فجرت قضية قيام رجلي شرطة باغتصاب فتاة تونسية جدلا واسعا في تونس ، وذلك بعد أن أخذت القضية بعداً آخر، وعززت مخاوف نشطاء من تفاقم انتهاكات حقوق الانسان في تونس ما بعد الثورة. والمشكلة في تلك القضية جديدة من نوعها وذلك بعد ان تحولت الضحية إلى متهمة ، حيث وجه القضاء التونسي تهمة "التجاهر عمدا بعمل فاحش" إلى الفتاة المغتصبة من شرطيين، واثار ذلك استياء وغضب حقوقيين وجمعيات نسائية، واتهموا حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بعدم الاكتراث بحقوق النساء في تونس.
وكانت السلطات قد اعتقلت ثلاثة أفراد من الشرطة في الرابع من أيلول / سبتمبر الجاري، اثنان اتهما باغتصاب الفتاة داخل سيارتها في ساعة متأخرة من ليل، والثالث بالابتزاز المالي لشاب كان برفقتها.
وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية خالد طروش أن الشرطة ضبطت الفتاة مع صديقها في سيارة وهما في وضع غير أخلاقي - على حد تعبيره.
وتتحدث التونسيات عن تعرض الشرطة لهن منذ تولي على العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية بتونس، وزارة الداخلية، وذلك بعد وصول الحركة إلى الحكم ، ويقول معارضون ان رجال الامن تحولوا إلى شرطة دينية للامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
استياء حقوقي
واعتبرت جمعيات حقوقية تونسية أن توجيه هذه التهمة لفتاة ورفيقها يجعل من الضحية متهمة بهدف تحميلها مسئولية الجريمة التي مورست ضدها وترويعها وإجبارها هي وخطيبها عن التنازل عن حقهما في التقاضي وثني غيرهما من ضحايا هذه الممارسات عن التشكي.
وطالبت الجمعيات بإيقاف كل الضغوط المسلطة على الضحيتين والابتعاد عن كل أساليب التشفي والترهيب.
واتهم محامون ونشطاء حقوق الانسان في تونس القضاء بممارسة ضغوط على الفتاة لسحب شكواها ودفعها للتراجع عن اقوالها معتبرين ذلك ضربا لاستقلال القضاء.
وبحسب منظمات المجتمع المدني، فقد تم تأجيل الاستماع إلى الفتاة ورفيقها إلى الثاني من أكتوبر / تشرين الأول المقبل.
كما دعت نائبة المجلس الوطني التأسيسي عن حزب "التكتل" اليساري كريمة سويد حزبها إلى التوقف عن مساندة الحكومة، وكتبت على صفحتها الخاصة في موقع فيسبوك "أن قضية الاغتصاب واتهام الضحية كانت القطرة التي أفاضت الكأس".
محاولة انتحار
من جانبها كشفت محامية الفتاة التونسية المغتصبة، آمنة الزهروني، أن وضع موكلتها "سيئ جداً"، وأنها حاولت الانتحار خاصة بعد أن برر المتحدث باسم وزير الداخلية التونسي الفعل بكون موكلتها كانت في "وضع غير أخلاقي".
وقالت الفتاة لمحاميتها: "شعرت أنه تم اغتصابي مرة ثانية"، مشيرةً إلى الطريقة التي تعامل بها بعض المسئولين مع قضيتها.
وأكدت الزهروني لقناة "العربية" أن موكلتها تعرضت للتهديد من قبل أفراد عاديين من الشارع، وليسوا من الشرطة التي قبلت شكواها ليلة الحادثة وسجلت محضرا بها، مشيرة إلى أن هؤلاء الناس حاولوا أن يقلقوها لتسحب شكواها.
وقالت الفتاة وعمرها 22 عاما "لقد وجهوا لي تهمة التجاهر بما ينافي الحياء .. أنا أصبحت متهمة .. هم بهذا يغتصوبي من جديد . .حقيقة انا في حيرة من امري وفكرت في الانتحار".
قرائن وأدلة
وأوضحت المحامية أن أعوان الشرطة ناكرون لفعلتهم، رغم أن كل الأدلة والقرائن ضدهم، مبينةً أنه تم الاعتداء على موكلتها في ليل 3 و4 سبتمبر/أيلول، وتم إيقاف أعوان الأمن وإحالتهم إلى قاضي التحقيق بجريمة "مواقعة أنثى دون رضاها"، وبتهمة الارتشاء بالنسبة لأحدهم.
وأضافت الزهروني أنه وخلال التحقيقات ارتأى قاضي التحقيق أن يرجع الملف إلى النيابة العامة لإضافة تهمة ثانية هي "التجاهر عمداً بفحش". واعتبرت أن الأركان القانونية لهذه التهمة غير متوفرة وهي بذلك غير قائمة.
وقالت المحامية إن تقرير الطبيب الشرعي يتحدث عن آثار عنف على جهاز موكلتها التناسلي، كما أشار التقرير إلى وجود السائل المنوي لأحد أفراد الشرطة في سيارة الفتاة ووجود (مني) ثانٍ في سيارة الشرطة ووجود (مني) ثالث في لباس الفتاة الداخلي.
وأكدت الزهروني أن كاميرات مراقبة إحدى الصرفات الآلية صورت مرافقة أحد أعيان الشرطة المتهمين لخطيب الفتاة بهدف سحب مبلغ 300 دينار (200 دولار أمريكي) الذي قد طلبه رجال الشرطة ليلة الحادثة من الشاب لتفادي تلفيق قضية أخلاق له ولخطيبته.
دعوات للتظاهر
ودعا نشطاء على موقع "فيس بوك" إلى التظاهر اليوم السبت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لمساندة الفتاة المقرر أن تخضع للمحاكمة يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وحضر عدد من الممثّلين عن المجتمع المدني والسياسيين ندوة حول هذه القضية انعقدت مساء الجمعة الموافق 28 سبتمبر 2012 بفضاء "التيياترو" بالعاصمة، واتفق الحاضرون على تنظيم وقفة إحتجاجيّة يوم 2 أكتوبر القادم أمام المحكمة، كما اتّفقوا على إنشاء صفحة على "الفايسبوك" تحمل عنوان "ضحيّة الإغتصاب"، بحيث يمكن للجميع زيارة هذه الصفحة لمساندة الضحيّة.
وتوجّه الحاضرون بالحديث لوسائل الإعلام مشدّدين على عدم ذكر إسم الفتاة.
من جانبها قالت وزارة العدل في بيان صحفي لها ردا على انتقادات بتحول الفتاة من "متهمة إلى مجني عليها" إن "اعتبار شخص ما متضرّرا من جريمة، وتتبّع من نسب لهم ارتكابها وإيقافهم على ذمّة البحث، لا يمنحه حصانة من المساءلة إذا اشتبه في ارتكابه لوقائع أخرى مجرمة قانونا".
كما أعلنت الوزارة أن النتائج الأولية للطب الشرعي تؤكّد تعرّض الفتاة للاغتصاب.
من جانبها دعت وزارة الداخلية في وقت سابق إلى عدم "توظيف موضوع تعرض فتاة للاغتصاب من قبل ثلاثة أعوان أمن توظيفا سياسيا أو إعلاميا"، لافتة في نفس الوقت إلى أنه تم على الفور إيقاف أفراد الأمن المشتبه بهم.
وأشارت الداخلية إلى أنّه تم خلال مرحلة البحث الابتدائي التعامل مع الشابة كضحية، ومراعاة حالتها النفسية وذلك بتكليف مسئولة بالإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية للاستماع إلى أقوالها.
واستغرب من جانبه حزب "نداء تونس" في هذه القضية تحول ما أسماه "الضحية الى جانية" ولفت الى "خطورة المس بصورة المرأة التونسية وبحريتها الجسدية". ودعا الحزب في بيان صحفي إلى اتخاذ الاجراءات اللازمة لإنصاف المتضررة قضائيا.
تراجع حقوق الانسان
وتتزامن هذه القضية التي اثارت الرأي العام في تونس مع زيارة مقررة الاممالمتحدة بشأن حقوق الانسان لتونس لرصد اي انتهاكات لحقوق الانسان في البلاد. وستقدم المقررة نتائج الزيارة الاسبوع المقبل.
وتواجه الحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة مع حليفين علمانيين انتقادات واسعة بشأن تراجع سجل تونس في مجال حقوق الانسان بعد وفاة شاب تحت التعذيب والحديث عن حالات تعذيب اخرى في معتقلات.
وطالما كان سجل حقوق الانسان من الملفات سيئة السمعة لتونس خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي اطاحت به احتجاجات شعبية في 14 يناير/كانون الثاني العام الماضي.
ولكن مسئولين في الحكومة الحالية ينفون التستر على اي انتهاكات ويقولون ان هناك حالات معزولة يجري التحقيق فيها.
ويشكو مسئولون حكوميون من ان التركيز بشكل مفرط على مثل هذه القضايا يضر بصورة تونس في الخارج.
مواد متعلقة: 1. اعتقال 3 من الشرطة «التونسية» بتهمة اغتصاب فتاة 2. سجن تونسي هتك حرمة قبر "بورقيبة" 3. وسط استياء حقوقي .. تونسية مغتصبة تتحول إلى متهمة