بعفوية لحظية تسعى لاكتشاف الشكل من خلال اللون، واستخراج الحياة الديناميكية من صميم المواد السكونية.. انتهى معرض الفنانة د. أمل نصر الذي تم عرضه في قاعة "كمال خليفة" بمركز "الجزيرة" للفنون، وقدمت خلاله نحو عشرين لوحة جديدة أضافتها لثلاثين لوحة عرضتها سابقا في قاعة العرض بكلية "الفنون الجميلة" بالإسكندرية. والفنانة أمل نصر في هذا المعرض قدمت أعمالا صغيرة أكثر قربا وتفسيرا لأعمالها كبيرة الحجم، بل وتحمل نفس حبكة تلك الأعمال، والتي تظهر في إطار التجريد التعبيري والاستعانة ببعض المفردات البسيطة من الطبيعة، والتي تندمج في نسيج الصورة من خلال التجريد التعبيري، الذي يعتمد على التلقائية والعفوية في الأداء، ومحاولة اتخاذ نظام للشكل من خلال فوضى العناصر المحيطة. كما تميزت تجربة نصر بالمزج بين التلقائية والعفوية التي تعطيها مساحة أكبر من الحرية في ممارسة العمل، والتي تحرص الفنانة على الحفاظ عليها. كما تحتفظ ببعض العناصر من الواقع كالكتابات والرموز القديمة والحديثة التي تظهر في أعمالها على استحياء شديد لبناء العمل بشكل محكم. والفنانة في هذه الأعمال تنحو إلى تحميل الأشكال المجردة بمضامين انفعالية بأداء حر يستجيب لحالة العفوية اللحظية وقت ممارسة العمل، محاولة الاستفادة من تلك الحرية التي تمنحها الأشكال المجردة عن الارتباط بوصف أشياء محددة؛ حيث استعنت بمفردات بسيطة وحاولت صياغتها في مجال قادر على استحضار المعاني العاطفية والإنسانية، والاستمتاع بالخامة حتى تصنع مزيجا يستقبل جيدا المفردات البصرية التي طرحتها حالة كل عمل فكانت موحية لطرح بعض المعاني دون ارتباط بمضمون واقعي – كما قالت الفنانة-. وأردفت الفنانة أن أعمالها أحيانا ما تبدو وكأنما تصور مشهد ديناميكية الطاقة من خلال شلال من الأشكال والألوان، مشحونا بالإحساسات والصور الذهنية والمرئيات. كما تسعى الأعمال لاكتشاف الشكل من خلال اللون؛ حيث تبدأ نصر بطرح مساحات اللون بلمسات عريضة حرة، ثم تبدأ في اكتشاف الأشكال خطيا فوقها حتى لا تحاصر بالخطوط، بل تستسلم لسطوة اللون وحضوره أولا. وفي بعض الأعمال نجد الأشكال تظهر وتختفي.. تكبر وتتضاءل.. تنكشف وتنطمر بقوة دافعة وفقا لقانون عاطفي خاص باللوحة، فلا نعرف أين تبدأ وأين تنتهي؛ حيث يتاح للخواطر البصرية أن تسترسل وأن تتوارد، إنها فكرة التداعي الحر التي تطرح وفقها الأشكال والعناصر، ويحكم هذا البناء رغم حريته نوعا من النظام الفطري الغريزي. وتظهر الصور بين الحين والآخر في تدفقات غير متماثلة وفقا لآلية الطرح الخاصة بالذاكرة فتعطي حيوية للخيال في محاولة لتمس تلك التنظيمية الروحية التي تجعل حياتنا محتملة ومستمرة. وتقول الفنانة أيضا عن معرضها: "أنه محاولة للتعامل مع العمل الفني كبناء من الأشكال المجردة ينطوي على قوى وتوترات داخلية تتوحد في كل مستقل بذاته لا يشير إلى حياة خارجية. ومحاولة لاستخراج قيم تعبيرية يتيحها التعامل مع الأشكال والألوان والخطوط إيمانا بما طرحه الفيلسوف الألماني "كاسيرر" في كتابه المشهور "فلسفة الأشكال الرمزية"؛ حيث يقول "إن الإحساس بالجمال هو ضرب من الحساسية المرهفة للحياة الديناميكية الشائعة في الأشكال"، من هنا فإن المصور الحق ليس هو ذلك الإنسان الذي يملك حساسية مرهفة للألوان، بل هو الذي يملك القدرة على استخراج حياة ديناميكية للأشكال من صميم المواد السكونية أو الاستاتيكية الموجودة بين يديه. وعلى الرغم من الفارق بين أن يحيا المرء في مملكة الأشكال، وأن يعيش في دنيا الأشكال، فمن المؤكد مع ذلك أن الأشكال الفنية ليست صورا فارغة أو أشكالا خاوية، بل هي موضوعات حية تؤدي دورا هاما في بناء الخبرة البشرية وتنظيمها. كما أن اللوحة التشكيلية هي إحدى الصيغ التي يمكن أن تتيح نوعا من اللقاء التعاطفي بين الفنان والمتلقي عبر محاولة لصياغة الوجدان الإنساني بلغة أكثر بلاغة من الكلمة".