تشهد الحالة الحزبية المغربية فى هذه الآونة حالة من الصراع الشرس على مقعد رئاسة حزب الاستقلال من أول وأكبر واعرق الاحزاب السياسية في المغرب، ليشتد التنافس بين قطبي الحزب الأكثر نفوذا وقوة بين حميد شباط السياسي العصامي الذي بدأ من الصفر وبين عبدالواحد الفاسي نجل الزعيم علال الفاسي مؤسس الحزب والتي سوف يحسم أمرها بعد ايام قليلة. ويقيم المراقبون المشهد الحزبي بين المتنافسين على رئاسة الحزب بين "شباط" منافس جاء على خلفية التغيير وضرورة ضخ دماء جديدة فى الحزب.. ليتحمل "الفاسي" وصمة "التوريث" التي يستغلها غريمه ضده مما قد يقضي على فوزه برئاسة الحزب.
ويروج كل منافس اشاعات أو حقائق قد تطيح بمستقبل الآخر في المعركة الانتخابية، لذا سعيت شبكة الإعلام العربية "محيط" تحري الحقيقة.. وبدأت التحري بحوار مع "حميد شباط".
وإليكم تفاصل الحوار...
* الصراع اليوم على اشده بينك وبين عبد الواحد الفاسي لمنصب الأمين العام، هناك من وصفه بالصراع بين التيار "العروبي" والتيار الفاسي، وهناك من قال عنها صراع بين الطبقة الشعبية والطبقة البورجوازية "المخزنية"، وهناك من اختزل الصراع في شعار "الشعب يريد التغيير".. ما رأيكم في هذه التوصيفات؟ وأيها الأقرب الى الحقيقة؟
- هذه الشعارات كلها حقيقية في الواقع، فحزب الاستقلال منذ 80 سنة والأمور تسير فيه طبيعية ولكن بطريقة صرنا نعتبرها اليوم بدائية في الوقت الذي العالم كله من حولنا يتغير وتتجدد فيه الافكار من اجل مسايرة الركب، ففي القدم، كان المغربي اذا اراد قضاء مناسك الحج كان يلزمه المشوار من المغرب الى مكةالمكرمة 3 سنوات واليوم بفضل التقدم والتطور والتغيير صارت الرحلة لا تتعدى ال 6 ساعات، وكذلك الشأن داخل حزب الاستقلال، هناك من لايزال متشبثا ببعض افكار التخلف والبدائية والحفاظ على بعض المعاملات التي تجاوزها المغرب اليوم، والانسان يجب فقط العودة الى ابنائه لمناقشتهم من اجل معرفة كيف يفكرون واين وصل العالم.
وأضاف :"انا واثق ان عبد الواحد الفاسي اذا ناقش ابناءه سوف يتنازل مباشرة بعد انتهاء النقاش عن ترشيحه، فكل شيء تطور من حولنا، لكننا لازلنا نحتفظ داخل الحزب بجناح لا نقول عنه محافظ، لكن لديه غلو كمحافظ ، فالصراع اليوم هو صراع فكر، وصراع تجديد، وصراع تغيير والذي يقوده مجموعة من الاخوان وليس فقط حميد شباط، الا انني انا الموجود في الواجهة".
وتابع :"هناك العديد من المناضلين من مختلف المناطق والمواقع ممن يرفضون المركز ويطالبون باللامركزية. فنحن نطالب الدولة بتطبيق عدم التمركز والجهوية الموسعة، لكن يجب قبلا ان نبدأ بالحزب. والكل ينادي اليوم من داخل الحزب بالديمقراطية الداخلية، اما عهد التوافقات وعهد التوريث فقد انتهى. فالمغرب لديه عرش واحد، ولا يمكن ان تكون عروش داخل الاحزاب السياسية، مع العلم ان العالم العربي اختار الحراك الدموي، لكن المغرب اختار الحراك السياسي".
* حملت في اطار حملتك الانتخابية شعار "التغيير".. ما هو التغيير الذي سوف تأتي به؟
- الحراك السياسي الذي عاشه المغرب بالإضافة الى الدستور الجديد هم في حاجة الى قيادات سياسية متمكنة لديها القدرة على التنزيل الحقيقي للدستور بدون محاباة وبدون نفاق وبدون ما يصطلح عليه السياسة بمفهومها القدحي مثلما يؤمن بها الشعب اليوم للأسف، والذي نسعى ان يغير نظرته ويؤمن بها بمفهومها الايجابي ومفهومها الاخلاقي، وخصوصا ان الدستور اليوم جعل من الشعب المغربي صاحب السلطة وهو القادر على تغيير الاوضاع بطرق سياسية، وهذا هو المشروع المجتمعي الكبير.
وأشار "شباط" إلى ان اليوم حزب الاستقلال يعيش مرحلة تصحيحية مهمة جدا في تاريخه، لان المغرب في حاجة الى كل ابناءه وفي حاجة الى كل احزابه وخصوصا حزب الاستقلال الذي تفرعت منه كل الاحزاب المتواجدة سواء من اليسار او اليمين او في الوسط. اذن فالمناضلين داخل الحزب اليوم قرروا واختاروا مصيرهم بأيديهم. وبهذا التغيير الذي بدأنا به وبدأت تظهر بوادره، الاستقلالي اليوم في اقصى نقطة بالمغرب بدأ يستشعر نفسه مهما مادام المرشح يتصل به ويوفر له ظروف النقاش ويعطيه برنامجه ويمنحه فرصة لأبداء رأيه".
وأكد ان حزب الاستقلال يجب ان يكون له رأيه القوي ويكون سباقا لإبداء رأيه سواء في الحكومة او في القضايا الوطنية الكبرى، ويكون له خطاب سامي لاستقطاب الشعب، فاذا ما فقد الشعب الثقة في الحكومة والمؤسسات والاحزاب فلا يبقى امامه الا الشارع.. ولهذا اقول دائما ان المغرب ليس لديه اختيارات، فإما احزاب وطنية قوية وعلى رأسها حزب الاستقلال، او السلفية الجهادية وخصوصا بعد الثورات وصعود التيارات الاسلامية في العالم العربي، او الشارع الذي لا يمكن ان يواجهه الا العسكر، ولهذا فنحن نراهن على احزاب وطنية قوية، ولا يمكن ان تكون قوية الا عن طريق الديمقراطية. فنحن منذ 80 سنة ونحن نطالب من الحكومة ومن الملك بالديمقراطية والشفافية والحكامة الجيدة، ولا يمكن ان لا نطبقهم اولا داخل الحزب. ومن هنا تطبق الآية الكريمة "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، والحديث الشريف "كيفما تكونوا يولى عليكم". بذلك يجب ان ننهي مع عهد الديكتاتورية السياسية وان تكون مرجعيتنا داخل الاحزاب هي الشرعية الديمقراطية لا فقط الشرعية التاريخية.
* ما هو مستقبل حزب الاستقلال في ظل هذه الصراعات؟ وهل يمكن أن تتطور الى انشقاقات في حال فوز اي مرشح على حساب الاخر؟
- لا.. نهائيا، اذا امنا بهذا الفكر، فلا داعي ان يكون لدينا برلمان منتخب، ولا داعي ان يكون لدينا جماعات محلية منتخبة، ولا داعي ان تكون لنا جهات منتخبة، ولا داعي ايضا ان نشتغل على تعديل الدستور ما دام هناك تهديد بالانشقاق. كما وان الزعيم علال الفاسي كان من المطالبين بإنشاء اول دستور مغربي، وكان من المطالبين بالديمقراطية والتعادلية والعدالة الاجتماعية، فلا يعقل ان يكون نجل الزعيم هو من يرفض الديمقراطية ويكون ضد الحكامة.. فمن غير المقبول القول اما العائلة او حزب الاستقلال سوف ينشق. فحزب الاستقلال هو ملك للجميع، هو حزب الشعب، وهو ضمير الامة وسوف يتقوى بالديمقراطية الداخلية.
* وما رأيكم في الدعوة التي تطالبكم بالتنازل عن الترشيح وبتأجيل انتخابات الحزب؟
- هذا التأجيل مستحيل، فالحزب لديه قانونه الاساسي والقانون الاساسي يشير الى ان التمديد لا يمكن ان يكون الا ل 3 اشهر، تنتهي في اخر الشهر الجاري، وبالتالي هذه المسألة محسومة قانونا، ومن يتكلم عنها يعني انه يجهل القانون. وكذلك من يطلب من المرشحين التنازل او الانسحاب، فليس منا اي مرشح قاصر، وهذه اهانة للديمقراطية، فمن يتكلم بلغة خارج الدستور، فالدستور سوف يحط من قيمته. والقانون في هذه المسائل واضح ولا يمكن لاحد تغييره.
* وهناك من يتهم حزب الاستقلال بدوره الباهت والسلبي داخل حكومة بنكيران.. كيف سوف تواجهون هذه الاتهامات في حال فوزكم بالأمانة العامة للحزب؟ وماذا سوف تقدمون في المقابل من اجل تغيير هذا الواقع؟
- وفي برنامجي اشير إلى كيفية التعامل داخل الحكومة. فنحن نرغب اولا في حكومة ناجحة في مهامها، لان اي فشل يعني العودة الى ما قبل فاتح يوليوز، ويعني العودة الى الشارع. لذلك نحن نسعى الى تقوية الحكومة من خلال تواجدنا داخلها. واليوم ليس هناك من ينسق بين الوزراء داخل الحزب، وقيادة الحزب غير متابعة لعمل واداء الوزراء. لهذا اشرت في برنامجي ايضا الى مجموعة من الاقتراحات من بينها تقوية دور الحزب داخل الحكومة بجعل الحزب له رأي، ويكون سباقا الى المبادرة، ويكون للوزراء علاقة طيبة مع الاستقلاليين في كل الجهات، يتقدمون الى المجلس الوطني ببرامجهم وحصيلة اعمالهم وافاقهم المستقبلية حتى يحضون بدعم شعبي، فالحكومة بدون سند شعبي لا يمكن ان تنجح. واتوقع ان يصبح حزب الاستقلال من بعد 23 سبتمبر ومن بعد فوزي الذي اؤمن به كثيرا والنابع من رغبة الاستقلاليين في التغيير، حزبا قويا وفاعلا داخل الحكومة.
وسوف نسطر برنامجا سوف يكون متفقا عليه داخل المجلس الوطني، ومستمدا من برنامجي الانتخابي، بحيث يجب ان نكون اوفياء لهذا البرنامج، ويجب ان نحققه، خصوصا بالنسبة لملفات النمو، والبطالة، وملف الاطر العليا المعطلة، التعليم، السكن، التغطية الصحية.. اذن هناك مجموعة من القضايا التي سوف نسعى الى علاجها عن قرب، والحزب بكل مؤسساته سوف يشتغل الى جانب الوزراء من اجل تقويتهم داخل الحكومة الحالية.
* ما هي خطتكم / برنامجكم للمشاركة في حركة التغيير التي يشهدها المغرب؟
- اذا غيرت القيادات السياسية اسلوبها في التعامل، وقمنا بتنزيل حقيقي للدستور الذي جاء بمبدأ الفصل بين السلط، واذا قامت كل مؤسسة بالدور المنوط بها داخل الدستور في اطار من الاحترام المتبادل وفي اطار من التكامل، فبالتأكيد سوف نلمس التغيير، لكن للأسف لليوم لازلنا نتحدث عن مواضيع هامشية ولم ننخرط بعد في الملفات الهامة التي هي هاجس الشعب المغربي، فالشعب المغربي اليوم لابد ان يعيش كما يعيش الاخر، والشعب المغربي هو شعب طموح ووفي والاكثر ان لديه قناعة بالتغيير، لكن كثرة الانتظار تهدد الحكومة واستقرار البلد. اذن هدفنا جميعا داخل الحزب هو الحفاظ على استقرار الوطن، وكلما نجحنا في الحفاظ على استقراره كلما تمكنا من بناء مغرب قوي وهذا لن يتحقق الا عن طريق الاستفادة من المآسي التي عاشتها اوروبا. فنهضة اوروبا تحققت فقط بعد انهيار المشروع الاسلامي في العالم الاسلامي وانهيار الامبراطورية العثمانية ودخول المستعمر الى العالم العربي. واليوم المستعمر يغزو عالمنا عن طريق الفيس بوك وتويتر والانترنيت. فخيرات ليبيا قد تم الاستيلاء عليها، وكذلك خيرات اليمن ومصر.
فالحرب اليوم هي حرب على الاسلام بالأساس. والمغاربة بفضل ذكائهم وبفضل الارادة القوية والقيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس استطاعوا تجاوز مرحلة صعبة خلال سنتين مضت. والشعب لاحظ حقيقة ان هناك تغيير حدث عن طريق الاصلاحات السياسية والتنموية، فالمغاربة مؤمنون بنظامهم ويعتبرون المؤسسة الملكية هي تاج وحَكم داخل الدستور المغربي، ولا يرغبون الا في الحياة الكريمة والتي لن تتأتى الا بالعمل الذي سوف يخرج البلد من الورطة التي تعيشها اليوم.
* الشعب مل من الخطابات الرنانة والشعارات البراقة، وهو يريد اليوم ان يلمس التغيير الفعلي.. بماذا يعدهم شباط في حال فوزه بالامانة العامة لحزب الاستقلال؟
- لدينا برنامج واضح تمت طباعته في كتيب وتم توزيعه على جميع الاستقلاليين وغير الاستقلاليين. وانا اقول دائما اننا يجب ان نطبق الآية الكريمة التي تقول" يا يحيى خذ الكتاب بقوة"، فعندما نتدبر شأن حزب او جمعية او جماعة او مجموعة كيفما كانت، فعلى الانسان ان يكون حازما، لكن عن طريق تطبيق القانون.
اذن هناك مجموعة من المشاريع الكبرى التي يجب ان تدشن وهي لا تتطلب اعتمادات مالية كبيرة بقدر ما تتطلب قرارات حاسمة وجريئة. فمثلا عندما نتحدث اليوم عن المعادلة، فالأب يدرس اولاده في مدرسة الممرضين او المهندسين او جامعة تعليم خصوصي، لكنه يفاجئ في اخر السنة بعدما خسر الملايين في سنوات الدراسة ان ليس هناك معادلة. فالممرضين مثلا يمكن ان يعملوا بفرنسا ولا يمكنهم اجتياز المباراة داخل وطنهم بسبب جدلية المعادلة، وهذا لا يحتاج الى اموال بل الى قرار ومرسوم وارادة الوزير السياسية التي لم نلاحظها بعد الى حد اليوم.
وهناك برامج لم تنتبه لها الحكومة بعد ربما لقلة التجربة او نقص الجرأة في القرار السياسي. كذلك هناك اليوم ملفات ومشاريع استثمارية موقوفة بسبب التعقيد في المساطير، فالمستثمر عندنا يجب ان ينتظر سنتين من اجل انهاء الاجراءات الادارية ليذهب باستثماره الى الخارج وينهيها في 48 ساعة، وهذا شيء مؤسف.
واليوم الدستور ربط المسئولية بالمحاسبة، ويجب اولا تحديد من المسئول سواء داخل المدينة او داخل الحكومة وداخل الوزارة.. فانعدام الوضوح في الرؤيا عند المسئولين هو من سبب هذا الاحتقان داخل اوساط الشعب، ومن اجل استرجاع ثقة الشعب يجب ان تتحقق الشفافية وان نبدأ بالمعالجة نقطة بنقطة وان نبدأ من السهل والذي لا يتطلب مالا بقدر ما يتطلب قرارا حتى لا تأتي الحكومة وتقول ان لدينا ازمة مالية.. مع العلم ان الازمة الحقيقية التي نعيشها هي ازمة فكرية.