يبدو ان المسئولين الإيرانيين يرون في فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية فرصة لفتح باب الحوار مع إدارته للخروج بإيران من عزلتها وإنهاء العقوبات المفروضة عليها. ويقول مراقبون أن إيران خففت من حدة تصريحاتها النارية، باستثناء ما يصدر من الحرس الثوري وهو أمر معتاد، ضد الولاياتالمتحدة منذ انتخاب أوباما، بل ويعتبرون أن صمتها في ما يتعلق بحادث إطلاق النار على الطائرة بدون طيار الأميركية قبل أيام كان" أعلى من أن لا يسمع"، فلم تهلل وتعاملت مع الأمر بهدوء واتزان نسبيين.
وبالرغم من تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست بأنه ليس من المهم للجمهورية الإسلامية من الذي يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فان من الواضح ان المسئولين الإيرانيين ليسوا غير مكترثين بانتخاب أوباما او عدم انتخابه، فبفوزة يمكنهم على الأقل أن يأملوا بالخروج من الأزمة، لكن انتخاب رئيس من الحزب الجمهوري كان يمكن أن يزيد من احتمال خطر الحرب.
وقال: "أوباما يفضل، في هذه المرحلة على الأقل، سياسة مواصلة فرض العقوبات على إيران والحل الدبلوماسي للضغط عليها للتخلي عن طموحاتها النووية، وهو لا يؤيد حتى الآن شن إسرائيل هجوماً عسكرياً ضدها".
وبالرغم من كل السجالات والتجاذبات هناك شيء واضح، وهو أن الجمهورية الإسلامية تريد الخروج من عزلتها وإنهاء أزمتها التي تفاقمت في الفترات الأخيرة.
ويقول دبلوماسي إيراني سابق في تصريح لموقع إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية أن العقوبات أدخلت إيران في ورطة اقتصادية معقدة ولا يمكنها الانحدار أكثر في منزلق الأزمة، ويضيف الدبلوماسي الذي لم يشأ الإفصاح عن اسمه أن إيران بإمكانها الخروج من الأزمة فقط في فترة رئاسة أوباما وإلا فإنها ستتحول إلى كوريا شمالية ثانية.
وأشار إلى أن العملة الإيرانية فقدت منذ بداية العام ثلثي قيمتها تقريبا، ويقول المسئولون الحكوميون أن معدل التضخم يصل إلى اقل من 30 %، بينما يؤكد خبراء اقتصاديون مطلعون على السوق الإيرانية أن المعدل الحقيقي يفوق نسبة 50 %.
كما ارتفعت أسعار تذاكر الطيران أخيرا بنسبة تزيد عن 70 %، وفرضت الحكومة حظرا على استيراد "السلع الكمالية" مثل القهوة، والصابون، والشامبو، وورق التواليت، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والمعدات المتعلقة بها، بهدف دعم قيمة العملة الإيرانية الريال، لكن هذا الإجراء أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع إضعافا.
ورأت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية أن آثار ضعف العملة والاقتصاد المتعثر في إيران بدأت تترسخ في جميع نواحي الحياة، ولعل آثارها السلبية اجتماعيا باتت واضحة في انخفاض نسبة الزيجات التي تمت في الأسابيع الماضية والتي كانت تعد فترة الذروة للزواج في إيران.
وحول الحوار مع الولاياتالمتحدة صرح الرئيس الإيراني في وقت سابق بأن بلاده مستعدة لان تغير من ذهنيتها السلبية تجاه الولاياتالمتحدة وان تخطو باتجاه تحسين العلاقات معها في حال اتخذت أميركا خطوات من اجل إيجاد تفاهم بين البلدين.
ويرى الرئيس الإيراني، كما أعلن في مؤتمر اندونيسيا حول الديمقراطية الإسبوع الماضي، أن المحادثات المباشرة مع الولاياتالمتحدة يمكنها أن تنهي النزاع حول البرنامج النووي أسرع من تلك التي تجري مع مجموعة 5 + 1.
وبدأت إيران اليوم مناورات عسكرية لسلاح الجو وصفت بأنها الأكبر في تاريخ الجمهورية الإسلامية، إذ تغطي في ما يبدو أكثر من نصف مساحة البلاد البالغة حوالي مليون و600 كم مربع.
وتأتي هذه المناورات في ظروف متوترة تعيشها المنطقة وفي ظل هواجس وسباق تسلح متزايد بين إيران وجيرانها العرب، وهي في الحقيقة بمثابة عملية استعراض عضلات من قبل إيران ورسالة تحذير للغرب وحلفائه العرب في الخليج وكما جاء على لسان قائد القوة الجوفضائية بحرس الثورة الإسلامية العميد حاجي زاده بان "هناك خطوط حمراء ينبغي علي الأمريكان إدراكها ومراعاتها" محذرا من رد حازم في حال تجاوزها.
لكن هذا قد يعني أيضا أن إيران مستعدة للتفاوض من "موقع قوة"، مع الانفتاح على مناقشة فكرة التخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% العقبة الرئيسية في المفاوضات، وتسوية نزاعها "النووي" مع الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي بموازاة رفع العقوبات أو تخفيفها على الأقل ولو تم الاعتراف بها كقوة إقليمية وضمنت مصالحها الحيوية.
في هذه الأثناء أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الاثنين أن إيران بدأت بتفكيك أجزاء من موقع "بارشين" العسكري الذي يتشبه بأنها تطور فيه تقنيات مرتبطة ببرنامجها النووي، ولو تأكدت صحة الخبر فهذا يدل على أنها تبدي مرونة أمام الضغوط، ويعكس رغبتها في التوصل إلى حل لملفها النووي ومؤشر إلى أنها مستعدة لتقديم بعض التنازلات لإيجاد أجواء ايجابية للتفاوض.
كان رد فعل السلطات الإيرانية متحفظا إزاء انتخاب أوباما ثانية رئيسا للولايات المتحدة وان كان قوبل بارتياح في الدوائر الحكومية وأفراد السلطة الحاكمة.
عن هذا كتبت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) التي تنتهج خطا قريبا من الرئيس الإيراني احمدي نجاد تقول أن انتخاب (أوباما) لرئاسة ثانية يمكن أن يكون له آثار ايجابية، وتحدث الناطق الرسمي باسم الوزارة الخارجية الإيرانية في هذا المجال عن "جدار انعدام الثقة" (بين البلدين) الذي قال انه "يمكن أن يزول يوما ما".
وحتى خصوم الرئيس الإيراني أيضا يتحدثون الآن عن احتمال إجراء محادثات مباشرة مع الولاياتالمتحدة، إذ قال محمد جواد لاريجاني المحسوب على تيار المحافظين الإسبوع الماضي انه "إذا اقتضت مصالح النظام فسنتفاوض مع الشيطان حتى في قعر جهنم". مواد متعلقة: 1. مباحثات عراقية إيرانية حول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين 2. نائب الرئيس الإيراني : طهران ستكسر الأيدي "الجشعة" لأوباما 3. نيويورك تايمز: أوباما يحتاج إلى إجراء محادثات أمريكية إيرانية