عرضت جريدة "واشنطن بوست" كتاب مؤخرا بعنوان " منحنى تعلم الديكتاتور " لوليام دوبسون ، الذي يقدم تحليلا واعيا عن تطور العلاقة بين الديكتاتوريات المعاصرة وبين أولئك الذين تمردوا عليها . ويلقى الكاتب الضوء في هذا الكتاب على الأنظمة السلطوية الموجودة في كل من روسيا وفنزويلا ومصر مرورا بالصين وماليزيا ، يخلص في نهايته إلى نتيجة هامة مؤداها أن الطغاة أصبحوا أكثر انتقاء في اختيار القيود التي تفرضها على رعاياها ، بل وأكثر دهاء في استخدام مظاهر الديمقراطية الظاهرية كوسيلة لقمع المعارضين لها ، مع إمكانية استخدام الوسائل الوحشية في بعض الأحيان إذا استدعت الحاجة إليها . ويرى دوبسون أن القاريء الذكي يستطيع وحده أن يلاحظ أمثلة هذه الحكومات الاستبدادية ، ومنها ما حدث في روسيا عندما قام فلاديمير بوتين بسحق المنشقين عنه وإذلالهم ، ومثله ما قام به هوجو شافيز من القبض على السلطة من خلال أفعال غوغائية ، وقيام الصين بتكوين حكومة تكنوقراط ذات توجه شيوعي في ظل نظم عالمية رأسمالية ، بل ويظهر الكاتب براعة استخدام النظم الاستبدادية في إطلاق النار واستخدامه تحت مسميات مختلفة رغم أن المسمى الحقيقي هو " استبداد " .
ويظهر الكاتب إعجاب مؤلفه بنشاط مركز " الاستراتيجيات التطبيقية نحو العمل للاعنف " الذي كونه شباب الصرب لدراسة التقنيات المضادة للسياسات السلطوية ، وذلك لخدمة النشطاء ضد العنف في مختلف دول العالم .
كما يبدي الكاتب بالصحيفة الأمريكية إعجابه بثورات الربيع العربي التي تميزت بالبعد عن العنف واجتاحت مصر وتونس في باديء الأمر ، ويرى أن السبب الحقيقي لم يكن بسبب وجود الفيسبوك وتويتر ، وإنما بسبب إدراك الناس لإمكانية استخدام مثل تلك المواقع الاجتماعية الإلكترونية في التعبير عن أنفسهم بعيدا عن سلطة الشرطة والقضاة الفاسدين .
ويرى الكتاب أن صعوبة إنشاء حكومات ديمقراطية لا يقل صعوبة عن الإطاحة بفراعين هذه الدول ، وهو ما يمثل تحديا في مصر أمام الليبراليين الذي يواجهون هيمنة الإخوان المسلمين الذين قد يشكلون نظاما ديكتاتوريا لا يقل استبدادا وتحجرا عن نظام حسني مبارك .
وينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى سوريا ، حيث بدأ المتظاهرون أعمالهم في سبيل مقاومة نظام الرئيس بشار بأشكال سلمية ، ثم ها هم يقومون بالتقاط الأسلحة المتاحة لهم لمقاومة أعمال العنف من جانب بشار لتبدأ سوريا حالة من الحرب الأهلية لا يمكن معها إنشاء نظام حكم مستقر إطلاقا .
تحولت الحياة في سوريا إلى مذابح يومية يشهدها العالم في صورة اللاجئين السوريين لكل من تركيا والأردن ، وفي ضرب القناصة والطائرات الحربية والعسكرية السورية وسائل الإعلام الاجتماعية .
ومع ذلك نجد كل من روسيا والصين وإيران وحزب الله يقفون بجانب النظام السوري، بينما نجد المملكة العربية السعودية وقطر والجهاديين يحاولون الإطاحة به ، وهو ما يجده الكاتب نوعا من الصراع بين العنف واللاعنف عفا عليه الزمن من كثرة حدوثه سواء داخل سوريا أو على الصعيد الدولي من مواقف تجاه القضية السورية . أما بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة فقد خلص الكاتب إلى نتائج بخصوص سياستها من أهمها أن التزام الحكومة بالدفاع ودعم الحريات هو أمر هام ، بل يجب أن تلعب الولاياتالمتحدة دورا هاما في دعم الحرية وصنعها في السياسة الخارجية للعالم .
وهذه النتيجة جعلت إدارة الرئيس بوش تتعرض للانتقاد فهو لم يدعم الحريات مثل سيادة القانون والملكية والحريات المدنية وحرية التعبير والتجمع وغيرها إلا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في عصره ، بل وأكثر من ذلك أنه لم يضغط على نظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك من أجل التغيير مما يعد تراجعا لدور الولاياتالمتحدة في إرساء الحرية في السياسة الخارجية للعالم . أما إدارة أوباما فقد عملت على تمييز نفسها عن سابقتها من خلال العمل مع الحكومات الاستبدادية نفسها وتشجيعها على تبني أجندة الحرية ، وهو ما لا يزال يشكل تحديا خارجيا في سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية . ويخلص دوبسون إلى أن هناك عدد من الأشكال والطرق التي يمكن من خلال دعم حرية الحكومة حتى في ظل السياسيين عديمي الضمير أو وجود تلاعب سياسي من جانب البعض . ورغم أن كتابه لا يتحدث عن الديمقراطية في الولاياتالمتحدة ، إلا أنه يذكر القراء بأن المؤسسات والقوانين بها لا تستطيع وحدها أن تكفل دعم حرية الحكومة العاملة بها . ويتابع الكاتب بالصحيفة : قد يكون الكتاب مشجعا لمواطني الولاياتالمتحدة على اليقظة من أجل الدفاع عن حرية مواطني الدول الأخر ، ودرسا لدول العالم الثالث من أجل السعي والعمل للحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا .
الكتاب عرضه اليوت كوهين مدرس بجامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ، وهو مؤلف كتاب " محتل في ليبرتي : قرنان من المعارك على طول الحرب العظمي بأمريكا " .