظلمة من الشك والقلق، ومن ثم الغرق في بحور التفاصيل والتعقيد القاتل للانطلاق والإبداع، وهناك من يفكر فيرتقي بنفسه وبمن حوله إلى سماء النور والشفافية والثقة والإبداع. هناك من يهوي صناعة الشك والريبة حول كل شيء أو أي شيء مزيناً نفسه بالحرص على الصالح العام، وهي كلمة حق أريد بها باطل، فليس اصطياد الأخطاء والانشغال بالقشور دون الجوهر إلا إشباع لغرور ذاتي ورغبة في قهر الغير، ووضع الآخرين تحت ضغط مستمر، بحجة الحيطة والحذر. فأمام دبوسين مرشوقين في كراسة إجابة امتحان الثانوية العامة أقام هواة الروتين سجناً مُمعناً من القهر والإذلال لكل من رماه قدره البائس في أتون العمل بلجان الثانوية العامة إدارياً كان أو ملاحظاً أو مراقباً، أو مراقباً أول، أو رئيس لجنة.. كل هؤلاء - وأقلهم قد قضي في الخدمة ما لا يقل عن خمسة عشر سنة - إذ يقفون حيري أمام عجائب الدبوسين!. ففوق من يعانيه الجميع من إرهاق بدني ونفسي من جراء مجال مشحون خلقه الإعلام حول الثانوية العامة، أو مما سببته التعليمات الإدارية الموغلة في التفاصيل والمرهقة لهيئة الملاحظة والمراقبة للجان امتحانات الثانوية.. جاءت «فزورة» الدبوسين لتضيف قلقاً فوق قلق، و تعباً على تعب، و هماً فوق هم، لا لشيء إلا أن «الدبوسين الكريمين» رفضا أن يثبتا على حال..!. (1) يجب أن يكون بالكراسة دبوسين اثنين لا أكثر ولا أقل. (2) يجب أن يكون الدبوسين متماثلين حجماً وشكلاً وبريقاً. (3) يجب أن يكون الدبوسين مثبتين بطريقة سليمة ولا يُسمح لأحد أرجل الدبوسين أن تتزحزح عن مكانها ولو لجزء من الملليمتر. (4) لا يجوز لأي رجل من أرجل الدبوسين أن تكون مثنية في الاتجاه المُعاكس. (5) لا يجب أن يكون في الورقة آثار لتدبيس دبوس ثالث تم نزعه من كراسة الإجابة. (6) ثم مع ما تلاقيه كراسة الإجابة من نقل وفرز، ثم ثني وفرد من الطالب، ثم تجميع وعدٍّ وفحص، ثم تظريف ونقل، ثم حمل ووضع و«رزع»، ثم عدٍّ وفحص.. لا يجب بعد كل هذه المكابدة أن تترك أي رجل من أرجل الدبوسين أي ورقة من ورقات كراسة الإجابة، أو تتحرك من مكانها!. وبعد.. فالتحقيق الإداري جاهز للجميع لو تمكن عضو الكنترول من الإمساك بدبوس لا تتحقق فيه الشروط السابقة، ما لم يتم عمل محضر إثبات حالة بخلل الدبوس داخل اللجنة، ذلك إن حدث الخلل داخل اللجنة، أو يثبت التحقيق أن الخلل في الدبوس قد حدث في مكان آخر غير لجنة الامتحان عبر المراحل المتعددة التي تمر بها كراسة الإجابة.. فأيٌّ دبوس هذا، وأي منطق هذا؟!.. وهل يُعقل أن يسافر عضو لجنة الثانوية العامة لأكثر من 160 كم يومياً في الذهاب والعودة من أجل مراجعة مواقع الدبابيس؟!. لقد أضحي عضو لجنة الملاحظة والمراقبة يشعر بالتضاؤل أمام نفسه، وبالمهانة أمام من حوله، وهو يخضع لتحقيق بسبب دبوس لم ثبته المطبعة جيداً، أو تلاعب فيه طالب، أو تحرك جراء الفرز والعدِّ والفحص، أو بسبب النقل، أو الحمل والحطِّ.. فهل هذه هي المكانة التي يستحقها معلم الأجيال؟!.. أن يكون دائماً محل شك..!!. وحتى لا نطرح مشكلة بلا حل.. اقترح الحل الآتي مستقبلاً، لو تمسكنا بنظام الامتحان عن طريق الورقة.. اقترح: (1) أن تكون كراسة الإجابة مصممة بنظام «المطوية أو الأكورديون» بمعني أن تكون ورقة واحدة كبيرة يتم ثنيها بعدد الورقات المطلوبة وبحجمها، ويكون للورقة حجم معروف وثابت في جميع كراسات الإجابة، على أن تكون صناعة الورقة من خامة جيدة. (2) أن تسلسل ورقات كراسة الإجابة من أعلي الصفحة ومن أسفل الصفحة بالرقم والحرف. أرجو أن تصل هذه الرسالة بكل ما تحمله من ألم وأمل إلى السادة المسئولين.. أرجوكم ارحمونا من الدبوس!. ------