كنت في نقاش مع أحد الاصدقاء عن الأوضاع في مصر ، وكان هذا الصديق ممن يصنفون انفسهم باعتباره من الاسلاميين وبعد نقاش ساخن قال لي وهو في قمة الحزن “ان ما أراه في مصر الآن هو صراع ليس بين الاسلاميين و المدنيين ولكنه صراع بين من يؤيدون الثورة ,وبين اعداءها” ورغم ان كلمة صديقي بها قدر من التجاوز نتيجة الحالة النفسية السيئة التي وصل اليها معظم الناس نتيجة للأوضاع في مصر ، فان قدر آخر من كلام صديقي صحيح. فما يحدث من بعض القوى الآن في مصر يذكرني بطفل جلس يبكي ويطالب ويصرخ من اجل احضار حاسب آلي له ،وكذلك فعل شقيقه الاكبر ،وعندما احضر له والده الحاسب وطلب منه ان يستعمله هو وشقيقه الاكبر وبعد فترة ظهر تفوق شقيقه الاكبر عليه في استخدام الحاسب، فقرر الطفل معاودة البكاء والصراخ مرة اخرى ولكن ليس من اجل ان تتاح له الفرصة كشقيقه لاستخدام الحاسب الآلي ولكن من اجل ان يعيد والده الحاسب للبائع ويعود المنزل مرة اخرى بدون حاسب ، لا لشئ إلا ان شقيقه بدا في التعاطي الايجابي مع الحاسب وبدا في انجاز بعض الاشياء من خلاله ، وبدلا من ان يحاول الطفل هو ايضا ان يتعلم كيفية التعامل مع الحاسب طلب اعادته مرة اخرى فهو يرى ان بيتا بلا حاسب خير الف مرة من بيت به حاسب ولكنه لا يستطيع ان يناظر اخاه في طريقة التعامل معه.
يؤسفني القول أن هذا هو ما حدث بالضبط مع الثورة المصرية ، فبعدما خرجنا جميعا من الثورة ونحن يد واحدة ، وبدأ فصيل سياسي معين في التعاطي الايجابي مع حركة الشارع من خلال النزول له والاستجابة لبعض من تطلعاته في حياة كريمه ، وبعد ان اقتنع الشارع بما وعدوا به وصوت لهم في كل انتخابات او استفتاءات جرت بعد الثورة،رأت بعض الفصائل السياسية الاخرى ان نظام ما قبل الثورة كان افضل فقد كان لهم فيه شبه دور نتيجة رغبة من جانب النظام البائد في توزيع بعض الادوار على بعض منهم رغبة في تجنب تحولهم الى معارضة راديكالية متشددة
اما في نظام ما بعد الثورة فلن يكون لهم دور اي دور إلا من خلال صندوق الاقتراع وهم ما زالوا يؤمنون انه من الصعب عليهم ان يعطوا هذا الشعب غير المؤهل من وجهة نظرهم حق تقييمهم فهم كما يرون انفسهم وليسوا كما يراهم الآخرون ، بل وصل البعض منهم الى المقارنة بين هذا العهد والعهد البائد وتفضيل البائد على الحالي وحاول البعض الاخر ضم بعض من عناصر النظام البائد مثلما المح كبيرهم في صحيفة اجنبية .
إن القضية الآن ليست نزاعا بين من يحكمون وبين من لا يحكمون ولكنها نزاع بين من يؤمنون بحق هذا الشعب في الاختيار وبين غير المقتنعين بأي ولاية للشعب لنقص وعيه واميته وفقره ووووووو ................
كلي ايمان بان الثورة مستمرة من اجل الحرية والعدالة والخبز والكرامة الانسانية ، ولن تتحقق هذه الشعارات إلا اذا اعطيت السلطة للشعب وأن اي سياسي لن يكون له دور في مصر الثورة إلا اذا خرج من هذا الاستوديو الكائن في مدينة الانتاج الاعلامي ، أيا كان اسم القناة الفضائية ، وقرر النزول الى الشعب القائد والمعلم والملهم ليعرف مطالبه ويوعيه بحقوقه وواجباته وما عدا ذلك فهو حرث في ماء لن يجد شيئا وسيكون ذلك حتما في صالح هذا الفصيل الذي لديه قناعة كاملة بان الشارع لا غنى عنه في اي منافسة سياسية ، لذا فهم يلحون في كل تحدي معهم انهم يريدون الاحتكام للشعب فهو الوحيد مصدر شرعيتهم . كفانا سبا في بعضنا البعض كفانا تخوينا وتسفيها وتكفيرا ولنتجه جميعا إلى الآلية الوحيدة التي ثبت صحتها حتى الآن في كل الدول وفي كل مراحل التاريخ الانساني وهي الديمقراطية ، التي لن يكون لهذا الوطن قيمة إلا من خلالها حتى لو ظهر بعض من مثالبها على الأمد القصير .
اعتقد ان الفترة القادمة تحتاج من الليبراليين تكثيف الجهود وتحديد الاولويات حتى نستطيع ان نبني مؤسسات فاعلة في الدولة تستطيع ان تنتقل بالبلاد من هذه المرحلة الانتقالية التي طالت بالشكل الذي دفع ابناء العديد من البلاد العربية إلى السخرية من التجربة الثورية المصرية ، اعتقد أن علينا الآن أن نركز جهودنا في الآتي :
1.بناء تحالف مدني يستطيع أن يدخل الانتخابات البرلمانية القادمة بقائمة موحدة في كل الدوائر الانتخابية.
2.ترك رئاسة الجمهورية لكي تقود البلاد في المرحلة القادمة وتسليم امر السلطة التشريعية بشكل مؤقت إلى مجلس الشورى حتى الانتهاء من انتخابات مجلس النواب .
3.النزول إلى الاقاليم والمحافظات جميعها وخاصة محافظات الصعيد ومحاولة اقناع الناس ببرنامج التيار المدني وكيف نستطيع ان نحقق من خلاله النهضة الحقيقية لمصر بعيد عن لغة الشعارات الجوفاء التي يتبناها بعض من انصار التيار الاسلامي.
4. تكوين جبهة قوية في البرلمان تستطيع ان تدفع نحو تعديل المواد المختلف عليها في الدستور وعدم الاعتماد على نتيجة حوار هنا او هناك او تنازل من طرف هنا او طرف هناك والاعتماد فقط على جهودنا الذاتية لتعديل الدستور الذي اعتقد اننا نستطيع ان نسيطر على اكثر من نصف مجلس النواب اذا خلصت النوايا وتضافرت الجهود .
5. يجب الا ينسينا تركيز جهودنا في الفترة القادمة على الجانب السياسي ،الجانب الاقتصادي- الاجتماعي من خلال طرح قوانين تستطيع ان تنقذ البلاد من عثرتها الحالية والمساعدة في تقديم حلول جادة لهذا الوضع السيء الذي وصل اليه الاقتصاد الوطني .
6. السعي للمشاركة في حكومة ائتلافية موسعة والعمل على الحصول على وزارات التعليم والثقافة والبحث العلمي والتعليم العالي والتضامن الاجتماعي والشباب وحقوق الانسان(ان وجدت وزارة بهذا الاسم )
7. السعي لفتح قنوات اتصال جادة مع منظمات المجتمع المدني في الريف والحضر بما يمكن التيار المدني من الوصول لأكبر قدر من الناخبين وتقديم الخدمات لهم والمشاركة في توعيتهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا
8. قطع كل خيوط التعاون والتنسيق والتحالف مع انصار النظام البائد وتبني خطاب ديمقراطي منقطع الصلة بالممارسة السياسية للنظام البائد .
اعتقد أن الطريق طويل ولكننا نريد أن نبدأ فيه وكلي ثقة أننا نستطيع أن نحقق العديد من الانجازات من خلاله -ان خلصت النوايا- .وتواضعت النخبة ونزلت الى الشارع لا لتسير في كبه ولكن لتقوده نحو الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية .