" كيف أنعى من سكن الوطن قلبه فصار جمال بدوى فى قلب الوطن " هذا ما قالته الكاتبة و الصحفية نعم الباز ، عند رحيل أشهر مؤرخى العصر الحديث الكاتب الصحفى و المؤرخ محمد جمال الدين إسماعيل البدوى ، المعروف بجمال البدوى ،أمس مر 5 أعوام على ذكرى رحيل المؤرخ الكبير الذى لقب ب " جبرتى العصر " و " شيخ الصحافة المتحرر " و " الحارس على ذاكرة الأمة " . يعد جمال بدوي من الجيل الأول في الصحافة المصرية حيث تخرج في كلية الآداب قسم الصحافة في الخمسينيات ، و هو ما يزال طالبا اختاره الكاتب الكبير مصطفى أمين للعمل بجريدة أخبار اليوم ، و ترأس في أخبار اليوم قسم التحقيقات ، كما عمل في صحيفة ''الاتحاد'' الإماراتية منذ تأسيسها ، أسس الراحل جمال بدوى جريدة "صوت الأزهر" عام 1999، و شارك فى تأسيس صحيفة الوفد وكان رئيس تحريرها ، إلى أن استقال وعاد إلى ''أخبار اليوم''. وتخصص في كتابة الدراسات التاريخية في صحف مؤسسة ''اخبار اليوم'' ومجلة ''المصور'' و''الجمهورية'' و''الاتحاد'' و''الشرق'' القطرية. ولد جمال في مدينة بسيون بمحافظة الغربية عام 1934 ، و هو من أشهر المؤرخين في العصر الحديث ، تخصص جمال بدوى في كتابة الدراسات التاريخية وتعمق في أغوار التاريخ المصري خاصة الإسلامي ، وكان يرى أن التاريخ ليس مجرد حكايات تروى أو قصصاً للتسلية ، وإنما يجب أن يكون مصدراً للإزعاج وناقوساً للتنبيه لتعريف الشعب المصري بعظمة تاريخه وأصالة حضارته .. وزيادة وعيه وإدراكه بحجم التاريخ الذي يملكه . كتب في الشأن العام والتاريخ والسياسة والفكر وقدم البرامج في الإذاعة والتليفزيون ، يحكى فيها تاريخ مصر ، وكان يتميز حديثه ببساطة الإلقاء وسلاسة الحكي وعمق الثقافة وغزارة المعلومات ، ومن أشهر هذه البرامج "حكايات مصرية" "قطايف" "من ذاكرة الكاميرا" "ستائر النسيان" . أصدر بدوى حوالي عشرين كتابا في الفكر والتاريخ، منها "في محراب الفكر" ، و"محمد على وأولاده" ، و"مسرور والسياف.. واخوانه" ، و"مسلمون وأقباط من المهد إلى المجد" ، "في دهاليز الصحافة" ، و"الطغاة والبغاة" ، و"مصر من ناقة التاريخ"، و"مسافرون إلى الله بلا متاع" و"الوحدة الوطنية بديلا عن الفتنة الطائفية" و"حدث في مصر"، و"معارك صحفية"، و"المماليك على عرش فرعون"، و"حكايات مصرية"، و"أنا المصري"، و"من عيون التراث". ونال على عطائه الغزير وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1995 ، كما حصل على الجائزة الأولى من صحيفة ''الشرق الاوسط'' عن أفضل مقال نشر عام 1996 وحاز كتابه ''أنا المصري'' على أوسكار أفضل كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام .2004 دخل جمال بدوى العديد من المعارك الصحفية التي ساهم فيها بقلمه الجرئ ومنها معركته الشهيرة ضد الصحافة الصفراء ، كذلك نذكر معركته ضد قانون اغتيال حرية الصحافة رقم 93 لعام 1995 . رحيل جمال البدوى كان خسارة حقيقية هذا ما أكده الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بقوله : إن رحيله المفاجئ خسارة بكل المعايير وهى خسارة أكبر من شخصية ومهنية وإنما هى خسارة وطنية وإنسانية . كما قال عنه صلاح منتصر : رغم أنه كان محسوباً على المعارضة إلا أن الذين كان يعارضهم يحترمونونه ويقدرونه لإحساسهم بنزاهته ونقائه .، " سيحفظ التاريخ إسم جمال بدوى مع أبرز الأسماء اللامعة للرحالة والمؤرخين الأفذا الذين خلدتهم أثارهم القيمة وكتاباتهم الممتعة مثل هيرودوت و إبن بطوطة " هذا ما قاله عنه عمرو الديب . من مقولات جمال بدوى الخالدة : “نقرأ في الكتب المقدسة عن النهايات المأساوية للطغاة و الجبابرة ... مع ذلك فلا تزال الأرض تنبت في كل يوم طغاة و جبابرة”
و فى حديثه عن الطغاة فرد الكثير من الصفحات فى كتبه و هذة أجزاء من كتابه مسرور السياف و أخوانه ، و كتابه الطغاة و البغاة ، فى كتابه الأول يتناول مسرور السياف ليس كشخص وانما كرمز للظلم والبطش وانتهاء حياة الفرد بكلمة من من فم حاكم لمجرد شك أو هوى فى نفسه ، و يقول البدوى فيه : " كان هذا نهج الطغاة فى كل العصور فى الشرق و الغرب، وكان الأباطرة والملوك و البابوات يتصرفون فى أرواح البشر كما يتصرفون فى أملاكهم الخاصة.. وانتقلت أنظمة الحكم الفاسدة إلى الحكومات الإسلامية، وتحول الخلفاء والسلاطين والولاة - بعد عصر الراشدين - إلى أنصاف ألهة، لا راد لإرادتهم ولا معقب على حكمهم، فهم الحكام وهم الخصوم والقضاة والمحققون والمنفذون.. لا مجال للفصل بين السلطات.. ولا مكان للتحقيق والتمحيص واعتبار المتهم بريئا حتى تثبت براءته !! ونحن عندما ننتقد تصرفات هؤلاء الحكام المستبدين، فإننا لا نحاسبهم بحساب عصرنا.. ولا نلومهم لأنهم لم يأخذوا بالأساليب القانونية والقاليد الديموقراطية التى تصلت إليها المجتمعات العصرية، وإنما نحاسبهم بمقتضى الأصول الإسلامية التى أمرت بالعدل و الإحسان، وحرمت الجور وجرمت الظلم، وحفظت دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وجعلت لروح الإنسان حصانة لا مس إلا قصاصا.. ولكنهم لجتنبوا هذه التعاليم السامية والمبادئ الراقية التى جاء بها الإسلام.. و أخذوا بما كانت عليه الأمم الغابرة من استبداد وظلم. ولقد رأيت أنه من المفيد أن نستخرج من هذه الصفحات من تاريخنا ونقرأها جيدا ليكون لنا فيها عبرة.. ونحذر من الوقوع ى شرك الاستبداد والطغيان.. ونحمى أنفسنا من عبث مسرور السياف و إخوانه " و قال فى كتابه الطغاة و البغاة : إذا دخل الاستبداد من الباب، هربت الحرية والكرامة والأمن وحقوق الإنسان من النافذة، لأن الاستبداد لا يدخل وحده، وإنما يصحبه الإرهاب والبطش والترويع، عنئذ يتحول الناس إلى كائنات هلامية، حسبهم من الحياة أن يعيشوها في سكون، وأن ينتهي بقاؤهم فيها دون أن يمسهم طائف من العذاب. إنها حياة أشبه بحياة القطيع ليس فيها من النشاط الإنساني سوى إشباع الغرائز، أما إشباع العقل وغذاء الروح الارتقاء بالتفكير.. فكلها أنشطة تخضع لسيطرة المستبد الذي يسعده أن تتحول الرعية إلى إمعات معدومة الشخصية، تميل حيث تميل الريح.. ولا تسبح أبداً ضد التيار. والحرية معاناة وممارسة.. وشقاء وعذاب.. ولكي تتذوق حلاوة الحرية لابد أن تدفع مهرها.. فالحلاوة التي بلا نار لم تخلق بعد.. أتحدث عن الحرية كما ينبغي أن يمارسها كل إنسان دون أن يكون بطلاً أو شهيداً.. حقك في أن تعيش حراً في مجتمع حر.. تعبر عن رأيك دون أن تخشى الملام.. حقك في أن تمارس حريتك السياسية.. وحريتك الاقتصادية.. وحقك أن تختار الحاكم وتنتقده وتحاسبه إذا أخطأ.. وتغيره إذا خرج على حدود العدل والإنصاف.. لم تقدم الإنسانية ظهور ناس شرفاء ينتصرون للخير ويقفون إلى جانب العدل، ويحتقرون الظلم، أولئك هم المفكرون الأحرار الذين كانوا يجهرون بالحق ويشيعون في الناس دعاوي الحرية، ويؤلبونهم على كل مظاهر الفحش والفجور التي يمارسها الطغاة بمساعدة المأجورين من رجال الدين.. والسياسة " و نختم بقول عبد النبى عبد البارى " كان جمال بدوى "كما جاء فى نعيه بحق" قريب ونسيب وحبيب جميع أفراد الشعب المصرى ."