تشهد العلاقات بين بغداد وأربيل توترا كبيرا منذ أشهر، الا أن الأمر تفاقم مؤخراً منذ تشكيل الحكومة المركزية في بغداد قيادة عمليات دجلة في يوليو 2012، بمحافظات كركوك وديالى وصلاح الدين، الأمر الذي رفضه اقليم كردستان بزعامة مسعود البارزاني ، والذي كان قد وجه انتقادات لاذعة وعنيفة إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، تضمنت اتهامه ب"الدكتاتورية".
ويعود أصل الخلاف القديم المتجدد بين حكومتي بغداد وأربيل إلى العقود النفطية التي ابرمها الإقليم والتي تعتبرها بغداد غير قانونية، فيما يقول الإقليم أنها تستند إلى الدستور العراقي واتفاقيات ثنائية مع الحكومة الاتحادية.
وعلى خلفية هذه التوترات هدد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي وقادة بالجيش بإخراج مقار الأحزاب الكردستانية من طوزخورماتو، ونزع سلاح "البيشمركة"، الأمر الذي دفع قوات من البيشمركة بالتحرك للمنطقة بدافع أنه من واجبها أن تدافع عن أمن واستقرار المنطقة.
ودعا وزير البيشمركة جعفر مصطفى، أمس الاثنين، الجيش العراقي إلى الانسحاب من مناطق حمرين والطوز تجنبا للحرب، مؤكدا أن قواته لن تكون الطرف المبادر بإطلاق النار، فيما وعد بإعطاء فرصة لأمريكا لمعالجة المشاكل.
وقال مصطفى ، على هامش اجتماعه مع وفد أمريكي برئاسة مسئول مكتب التنسيق الأمني في العراق الجنرال كاسلن، إنه يدعو الجيش العراقي إلى "الانسحاب من مناطق حمرين والطريق الرئيسي بين العظيم، وطوز خورماتو، حفاظا على الأمن في المنطقة وتجنيبها الحرب".
وحذرت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي أمس ، من تدويل الأزمة بين عمليات دجلة والبيشمركة وفتح الباب أمام تدخل عسكري خارجي، داعياً قادة الكتل السياسية إلى عقد جلسة عاجلة لحل الأزمة.
من جهته دعا كاسلن إلى "عدم اللجوء للخيار العسكري في كافة الاحتمالات، والسعي إلى حل الخلافات على مائدة الحوار"، مؤكدا "دعم واشنطن للحوار".
وأكد كاسلن أنه "سيتباحث مع المسئولين العراقيين لقطع الطريق بأسرع وقت أمام تعقد الوضع في المنطقة".
مواجهات
وكان مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي حذر، أمس ، قوات البيشمركة من تغيير مواقعها أو الاقتراب من القوات المسلحة، بعد أن أعلنت قوات البيشمركة يوم السبت، عن نشر قواتها في محيط قضاء الطوز.
وأكد رئيس إقليم كردستان العراق، أن الإقليم في كامل الاستعداد لمواجهة أي "حدث غير محبذ" للدفاع عن أرضه ومواطنيه، داعياً قوات البيشمركة إلى ضبط النفس إزاء التصرفات الاستفزازية والتصدي لأي "تطاول وتجاوز عدائي"، فيما طالب وزارة البيشمركة بأن تتخذ كافة التدابير اللازمة.
يشار إلى أن مجلس قضاء الطوز في محافظة صلاح الدين أعلن الجمعة ، عن مقتل وإصابة 11 شخصاً غالبيتهم عناصر من قوات عمليات دجلة باشتباكات اندلعت بين إحدى السيطرات في قضاء الطوز، "90 كم شرق تكريت"، وعناصر حماية موكب مسئول كردي يدعى كوران جوهر الذي لم يمتثل إلى أوامر السيطرة.
فيما ذكر مصدر أن المسئول الكردي يعد من المقربين من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية جلال الطالباني.
أمريكا تتوسط
ويأتي ذلك في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس العراقي جلال طالباني للتشاور مع مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان حول التطورات الميدانية الخطيرة التي تشهدها منطقة طوزخورماتو، فيما أكدت مصادر قيادية في حزبه أن الجيش العراقي حرك كتيبتين من دباباته نحو منطقة طوزخورماتو، بينما أكد المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات البيشمركة أن قيادة القوات البرية العراقية أرسلت تعزيزات أمس إلى المنطقة ووصل فوجان من المشاة إلى الجهة الجنوبية من جبل حمرين.
في ظل هذه التطورات الخطيرة والتصعيد المستمر من الجانب العراقي للأزمة العسكرية في منطقة طوزخورماتو، يبحث وفد أمريكي مع الأطراف المعنية بالأزمة أسباب وملابسات هذه الأزمة بهدف التوسط وتهدئة الأجواء بين الفريقين.
فقد أبلغ الفريق جبار ياور أمين عام وزارة البيشمركة والمتحدث الرسمي باسمها لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أن "وفدا أمريكيا وصل أمس برئاسة الجنرال كاسلين مدير مكتب التعاون الأمني الأمريكي العراقي يرافقه القنصلان الأميركيان في أربيل وكركوك واجتمعوا مع وزير البيشمركة وكبار قادة الوزارة لبحث التطورات الميدانية التي شهدتها منطقة طوزخورماتو، ووجهوا تحذيرات واضحة من خطورة الصدام المسلح بين الجيش والبيشمركة على اعتبار أن قواتهما قريبة من بعضها البعض.
وتحدثوا عن المواجهة الإعلامية الخطيرة التي تؤجج الأزمة بشكل أكبر، وطلبوا خلال الاجتماع سحب قوات الطرفين فورا ووقف التحشيدات العسكرية من الجانبين، والعمل فورا لعقد اجتماع للجنة العليا التي تضم وزارات البيشمركة والدفاع والداخلية بالحكومتين.
ومن جانبنا أبلغنا الوفد الأمريكي بأننا لا نرغب في حدوث أي صدام بيننا وبين الجيش، وأنه لا خطط لنا مطلقا بهذا الاتجاه، وأعربنا عن رغبتنا على لسان السيد الوزير بالجلوس إلى مائدة المفاوضات لحل جميع المشكلات، كما أبلغنا الجانب الأمريكي بأن القوات التي أرسلناها نحن إلى المنطقة قد تم سحبها بالكامل، وهذا دليل على أننا لا ننوي شن الحرب على الجيش أو المواجهة معه، ووافقنا على استئناف اجتماعات اللجان المشتركة وفي مقدمتها اللجنة التنسيقية العليا لنتفق معا على تهدئة الأوضاع من خلال سحب جميع القوات الإضافية من المنطقة لأنه ليس هناك أي مبرر لاستقدامها إلى هناك، وكذلك العمل على تهدئة اللهجة الإعلامية".
وأضاف ياور: "لقد تعهد الوفد الأمريكي بأن ينقل وجهات نظرنا إلى الجانب العراقي، وأكدوا بأنهم سيعودون إلى بغداد لمواصلة جهودهم مع وزارة الدفاع والقيادة العامة من أجل تجاوز هذه المشكلة".
انفراج الأزمة
وفي وقت سابق أكد عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف الكتل الكردستانية ره وز مهدي خوشناو في تصريح ل"الشرق الأوسط" أن "إرسال قوات اتحادية إلى منطقة زمار لا مبرر له لأنها منطقة آمنة ومسيطر عليها، لا سيما أن العملية تمت دون تنسيق مسبق، وهو أمر مخالف للاتفاقات التي تم عقدها قبل ذلك".
وأضاف خوشناو: "ومع ذلك فإن التطورات اللاحقة أثبتت أن التصعيد لا يخدم أحدا وأن التداعيات المحتملة للأحداث كان يمكن أن تفرز نتائج في غاية الخطورة"، مشيرا إلى "حصول لقاءات واجتماعات على مستويات مختلفة طوال الأيام القليلة الماضية وأن الأزمة في طريقها للانفراج".
وعلى صعيد المساعي التي تبذلها أطراف في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي لجمع تواقيع لاستضافة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في البرلمان الاتحادي، قال خوشناو إن "رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني منتخب بصورة مباشرة من قبل شعب كردستان وأنه مسئول أمام شعب وبرلمان كردستان".
معتبرا أن "مثل هذه المحاولات لا تعدو أن تكون مسعى لصرف الأنظار عن عملية استجواب رئيس الوزراء نوري المالكي بهدف إيجاد حل للمشكلات الكثيرة التي تعانيها الحكومة الاتحادية على صعيد الأمن والخدمات والإصلاح".
وأوضح أن "التحالف الوطني لم يصل إلى نتيجة موحدة بشأن ورقة الإصلاح بسبب الخلافات بين أطرافه، وبالتالي فإن الهروب إلى الأمام يعد نوعا من الحل بالنسبة للبعض".
من جهتها، نفت هيئة رئاسة البرلمان العراقي أن تكون قد تسلمت أي طلب لاستضافة أو استجواب رئيس إقليم كردستان.
وقال مقرر البرلمان محمد الخالدي في تصريح صحافي إن "البرلمان سيرسل الطلب في حال وصوله إلى المشاور القانوني للنظر في دستوريته".
مواد متعلقة: 1. بدء تنفيذ اتفاق أمني بين الجيش العراقي و"البيشمركة" 2. مكتب المالكي يحذر قوات البيشمركة من إستفزاز القوات الحكومية 3. المالكي يحذر "البيشمركة" من الاقتراب من القوات المسلحة