أكد الدكتور شريف يونس مدرس التاريخ الحديث و المعاصر أن الحديث عن الشعب اتخذ حيزاً كبيراً أثناء الفترة الناصرية، ففي الميثاق الذي صدر عن ثورة يوليو، تكررت كلمة الشعب أكثر من الثورة والاشتراكية، لكن مفهوم الشعب هنا لا توجد مؤسسات تمثله، فمنذ عام 52 حتى عام 57 النظام بلا مؤسسات تمثل الشعب. جاء ذلك في الندوة التي نظمها بيت السناري الأثري أمس لمناقشة كتاب "نداء الشعب: تاريخ نقدي للأيديولوجيا الناصرية"، للدكتور شريف يونس. في الكتاب قدم المؤلف تحليلاً لكلام الضباط الأحرار وكبار الصحفيين والكتاب حينها، قائلاً: وجدت أن خطاب الضباط الأحرار الموجه للشعب يبرر لماذا استولوا على السلطة، فقد جاء ذلك لأن الاستعمار خدع الشعب، والشعب قاصر ومريض، كما أنه عاجز وغير قادر على التخلص من أعدائه، كما أنه مريض ملئ بالعيوب الداخلية لذلك فالضباط الأحرار كما جاء في خطابهم يمثلون الشعب المصري كما يجب أن يكون. وقد تحدث عبدالناصر كثيراً عن الديكتاتورية الانتقالية التي يمثلها هو ونظامه وبعدها سيتخلص الشعب من عيوبه وآفاته، فقد جاءت الناصرية كما يدعي أصحابها لتحويل الشعب المريض العاجز إلى شعب حقيقي يستطيع أن يحكم بنفسه، فقد جاءت الناصرية في تصورهم لإنقاذ ما يكن إنقاذه فهذا الشعب قد خُدع من كافة القوى والأحزاب، كما ساهمت النخبة في تضليله.
يتابع الكاتب السياسي قائلاً: هذا الشعب موجود كشبح، أو كنداء لهؤلاء الضباط لإنقاذه، لهذا أدان الضباط الأحرار كافة القوى الحزبية واستبعدوا الآخرين، لتخلو له الساحة وحده واعتمد على فكرة تطهير البلاد من الإخوان المسلمين والاستعمار والأحزاب، من أجل الحصول على شعب مستقبلي يمكن تسليم السلطة له.
و ينطلق الكتاب من الفكرة العامة المسلم بها عن ثورة يوليو، على أنها نتاج حركة مجموعة من الضباط الوطنيين المتمتعين بالجرأة و المبادرة، الساخطين على الأوضاع القائمة وقتها، بما جعلهم يقررون التدخل لصالح الشعب.
لكن هذه الفكرة -كما يقول يونس- ليست بديهية ولا واضحة، بل أثارت لدى صناع الثورة أنفسهم، وعند كثير من الباحثين، عديد من التساؤلات عن معناها وعن النظام الذي أسسته.
و يدرس الكتاب ما يعنيه "نداء الشعب" الذي قال قادة الثورة إنهم لبوه، وما يعنيه لفظ "الشعب"، الذي ظل هو المحور الذي تدور و تتولد حوله المقولات الإيديولوجية الأخرى: ديكتاتورية الشعب، مكاسب الشعب، حكم الشعب، تحالف قوى الشعب العاملة، أعداء الشعب.
يواصل: لكن المشكلة هو كيفية الوصول لهذا الشعب، ولكن الناصرية توصلت إلى إمكانية تحقيق ذلك بعد التطهير بقيادة الضباط الأحرار ومن هنا انبثقت فكرة الزعامة. انشأ النظام حينها الاتحاد الاشتراكي لإدماج الشعب في النظام فقد كان لدى عبدالناصر ونظامه هاجس اتجاه الناس إلى العمل السري إذا لم يستطيعوا التعبير عن مطالبهم، لكن ما كان يحدث حقيقياً هو سيطرة القبضة الأمنية على مقاليد البلاد، وتفضيل أهل الثقة على أهل الكفاءة.
كان العمل السياسي عند عبدالناصر عمل مطلبي، يتلخص في أن يجمع الاتحاد الاشتراكي مطالب الشعب، ويوصلها للنظام ليحاول تحقيقها، لذلك فقد أصبح الشعب غير مسئول عن السياسات العامة بل يطرح مطالب وينتظر تنفيذها، وهذا الأمر خلق نوع من عدم المسئولية في المجتمع، وطالب نواب مجلس الأمة ان يشرحوا للشعب أنه لا يمكن تحقيق مطالبهم دفعة واحدة، ولا يكتفون بقولهم أننا أوصلنا للمسئولين طلباتكم وهم لم يفعلوا شيئاً، قائلاً أنتم بذلك تعملون ضد النظام وتصورونه أنه يقف أمام مطالب شعبه.
ويروي الباحث كيف أن وزير الأشغال في النظام الناصري قال للشعب أن الحكومة قامت بشطب 52% من مرشحي مجلس الأمة لأنهم غير صالحين قائلاً في الصحف حينها "حتى نجنب الناخب شر نفسه" تركنا له فقط الصالح للاختيار بينهم!.
الناصرية كانت تعاني من فراغ سياسي كان موجوداً قبل الثورة، وهو ما ساعد على أن يحكم الضباط الأحرار - الغير معروفين حينها والذين لا يملكون خبرات سياسية بالإضافة إلى صغر أعمارهم - مصر، وذلك ليس لكفاءاتهم بل لأن الأطراف القوية حينها كانت في حالة شلل تام، الأمر الذي مكّن الضباط الغير معروفين من الاستمرار في حكم مصر، وقد استفاد الضباط الأحرار من الأفكار الموجودة في مجتمعهم قبل الثورة، واستمروا في الحكم، وكانت شرعية النظام هي حماية الشعب القاصر.
ونفى يونس أن يحاول النظام الحالي أسلمة الدولة قائلاً انها خطوة متأخرة الحدوث بسبب التعدد الكبير الذي تشهده الساحة المصرية، فنمط حكم الضباط الأحرار فقد شرعيته، وأصبح هناك مقاومة للدولة الأبوية، وأكد يونس أن الكتاب يقدم تفسير لأيديولوجية النظام ولا يعرض سلبياته.