أثار قرار اللواء "جمال أمبابي" محافظ الإسماعيلية أمس الاثنين تداعيات ايجابية عديدة بدعم أعمال التطوير الثاني لمتحف "الدبابات الإسرائيلية" الذي بادرت به في نهاية السبعينيات "جمعية أصدقاء الشعب والشرطة" وقوي وطنية بجمع مخلفات الآليات العسكرية المدمرة عند مدخل قرية "أبوعطوة" بالإسماعيلية، وعدد من شهادات ومقتنيات أبطالنا لأقامته في ذات موقعته البطولية تخليدا لذكري بسالة القوات التي أسرتها من أبناء قواتنا المسلحة وفرق المقاومة الشعبية بالمحافظة وفي حضور خرافي لأحد أعظم رجال الصاعقة المصرية القائد المذهل الجسور "إبراهيم الرفاعي ورفاقه أبان حرب أكتوبر المجيدة وأحداث "الثغرة" الشهيرة ، الدعم الذي بلغت قيمته 100 ألف جنيه، مع تأكيدات من اللواء طارق عبد القادر رئيس مجلس المدينة علي تعيين فرد أمن وحراسة للمتحف عقب نهو أعمال التطوير المزمع فريبا ، وليتحول الخبر إلي ملمح حضاري كان يترقبه أبناء المحافظة طيلة ال 10 أعوام الماضية، بعد أن حاصره الإهمال الجسيم، ونهبت معظم مقتنياته الوثائقية وشوهت لوحاته الفنية المعبرة عن قصته البطولية الفريدة، ذلك بالإضافة إلي تحوله مرة أخري وبسرعة غريبة عقب تطويره الأول عام "97" إلي مجمع للقمامة والحيوانات الضالة، بينما اختفت معالم حديقته المهجورة المهملة . وبمناسبة استعادة محافظة الإسماعيلية مرة أخري للوجه الحضاري لأحد أهم وأعظم رموز وقفاتها البطولية والتاريخية التي تخلد تضحيات أبناء إقليم القناة ومصرنا الباسلة، والذي يأتي أيضا متزامنا مع قرب حلول ذكري حرب أكتوبر المجيدة بعد أسابيع قلائل، تقدم أحد أهم وأقدم الوثائق التي رصدها قبل أكثر من 34 عاما في كتابه وشهادته الرائعة "جسر علي قناة السويس " للأديب والصحفي الأسماع يلي الراحل "فتحي رزق" أول أسماعيلاوي يتقلد عضوية مجلس نقابة الصحفيين، ووالد الزميلين الصحفيين" ياسر رزق ، وخالد رزق "، يكتب في يومياته كمراسل حربي لمؤسسة "الأخبار" عن الحدث المدوي وتحت عنوان " الأحد 21 أكتوبر 1973 - بعد دقائق من منتصف الليل - قوات شارون علي مرمي البصر في "أبو عطوة"، و قال : " كنت في حالة إعياء شديد عندما ابلغني أحد القادة المسئولين عن الدفاع المدني، بالاستعداد لمواجهة معركة من أعنف المعارك التي قد أكون من بين المشاركين فيها ذلك أذا تمكنت القوات الإسرائيلية المدرعة من أن تشتبك مع قوات الصاعقة المصرية، في هذه اللحظة وداخل سلسلة صغيرة من الفري المصرية الواقعة بين ترعة السويس وطريق القناة البري الاحلي - وهي مناطق كثيفة الأشجار والحدائق - وفي نهايتها تقع منطقة سكنية شبه ريفية صغيرة يطلق عليها أسم "أبو عطوة" .
يضيف الكاتب الصحفي "فتحي رزق" : "والعدو في حال نجاح اختراقه الانتحاري هذا يستهدف الوصول إلي هذه المنطقة بالتحديد والتي يوجد بها تل مرتفع تستطيع منها الدبابات أن تضرب مدينة الإسماعيلية، بل وأن تقطع " طريق المعاهدة " البري المحاذي لترعة الإسماعيلية ولأحداث شرخ وشلل للمدينة من جانب، ومن جانب آخر تقطع وفي نفس الوقت كافة الإمدادات عن قوات الجيش الثاني وبكل ما يمثله من قوة ردع لتطوير خطتهم الجنونية، و كمرحلة أولي من أجل أحداث أكبر قدر من الخلل و الارتباك يمكن تحقيقه داخل الخطوط الخلفية لجيشنا، وكذلك محاولة حصاره من الشرق أن أمكن ذلك" .
وذكر أيضا: " نظرت في ساعتي .. وكنت عائدا لتوي من الجبهة وانتهيت من أعداد رسالة إلي صحيفتي في القاهرة، ولم أكن في حالة تسمح لي بسماع أي شيء أو كتابة أي شيء، و بادرت سؤال عما أذا كان العدو في حالة تسمح له بتحقيق أهدافه ، وكنا في الحقيقة في حالة سيئة جدا، فما هو الوقت الذي يمكن بعده للعدو أن يصل - والحالة كهذه - إلي"أبو عطوة"، و بالتالي يصبح الموقف بالنسبة لمدينة الإسماعيلية يستدعي القتال المباشر مع قواته ، أو التلاحم، أو القتال من شارع إلي شارع، رد محدثي : أمامه وأمامنا 8 ساعات .. وكان ردي : شكرا" .
وأضاف : "وكنت في حاجة إلي أن أستريح ولو 100 دقيقة فقط، وبعدها أستطيع أن أعمل من جديد وكأنني نمت عدة أيام، فقد تعودت علي ذلك خلال سنوات الحرب، ولم أفكر طويلا، طلبت من أحد زملائي المحررين العسكريين - وكان أحسن حالا مني فقد نام طوال الليل - أن أنام ساعتين وأضفت : وأرجوك أتركني لأنام، إلا إذا دخل العدو المدينة قبل ذلك فأيقظني فورا.
و تابع القول: "وفورا دخلت أحد المكاتب بمبني الحاكم العسكري، وألقيت بجسدي علي سرير، و رحت في غيبوبة طويلة،م ع أن دوي المدافع الثقيلة والصواريخ حولي تجعل المدينة كلها في حالة زلزال شديد يختلط بصواعق ورعود جوية لا تتوقف، وكأن طاقات الجحيم قد فتحت أبوابها، واستيقظت علي من يمسك بيدي ويهزها بشدة، فتحت عيني، وجاء الصوت لزميلي المراسل العسكري صائحا ك تم الآن تدمير كل محاولات قوات التسلل الإسرائيلي للوصول إلي الإسماعيلية.
و تابع بمذكراته: "لقد أستطاع رجال الصاعقة المصرية - كما نقل لي من سبقني من الرفاق إلي هناك - أن يدمروا آخر محاولات العدو لدفع عدد من دباباته للوصول إلي المدخل الجنوبي لقطاع الإسماعيلية، و قاتل رجال الصاعقة ببسالة ، دمروا دبابات العدو علي مرحلتين، الأولي ثلاث دبابات عند قرية أبو عطوة، و الأخرى 4 دبابات ومدرعة علي بعد 500 مترا من المعركة الأولي، ودارت بينهم وبين الفوات الإسرائيلية معركة بالرشاشات والقنابل اليدوية و السلاح الأبيض داخل منازل القرية، وتمكن أبطالنا من تطهير المنطقة من قوات العدو، وعرفت أن قرار القيادة العسكرية إلي قائد الصاعقة في المنطقة هي : أمنعوا العدو من الاقتراب من الإسماعيلية مهما كانت النتائج والتضحيات، لقد كتبت هذه السطور وكانت هناك سيارة تنتظرني للذهاب إلي أبو عطوة لكي أري بنفسي ما حدث لقوات شارون ، ولم يكن الوصول إلي هناك سهلا كما تخيلت، لقد كنت في طريقي إلي بقايا نيران ودخان مازال صهدهما ساخنا متصاعدا من فوهات البنادق والدبابات هناك، والمخاطر تحلق من كل صوب حول أقوي و أشرس المعارك التي خاضها رجال الصاعقة داخل المدن والفري في الساعات الحاسمة قبل توقف حرب أكتوبر بساعات عصيبة ، أنها المعركة التاريخية عند المدخل الجنوبي للإسماعيلية، وكنت خلال عدة أيام بعدها أحاول الوصول إلي قائد هذه المعركة، أو بعض المشاركين بها لأعرف بالضبط ما دار فيها، مرت ليلة الحدث الرائع في 21 أكتوبر بليلها الصعب دون أن أصل إلي "أبو عطوة" ، لكي أري تفاصيل محاولات المتغطرس "شارون" وتفكيره في دفع فصيلة من الدبابات للتقدم في اتجاه الطريق الموصل للإسماعيلية لتطويقها مع جيشنا ، آخر مرة قررت أن أكون بين أبطال الواقعة مهما كان ينتظرني في علم الغيب ، و بالفعل وفي ساعة متأخرة من ذات الليلة ووسط الظلام الدامس الذي لا تضيئه غير القذائف وطلقات المدافع والصواريخ بأنواعها والموت يتراقص من حولي، مجازفة أعدت نفسي أن أكملها للنهاية وبالمبيت هناك ليلة علي الأقل داخل مواقع الصاعقة، أخيرا سمحوا لي بلقائهم في أقرب نقطة آمنه يمكن لي أن أتواجد فيه بينهم ،صافحت الرجال جميعا ، وكانوا في حالة معنوية ممتازة، وأحسست, أنا أحتضن هؤلاء الرجال أنني أضم مصر كلها إلي صدري، و بدأت أستمع مع حدث علي أرض قرية مصرية صغيرة للغاية أسمها "أبو عطوة"، وليعرف العالم كيف لمجموعة قليلة من الرجال الصاعقة استطاعت أن توقف تقدم الدبابات والمدرعات الإسرائيلية التي كانت تسرع محمومة لتتمدد وتنتشر من ثغرة الدفرسوار في اتجاه مدينة الإسماعيلية مساء يوم 22 أكتوبر, استطاعت تدمير خمس دبابات و ومدرعتين للعدو، وألحقت بأفراده أفدح الخسائر وحرمته من تحقيق مخططه الخبيث.
وأضاف: "كانوا يحكون ما جري بكل ثقة وهدوء وتواضع شديد، قال لي أحدهم أسمه "فكري": الموقعة سبقتها سلسلة مواجهات توجت بالأخيرة الأشرس والحاسمة، فقبل غروب الاثنين 22 أكتوبر، بدأت محاولات العدو الانتشار غرب القناة بكثافة هجومية ، التعليمات صدرت بتشكيل مجموعات صغيرة ومسلحة بالقذائف المضادة للدبابات والرشاشات والبنادق والقنابل اليدوية وأعددنا خطة مواجهه لدباباتهم في أطار كمين محكم للغاية نفذنا بنجاح كامل و فدائية عالية، وللتخلص من فصيل آلياتهم بنوعيها في وقت واحد ، ضربنا مقدمة الركب المتقدم قبل مؤخرته، فتوجهت قواتهم نحو المصيدة التي أردنا بالضبط نصبها لهم بعد أن تركنا السليمة منها تتقدم إلي الأمام لتصبح في مرمي نيراننا،وليتوالي تفجير آلياتهم لنحصد معظم مدرعاتهم وسط ذهولهم ورعبهم مما حدث لهم في دقائق معدودة . بينما يقول قائد آخر لأحدي المجموعات، لم يتبق معنا سوي ثلاث قذائف فقط مضادة للدبابات، لذلك كان المطلوب إصابة الهدف بكل دقة متناهية، فلم يكن هناك أي احتمال للخطأ ولو بنسبة 1% وأن تكون الإصابة في قلبها تماما لعدم عودتها للتقدم أو المناورة، وقد نجحنا في تحقيق ذلك بعون الله وتوفيقه ، وإصرارنا علي التصرف المحكم مع الإمكانيات التي لم نتوقع وصول تعزيزات عاجلة كان وراءها المعلومات المؤكدة التي تشير إلي تجهيز العدو لسلسلة من تلك المحاولات رغم صدور قرار دولي بوقف أطلاق النار، وبالفعل بعد 5 ساعات من القرار دفع الصهاينة بمجموعة كبيرة من قوات المظلات، لكننا بدورنا كنا ننتظرهم من لنثبت للعدو نوعية المقاتل المصري، تركناهم يتقدمون في طريقهم ومن مواقعنا لمسافة 20 متر جديد فقط وأمطرناهم بالنيران من كل جانب، ثم نزلنا مما تبقي منهم في مواجهة مفتوحة بالأسلحة البيضاء لنبيد معظمهم ويفر البقية للحدائق المجاورة وبعض أسطح بيوت أبوعطوة، وتتواصل أفواجهم ليلقوا نفس المصير رغم قلة عتادنا وذخيرتنا بالقياس لهم، وأتمتتهم للوصول إلي مدخل مدينة الإسماعيلية .
ويقول فتحي رزق : "وهنا يقول المقاتل "خيري" : كنا 14 مقاتل صاعقة ن أمام مجموعات لا يقل عدد كل منها عن 60 فردا وبرغم ذلك تعارفنا معهم من منزل لمنزل بلا هوادة والي الحد إلي وصل تلاحمنا معهم إلي أطلاقنا نيراننا من مسافة 3 : 5 أمتار، ويسرد "خيري" بكل فخر واقعة جندي الإشارة "قدري" الذي لم يكن مكلفا بأي مهمة قتالية، لكنه بادر بسرعة في حمل سلاح بسيط سريع الطلقات ليدعم عدد من أفراد الصاعقة تحاول مجموعة من مظليين العدو حصارهم وليقتل 6 منهم بمفرده منقذا زملاءه قبل أن يستشهد ، بينما يحكون لي أيضا عن قائد الصاعقة لمجموعتهم "مجدي" الذي كان يحرص علي أن يتقدمهم في من خططه لهم في استباق هجمات الصهاينة ونصب كمائن لهم في معظم القرى والنجوع التي اختبئوا فيها قبل مواجهة الحسم في أبو عطوة قبل أن يصاب عقبها بشظايا صاروخ طائرة فانتوم بإصابة خطرة وقبل استشهاده طالب رجاله بالذود عن الإسماعيلية لآخر أنفاسهم.
ويختتم "فتحي رزق" شهادته الوثيقة حول أفراد الصاعقة المصرية ورموز من المقاومة التي صنعت ذكري موقعة التصدي بكل شجاعة وروح وطنية مخلصة " للوهم " الإسرائيلي، بالوصول للإسماعيلية واحتلالها"، كاتبا في نهاية يومياته : "لقد أجبروا صناع تلك الذي خلده الملعون "شارون" - الذي لم يجد حلا أمام جسارة صاعقتنا - وفي الأيام الأخيرة للمعركة سوي فرق بالجيش الصهيوني يطلق عليها أسم " الفرق المجنونة"، وتتكون من مجموعة من الشواذ و عتاة المجرمين في السجون الإسرائيلية، وهذه الفرق كانت آخر ما دفع بها في مواجهة رجالنا الأبطال، مستغلا وقف أطلاق النار، و محاولا أثارة الرعب بين المدنيين، وبينما كان "شارون " يوجه شرذمته نحو أهدافه رصدته فرقة "أبو عطوة " وأصابته أصابه مباشرة في وجهة و رأسه نقل علي أثرها للمستشفي للعلاج، وليضع رجال الصاعقة أبطال الحدث وصناع ذكري و معني ورسالة متحف الدبابات بصمتهم ألأبقي ودرسهم القاسي لقادة جيش الدفاع الإسرائيلي . مواد متعلقة: 1. ندوة بتربية العريش حول حرب اكتوبر 2. المحافظ يبحث مع وفد من وزارة الآثار خطة لتطوير متاحف مطروح 3. وزير الآثار يقوم بزيارة مفاجئة للمتحف المصري ومسجد السلطان حسن بالقاهرة