تُذكرنى بعض الفصائل فى مصر بالإحتلال الإنجليزى والحملة الفرنسية، لهم صفات من المُحتَلين من حيث القدرة على الاختراق ، وهم فى الحقيقة من المُستَحِلين، مُستحلين اسم فاعل من كلمة استحلال ومن الفعل يستحِل أى يستبيح ما ليس من حقه.
هم يقولون أن كل ما يحدث من أجل إعلاء شأن وكرامة المواطن المصرى فى بلده ، ومن أجل تطبيق الديمقراطية فى كافة المجالات ، والحقيقة أن ما نراه عكس ذلك تماماً ، فهذا فصيل إسلامى وأخر ليبرالى وغيره علمانى وغيرهم من الفصائل ، وجميعهم يتسابقون على السُلطة " قطعة التورتة اللعينة التى تُغرى الجميع".
السؤال هنا : هل يتسابق أحد منهم على المواطن المصرى كإنسان وروح وكيان أو باللغة المصرية البسيطة " كإنسان من لحم ودم" ، لا أقصد بالتسابق هنا السباق للحصول على صوت المواطن المصرى كناخب ، هم يتسابقون عليه بالفعل ، ولكن أقصد التسابق لإنصاف ذلك الكائن البشرى المسكين المغلوب على أمره ، والذى تحول إلى سلعة تتاجر بها وتُحركها الجماعات والتيارات فى كل تظاهراتها الثورية أيا كانت أهدافها المُعلنة من ذلك.
هؤلاء أناس أراهم يتظاهرون عند قصر الإتحادية لنصرة شخص معين أو فكرة بذاتها بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية أو الدينية ، وهذه جماعة أخرى تتظاهر فى التحرير وتفترش الميدان بالخيام تاركين منازلهم وأهلهم ، وجماعة ثالثة تعتصم أمام مدينة الإنتاج الإعلامى بالسادس من أكتوبر وغيرهم الكثير فى كل أنحاء مصر ، وهنا أنا لا أنكر حق التظاهر والإعتصام السلمى على أى فئة أو تيار.
ما أراه من تظاهرات واعتصامات غالبا يكون مصحوبا بمناوشات وضرب وسب وسحل وإهانة بالإضافة إلى نوع من فرض الرأى والتخوين وأحيانا حبس وإعتقال وقتل ، وكأن الأمر أصبح " من حقك أن تعبر عن رأيك ومن حقى أنا كمُعارض لك أن أضربك وأسبك وأهينك وأخونك وأقتلك إذا لزم الأمر" من منطلق أن البقاء للأقوى والأكثر وحشية وإفتراء فى هذا الزمن .
ويبقى السؤال : أين كرامة الإنسان الذى نزل ليعبر عن رأيه؟ أين كرامة الإنسان الذى يعانى "الأمرين" فى المواصلات صباحا فى طريقه إلى العمل؟ اين كرامة الإنسان الذى لم يعد يشعر بأمان داخل بيته؟
الحقيقة أن مصر كدولة تتعرض لإحتلال من أهلها ، احتلال من قادة وأصحاب التحركات الثورية ليس احتلال مكاني ولكنه إحتلال لفِكر البشر بغرض التأثير عليهم وتحريكهم وقيادتهم إلى حيث لا يعلمون ، ويعلم الله من المستفيد من هذه التحركات ؟ وهل تسعى هذه التحركات فعلا إلى أهدافها المُعلنة حقاً؟ أم أن لها أهداف خفية؟ وهل تراعى تلك التحركات قيمة الإنسان وكرامته؟
إلى قامات وأعمدة التحركات والحشود الثورية ، يا من تحشدون الناس للتظاهر أو الإعتراض أو حتى البلطجة :هل تُفكرون فى كل من تعرض لللإهانة أو القتل ممن حشدتموهم ؟ هل تفكرون فى حال النساء والأطفال الذين تُركوا أرامل بلا عائل؟ هل يمرَّ هؤلاء على ذاكرتكم؟ أم تفكرون فقط فى إظهار قوتكم على الحشد والعنف وإثبات جدارتكم فى مبارزة التيارات الأخرى؟ هل اتخذتم الناس وقوداً تشعلوه لتدفئوا به أنفسكم؟!
لا تدّعون نصرة الحق لأنه سينتصر شئتم أم أبيتم ، لأن هذه سنة الله فى خلقه وليس هناك أصدق من سنته مهما طال الزمن ، صحيح أن الله أمرنا بنُصرة الحق ولكنه لم يأمرنا بالتناحر والعنف وإهدار كرامة البشر بإسم الحرية ، ولم يأمرنا أيضا بتعزيز روح التخوين والتحريض والانقسام بين أبناء الأرض الواحدة
أيها الرموز السياسية التى تُطل علينا يوميا فى الفضائيات والصحف ، أصبحتم فى نظرى مُستحلين ومُحتلين ولستم رموز ، تستحلون كرامة المصرى رجل كان أو امرأة ، مسلم أو مسيحى ، إخوانى أو ليبرالى أو علمانى .. هنا تتساوى الرؤوس ، تحتجون وتهددون بالتصعيد ، تحتلون الفِكر ببراعة وتقودون أتباعكم إلى حيث لا يعلمون ثم يتعَرضون هم لكل أنواع الإهانات ، لتقنعوهم أنتم أن طريق الحق دائما مملوء بالصعوبات والمخاطر حتى يتحملوا هم أكثر وأكثر من أجلكم .. وأنتم فى مأمن من أى خطر. كيف احتللتم عقول الناس واخترقتموها هكذا؟ ثم كيف بعد ذلك تدافعون عن قيمة عليا سواء كانت حرية أو ديمقراطية أو عدل أو خلافه؟
عزيزى المواطن المُنقاد من أى تيار كان ، إذا اخترق أحد عقلك وتفكيرك لإقناعك بأشياء تتنافى مع ضميرك الإنسانى الذى منحه الله لك ، فاعلم أنك أمام مُحتَل لا يريد لك أو لبلدك خيرا ، وإنما يريد الزج بك لتصفية حسابات سياسية مع خصومه ، وإن استحلَّ أحدهم كرامتك فاعلم أنه لن يدافع عن قيمة معنوية أيا كانت ، لأنه ببساطة لم يدافع عنك أنت شخصيا ولم يحميك ، بل على العكس إنه يشحنك ويدفع بك إلى الهاوية ، ويملأ عقلك بقناعات واهية تُحقق مصلحته الشخصية.
لست هنا لأنصر فئة على أخرى ، أو أمنح هؤلاء حق الضرب والقتل وأسلبه من هؤلاء ، أكتب هنا من أجل نصرة الإنسان ، الكيان الذى خلقه الله وكرمه وأنتم خلعتوا عنه كرامته ، العمود الرئيسى الذى تُبنى على أكتافه الحضارات وأنتم تخترقون عقله بأفكاركم المتطرفة والتى أحيانا تحيد عن الحق.
عزيزى الإنسان أنت محط أطماع الجميع الأن ، فالكل يتراهن ويتسابق على إختراق عقلك وقيَمَك ثم استباحة كرامتك تحت مسميات قد تبدو براقة وهى حق ولكن يراد به باطل ، حق أن تعبر عن رأيك ولكن ليس بالتخوين والدم .. فلا تجعل نفسك فريسة لقطعة تورتة لعينة يُخترَق بها عقلك وتُستَحل بها كرامتك، واعلم أنك أرقى وأكرم من ذلك بكثير، واحفظ يا صديقى ما تبقى من إنسانيتك فهى تستحق.