انتقل السجال حول مسألة ارتداء الحجاب من مدارس روسيا إلى العاملات في مفاعل "بوشهر" النووي بإيران ، نظراً لعدم التزام الروسيات التي تعمل بالمفاعل النووي بارتداء الحجاب . فالقانون الإيراني ينص على وجوب أن تغطي النساء كامل الجسم وتغطية الشعر بالكامل في الأماكن العامة، كما يحظر الاختلاط بين الرجال والنساء من غير الأقارب. وتشير المصادر إلى أن 3000 موظف يعملون في منشآت بوشهر النووية 2500 منهم من الروس و500 من الإيرانيين ويسكن الروس في حي مخصص لهم بالقرب من المفاعل يحظون فيه بكافة الحريات، بالإضافة إلى تمتعهم بالحصانة الدبلوماسية الخاصة، وعدد كبير من المهندسين الروس العاملين في مفاعل بوشهر النووي يعيشون مع أسرهم في ميناء بوشهر.
"بدل حجاب"
فقد أثارت تصريحات النائب الإيراني مهدي موسوي نجاد حول هذا الموضوع جدلا واسعاً ، حيث أعلن أن الموظفات الروسيات في محطة بوشهر النووية يتقاضين من إيران علاوات على الرواتب لارتداء الحجاب لكنهن لا يلتزمن به.
وقال النائب المحافظ ان الموظفات الروسيات "غالبا ما يأتين إلى المدينة. وعدم احترامهن لوجوب ارتداء الحجاب قد يؤدي إلى الفسق والى نتائج سلبية على القيم الاجتماعية في المنطقة" . مضيفًا انهن يظهرن في أسواق وشوارع ميناء بوشهر دون مراعاة الحجاب.
وأكد موسوى، ان دفع بدل حجاب للروسيات في بوشهر يعد تحقيرا للشعب والحكومة والسلطة في إيران.
وتابع "عندما يدفع طرف المال لارتداء الحجاب، فعلى الطرف الآخر الالتزام بتعهداته، وخاصة أن الموظفات الروسيات غالبا ما يأتين إلى المدينة".
وفي الوقت الذي أكد النائب الإيراني على "ضرورة مراعاة القوانين والثقافة الإيرانية والإسلامية"، دعا السلطات إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لحل هذه "المشاكل على وجه السرعة".
احترام القانون
واحتجت مواقع إيرانية على دفع مبالغ للروسيات، رغم أن الدستور الإيرانى يقر ضرورة ارتداء الحجاب فى البلاد لجميع النساء.
وتساءلت هل الحكومة الإيرانية، أن تدفع مبالغ مالية للأجانب حتى يحترموا سيادتها السياسية والحقوقية؟، وانتقدت سياسة التفريق بين الروسياتوالإيرانيات.
ونشر موقع "عصر إيران" المحافظ مقالا بهذا الخصوص جاء فيه: "في الوقت الذي لا نستطيع إيجاد حل لإساءة استخدام الحجاب من قبل الإيرانيات، بالرغم من السياسات الإرشادية والإجراءات العقابية، كيف يمكن إيقاف إساءة استخدام الحجاب من قبل الروسيات المقيمات في إيران.
ولكن موقع "عصر إيران" أكد أن المادة الرابعة من الدستور الإيراني تفسر ضرورة ارتداء الحجاب من قبل المواطنات الروسيات في إيران، معتبرا ذلك يتطابق مع السيادتين السياسية والتشريعية الإيرانية.
وتساءل موقع "عصر إيران" بالقول: "لماذا تدفع الحكومة الإيرانية بدل الحجاب للروسيات، هل يجوز دفع بدائل لمواطني الدول الأخرى إزاء التزامهم بقوانين البلد المضيف، هل على الحكومة الإيرانية أن تدفع مبالغ مالية للأجانب حتى يحترموا سيادتها السياسية والحقوقية، هل تدفع روسيا "بدل احترام القانون" للمواطنين الإيرانيين على أراضيها، كيف يمكن أن تتعرض المواطنة الإيرانية للعقوبة نتيجة لعدم مراعاة الحجاب ولكن تتلقى المواطنة الروسية مبالغ مالية لتراعي الحجاب"، حسب ما جاء في الموقع.
تقليد غريب
وجاءت تصريحات النائب الايراني بعد أيام من اعتراض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ارتداء الحجاب في المدارس الروسية، معلقا "في ثقافتنا – اقصد الاسلام التقليدي- لم يكن الحجاب موجودا".
وقال الرئيس الروسي خلال مؤتمر صحفي كبير عقده يوم 20 ديسمبر/كانون الأول بموسكو "تقول الشخصيات المؤثرة في دول العالم الاسلامي، بانه لا حاجة لارتداء الحجاب، ونحن نحاول إدخال تقاليد غريبة عنا. لماذا؟".
وكان مجلس المفتين في ستافروبل في أكتوبر / تشرين الاول عام 2012 قد اعلن، بان اولياء أمر بعض التلميذات المسلمات يشتكون من منع بناتهم مدة أسبوعين من دخول المدرسة بالحجاب. وحينها علق ديمتري ليفانوف وزير التعليم على ذلك بقوله، ان ارتداء الحجاب لا يتعارض مع القواعد المعمول بها في مؤسسات التعليم ومع التقاليد العامة.
وما أثار النقاش الحاد هو منع خمس فتيات من ارتياد المدرسة رقم 12 في قرية صغيرة بمقاطعة ستافروبول الروسية القريبة من القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، ورفع أهل الفتيات دعوى قضائية لمنعهن من الانضمام لزميلاتهن في الفصل الدراسي الجاري.
بعد ذلك أصبحت مسألة ارتداء الحجاب موضع نقاش على أعلى المستويات. وكان الرئيس بوتين قد علق على الموضوع في 18 أكتوبر / تشرين الأول، مشيرا إلى ضرورة احترام المشاعر الدينية، ولكن انطلاقا من علمانية الدولة الروسية.
وأعرب بوتين عن رفضه السماح بارتداء الحجاب في المدارس ، وقال في لقاءه مع ممثلي الجبهة الشعبية الروسية العامة: "ينبغي النظر إلى كيفية حل هذه المسائل لدى جيراننا في الدول الأوروبية وحينها ستبدو الأمور جلية للعيان". وأضاف :"يتوجب فعل ذلك بهدوء، في شكل مقبول دون إيذاء مشاعر أحد في الحوار مع الطوائف".
وأردف بوتين: "إذا ما سمحنا بالتحرك في اتجاه آخر... نحن لدينا 80% من السكان ينسبون أنفسهم إلى الأورثوذكسية، وذلك يعني أن ممثلي الأديان الأخرى سيشعرون بهضم حقوقهم"، مشددا:" من الأفضل أن ندع الجميع يشعرون بالمساواة".
غير قانوني
من جانبه اعتبر موفد الكرملين لحقوق الإنسان بافل إستخانوف تصرف مديرة المدرسة غير قانوني، وكان يمكن لهذا التوصيف أن يهدأ من سخونة السجال بانتظار أن يبت القضاء بالدعوى التي رفعها ذوو التلميذات الخمس، لكن تصريحات الرئيس الروسي أشعلت الموقف.
وأضاف موفد الكرملين إن ربط الرئيس بوتين موقف بلاده من الحجاب برؤية الكيفية التي ستعالج بها الدول الأوروبية هذه القضية يزج الحادثة، موضع السجال، في دائرة سجال أوسع يتعارض مع تركيبة المجتمع الروسي وثقافته، ولا يستفيد من ميراث التعايش بين الأديان في روسيا، وقوامه تسامح لا يقوم على رفض الآخر بالشكل الموجود في الثقافة الأوروبية الغربية، فالمسلمون في روسيا ليسوا مهاجرين بل مواطنين أصليين، والديانة الإسلامية في روسيا ليس ديانة وافدة حديثاً، كما هو الحال في أوروبا الغربية، بل دخلت إليها قبل الديانة المسيحية، فقد دخل الإسلام روسيا في القرن التاسع الميلادي عندما اعتنقه البلغار الروس الذين كانوا يعيشون حول نهر الفولغا الروسي، وشكلوا لأنفسهم مقاطعة كبيرة هناك أعلنوا بعدها الإسلام ديناً رسمياً لهم.
ولم يشهد التاريخ أي حروب دينية أو طائفية في روسيا، لا بل لم يشهد التاريخ أي خلافات كبيرة ذات شأن يذكر بين المسلمين الروس والكنيسة الروسية، وقد عبّر الرئيس فلاديمير بوتين -في تصريح سابق- عن ذلك بقوله "إن مسلمي روسيا تميزوا دائماً بالتسامح وحب السلام والتعامل الطيب مع تقاليد حسن الجوار والتفاهم المتبادل، وأنا مقتنع بأنهم يساهمون في تطوير الحوار بين الأديان وتعزيز التوافق والتعاون بين الناس".
ولا ريب في أن سجل تعايش الأديان والتمازج الثقافي في روسيا نموذج فريد من نوعه، بكونه من مشتملات الإرث الروحي الغني لشعب روسيا متعدد القوميات، جدير به أن يعمم كنموذج على التعايش الإسلامي- المسيحي يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تقتدي به في مواجهة تفشي نزعات "الإسلاموفوبيا" في المجتمعات الأوروبية، ولتجنب الشطط في سن قوانين أو اتخاذ إجراءات تمس بحرية المعتقد، كمبدأ لا يسري على المسلمين فقط بل باعتباره أحد المبادئ الدستورية الديمقراطية والعلمانية. لذا إن روسيا مؤهلة كي تعمم فهماً خلاقاً لحرية المعتقد الديني، والمساواة بين جميع المواطنين وتمكينهم، بما يتفق مع دولة القانون العلمانية.
وفي الوقت الذي يدور فيه النقاش في روسيا حول ارتداء تلميذات للحجاب، نجد أن بعض الدول الأوروبية، مثل في فرنسا، دار النقاش في السنوات الأخيرة حول النقاب الكامل، بما فيه غطاء الوجه، وفي المثال الفرنسي حسم مجلس الدولة السجال من خلال قرار قضائي صادر عنه -تشرين الثاني (نوفمبر) 1992- اعتبر فيه أن أحكام النظام الداخلي للثانوية الذي ينص على أن "حمل الإشارات المميزة، ملابس أو غير ذلك من أصل ديني، أو سياسي، أو فلسفي، ممنوع منعا باتاً"، أحكاماً غير قانونية، لأن مثل هذه الأحكام بعمومية عباراتها أقامت في الواقع منعاً عاماً ومطلقاً، غير معترف بحرية التعبير المعترف بها للتلاميذ في إطار مبادئ الحيادية وعلمانية التعليم العام، وعليه فإن إقرار طرد عدد من التلميذات -من بعض المدارس الفرنسية- المتخذ على قاعدة هذا المنع العام غير قانوني ويجب أن يُلغى.
مواد متعلقة: 1. الحجاب يظهر في البرلمان البريطاني 2. حقوقي ينتقد استمرار حظر الحجاب في تركيا 3. الرئيس الروسي يزعم: "الحجاب" تقليد غريب عن "إسلامنا التقليدي" !