قامت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية بنشر مقالا للصحفي الاسرائيلي "روفن بيداتزر" يبحث فيه اسباب اغتيال اسرائيل لنائب القائد العام لحماس احمد الجعبري، حيث قال ان اسرائيل اصابت ثلاثة عصافير بحجر واحد في هذه العملية، وان بالإمكان الان بعد ان توقفت عميات القصف التعمق في معرفة الحقيقة وراء عدوان "عمود السحاب". ونقل موقع " العرب الآن " الفلسطيني عن الصحيفة قولها: ان القصة الحقيقية وراء عملية جيش الاحتلال التي اطلق عليها اسم "عمود السحاب" في غزة لا تزال بحاجة الى من يكشف اسرارها، اما وقد توقفت الانفجارات الان فإننا نستطيع ان ندقق لمعرفة الحقيقة، اذ ان قرار اغتيال الجعبري، وهو العمل الذي كان طلقة البداية في العملية، اتُخذ رغم ان الجعبري كان جزءا من المفاوضات لتوقيع وقف طويل المدى لإطلاق النار.
ويشار الي ان الجعبري كان قد تلقى قبل اغتياله مسودة اتفاق لوقف دائم لاطلاق النار مع اسرائيل، وكان من المتوقع ان يأتي رده على الاتفاق بالإيجاب، وكانت الاتصالات غير المباشرة مع الجعبري قد استغرقت عدة اشهر عن طريق وكيل وزارة الخارجية في "حماس" غازي حمد، وبعلم وموافقة وزير الحرب الصهيوني ايهود باراك.
وقد اجرى هذه الاتصالات مع "حماس" غيرشن باسكين، الذي عمل وسيطا في صفقة اطلاق سراح الجندي الاسير غلعاد شاليط، وسجل باسكين التقدم الذي تحقق على يديه في مسودة اتفاق الى اعضاء اللجنة الخاصة التي عينها باراك في ايار (مايو)، والتي ضمت ممثلين عن وزارات حكومية اخرى.
وبكلمة اخرى، فان صانعي القرار في اسرائيل، ومن بينهم وزير الحرب وربما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ايضا، كانوا يدركون دور الجعبري في تحقيق اتفاق دائم لوقف اطلاق النار. وكان الجعبري الرجل القوي في قطاع غزة – وقد وصفه رئيس تحرير "هآرتس" ألوف بن بانه المقاول من الباطن للكيان - وهكذا فان حمد نقل كل مسودة اعدها باسكين الى الجعبري للحصول على موافقته عليها.
كما شارك في مفاوضات التهدئة الدائمة مسؤولون في الاستخبارات المصرية، وقد عقدت بعض الاجتماعات بين باسكين وحمد في القاهرة، وكان هؤلاء المسؤولون في المخابرات المصرية على اتصال دائم مع موفدي باراك، بحيث ان المرء قد يعتقد انه بالإضافة الى باسكين فانهم كانوا ايضا يبلغون الكيان عن انطباعاتهم بشأن تقدم المحادثات في شأن مسودة الاتفاق.
ولم يحصل في اي فترة من المفاوضات بين باسكين وحمد ان طُلب من المسؤول الصهيوني ان يوقف نشاطه.
ثم انه قبل حوالي اسبوع من اغتيال الجعبري، طلب مسؤولون عسكريون صهاينة السماح لقادتهم بلقاء باسكين والحصول على ايجاز، لكن الطلب رُفض.
وهكذا فان قرار اغتيال الجعبري يدل على ان صانعي القرار في الكيان رأوا ان وقف اطلاق النار لا يصب في مصلحة الكيان في الوقت الحالي، وان مهاجمة "حماس" هو الافضل. ويبدو انه برزت وجهة نظر بان الكيان بحاجة الى دعم ردعها ضد "حماس" بدلا من التوصل الى اتفاق معها على فترة تهدئة، ومن وجهة نظر المؤسسة العسكرية ومكتب كل من رئيس الوزراء ووزير الحرب، فان اتفاقا لوقف اطلاق النار قد يسيء الى قوة الردع الصهيونية ويضعف عزمها على اتخاذ القرار. وان تعزيز قوة الردع لديها، على ضوء ذلك، انما يتحقق باغتيال الجعبري، الذي كان مسؤولا عن الرد ايجابيا على عرض التهدئة طويلة المدى.
وبهذه الطريقة يكون القادة الاسرائيليون قد اصابوا 3 عصافير بحجر واحد: اغتالوا الرجل الذي لديه القدرة على التوصل الى اتفاق مع الكيان، وانتقموا من شخص تسبب في كثير من الاصابات بين الصهاينة، وبعثوا برسالة الى "حماس" ان الاتصالات معها لن تتم الا عن طريق القوة العسكرية.
واضاف الى ان عملية "عمود السحاب" لم تؤث الثمار التي توقعها من اشعلوها، فان على صانعي القرار ان يجيبوا على سؤال واحد مهم: اذا كانوا يدركون انه كان بالإمكان التوصل الى اتفاق هدنة (كانت بنودها باي حال افضل من تلك التي تم الاتفاق عليها بعد العملية) بلا اي داع للدخول في حرب، فلماذا اغتالوا الجعبري وبالتالي اغتالوا فرص تحقيق هدوء بلا اطلاق نار؟ هل يمكن، لا سمح الله، ان يكون باراك ونتنياهو خشيا ان تفوتهما فرصة القيام بعملية عسكرية في نهاية مدة حكومتهما، وهو ما دعاهما الى اصدار الامر باغتيال الجعبري؟
وحتى لا نواصل التكهن في دوافعهما، فان على رئيس الوزراء ووزير الحرب ان يشرحا وجهة نظرهما وقراراتهما في قضية الجعبري.