استضافت أمس مكتبة "أ" بالزمالك حفل توقيع كتاب "حوارات الموتى" للسفير محمد البدرى الصادر عن دار نهضة مصر، ويتناول الكتاب لقاءات خيالية مع شخصيات تاريخية . وقال عماد العادلي مدير مكتبة "أ" أن الكاتب يحاور شخصيات أثرت في مجرى الحياة الإنسانية وصنعت أحداثاَ جسام وحولت مجرى الحضارات، وذلك بشكل تخيلي.
أولى شخصيات الكتاب كان معاوية بن أبي سفيان، والذي اعتبره المؤلف "رجل دولة" حقيقي، فرغم أن كتب التاريخ تنظر إليه باعتباره أخذ السلطة من الإمام علي بن أبي طالب إلا أن البعض يحمد له إنهائه حالة الفوضى المستمرة في الدولة الإسلامية التي كانت تعاني من "حرب أهلية" أطلقت عليها كتب التاريخ "الفتنة الكبرى"، لكنها حرب من أجل حسم مسألة الشرعية، مؤكداً أنه في حواره مع هذه الشخصية تعامل مع الحقائق التاريخية فقط، واعتمد على اقتباسات كثيرة من كتب التاريخ على لسان معاوية تؤكد أنه رجل دولة حقيقي.
ولفت العادلي إلى ان الخلاف بين معاوية و"علي" كرم الله وجهه، كان سياسياً وليس دينياً ، وعقب السفير قائلاً أن الصراع بين معاوية وعلي هو صراع بين نقيضين أحدهما ورع وهو سيدنا علي، والآخر – يقصد معاوية – سياسي أنجز الكثير.
الشخصية الثانية في الكتاب هو الذي فتح المجال للمسيحيين للتعرف على دينهم بعيداً عن سطوة البابا، هو مارتن لوثر رائد الإصلاح الديني في الغرب، حيث ثار على رجال الدين الذين بحتكرون صكوك الغفران، ولفت السفير إلى أنه في مصر لا يوجد سواء في الإسلام او المسيحية السطوة التي كانت تعاني منها أوروبا من الكنيسة، حين قام مارتن لوثر بثورته كان يرفض تصدير الكنيسة للمسيحيين فكرة الرعب من الإله، كان يرغب في أن تبتعد الكنيسة عن الترهيب، قائلاً: لكننا في مصر لا نحتاج إلى ثورة فالإسلام لا يوجد به مؤسسية، لكن ما يحدث في مصر من تصادمات فهو بسبب سوء التعليم، لأن الجهل هو عدو الإنسانية الأول، واتذكر هنا مقولة فولتير "من الصعب أن تحرر الجاهل من قيوده"، كما دعا لتغيير الخطاب الديني . سأل العادلي : ماذا لو استمرت الحملة الفرنسية على مصر هل كنا استزدنا من التنوير الفرنسي؟ فأجاب صاحب الكتاب بأن محمدا علي سار على النهج الفرنسي حين أراد أن يبني مصر، فلا أحد يرحب بالاحتلال الذي تمقته جميع الشعوب، لكن علينا الاعتراف ان 3 سنوات هي عمر الحملة الفرنسية غيرت مجرى مصر، فالمصريون انتابتهم صحوة بعد سبات عميق وانتفضوا ضد الخلافة العثمانية البالية في اسطنبول، حيث حركت الحملة الفرنسية المياه الراكدة في مصر، وعرفتنا كذلك على عالم أكثر تطوراً، وحين جهزت مصر احتفالية بمرور 200 عام على الحملة الفرنسية على مصر، كتبت في "الأهرام" حينها أننا لا نؤيد الاحتلال لكن مجئ الحملة الفرنسية أفاق الجسد المصري عبر صدمة كهربائية، ولا يمكننا التغاضي عن الجوانب الإيجابية للحملة.
وأكد صاحب الكتاب ان نابليون سيظل رمزاً للعظمة العسكرية، والحقارة الشخصية وذلك شأن ساسة كثيرين من أبناء الثورة الفرنسية.
كذلك يتناول الكتاب بالذكر شخصية "أبو العباس السفاح" الذي قضى على الدولة الأموية وأسس للدولة العباسية، ويروي المؤلف وحشيته وقسوته في القضاء على خصومه، وكما يصفه المؤلف فقد كان رمزاً للدهاء السياسي، ورجل دولة بكل ما تعنيه الكلمة.
وحين سئل السفير هل يجب أن يكون رجل الدولة بلا أخلاق، قال بالطبع لا، فرجل الدولة هو الذي يعلي مصلحة الدولة فوق كل الاعتبارات الأخرى، ولكن ليس هناك مدعاة أن يكون منحرفاً أو بلا أخلاق.
الكتاب يتحدث في الختام عن محمد علي باشا باني مصر الحديثة، ورائد نهضتها، فرغم كونه ديكتاتوراً وقامعاً إلا أنه أسس لمصر الحديثة، وأوجد مؤسسات حقيقية لم تكن موجودة من قبل أن يحكم مصر، بحسب الكتاب.
وأكد السفير أنه على الرغم من ان الإمبراطوريات والدول التي صنعت نهضة بنيت على الديكتاتورية والقمع، فمثلاً الدولة الرومانية كانت أكثر دول العالم دموية في التاريخ، وكذلك مصر حققت تنمية في بداية حكم عبدالناصر رغم أن مصر حينها كانت قمعية تماماً، إلا أن العالم تغير الآن.
لفت البدري إلى أن العالم كان يتميز بالديكتاتورية في عصر محمد علي، لذلك لم يكن غريباً إحكام قبضته على البلاد، ولا يمكننا أن نغفل إنجازاته فلا نزال نحيا في الخير الذي أسسه، فهو الذي أسس الجيش الذي منع الفوضى أن تنتشر في مصر أثناء الثورة.
وفي ختام حفل التوقيع كشف السفير أن له كتاب على وشك الصدور، بعنوان "الرسائل الدبلوماسية المستترة" وهو مجموعة من المقالات كتبها السفير وتدور حول ثلاث نقاط أساسية هي: السياسية والثورة في التاريخ، الدين الإسلامي، ومصر في التاريخ، وكل مقالة بها إحالة وإسقاط على الواقع.
يذكر أن كتاب "حوارات مع الموتى" يضم كذلك حوارات مع هوارشينو نلسون، مترنيخ، الإسكندر، خالد بن الوليد، وغيرها من الشخصيات.